يوسف عيسى عبدالكريم

بعد مرور ٥ سنوات على انقلاب البرهان و بعد انقضاء ٣ سنوات من عمر الحرب المندلعة في البلاد ادرك البرهان و حلفائه من الإسلاميين أخيراً أهمية الدور السياسي في مشروع السلطة التي يسعون إلى إستعادتها بقوة السلاح و شرعية الحرب بعد أن كانوا يرفضون أي حل السياسي للأزمة السودانية الراهنة.

فقد قاموا بإتخاذ مقاربة سياسية لشرعنة موقفهم في الصراع الدائر في السودان و ذلك بتعديل الوثيقة الدستورية الحاكمة بعد ثورة ديسمبر بحيث تم تكريس كل السلطة في يدهم و ذلك لإدراكهم أن من الصعب ان يجدو الإجماع الداخلي من الشعب السوداني كي ينفردو بالحكم أو يجدو القبول الخارجي من المحيطين الإقليمي و الدولي إذا ظلوا متخندقين خلف القناع العسكري الذي ظل ملازم لهم في الفترة السابقة.

لذا جرت الأمور بتطور دراماتيكي تجاوز أزمة الحرب التي تناسها الناس بسرعة وانهمكوا في مشروع السلطة الجديد حيث تم تسمية رئيس وزراء مدني اختير بمواصفات تكاد تماثل مرشح قوى الحرية والتغيير السابق المنقلب عليه في محاولة منهم لبث رسائل واضحة للداخل و للخارج معا بأن مرشحهم الدكتور كامل إدريس لا يقل خبرة و لا كفاءة عن الدكتور عبدالله حمدوك الذي ما يزال يجد دعماً من بعض المؤسسات بالخارج.
فإذا كان حمدوك موظفاً سابقا بالمؤسسات الدولية فكامل إدريس قادم من جنيف و من أروقة الأمم المتحدة و إذا كان حمدوك يتحدث اللغات الأجنبية فكامل إدريس قضى عمره في أروبا و يتحدث لغة الخواجات و إذا كان حمدوك كان يمني الشعب السوداني بالعبور فكامل إدريس يحمل معه مشروع الأمل.

و قد ترافقت تسمية كامل إدريس لرئاسة الوزراء مع حملة دعاية مكثفة في الوسائط الإجتماعية من الحاضنة السياسية للبرهان من الإسلاميين و بقايا النظام البائد في محاولة الترويج له بأعتباره الذي يحمل العصاة السحرية للخروج بالبلاد من النفق المظلم الذي انحدرت فيه.

ولكن تواجه حكومة الأمل التي يحاول البرهان منحها قبلة الحياة قدر الإمكان. تحديات جمة فهي أولاً لا تتمتع بأي شرعية أو إجماع في الداخل غير شرعية التعيين التي منحها لها البرهان مما جعلها غير قادرة على مواجهة الابتزاز و الهجوم من حلفاء البرهان الساعين لاقتسام أكبر قدر من سلطتها حيث تكالبت عليها الحركات المسلحة وكتائب الإسلاميين و القوى القبلية و المجتمعية الداعمة للجيش و التي يطالب كل منها بنصيبه من السلطة ضاربين عرض الحائط بمشروع الأمل الذي بشر به كامل إدريس بتشكيل حكومة تكنوقراط قائمة على الكفاءة لقيادة البلاد في هذا الظرف الحرج.

كما أن الحكومة حسب المراقبين تعمل بايقاع بطيء لا يتناسب مع الظرف الذي تواجهه البلاد فالحكومة مكونة من ٢٢ وزير و هذا العدد لايتناسب مع ظروف بلد مايزال يخوض حرب تستنذف منه كل الموارد مما يجعل الحكومة واعضاءها عبئا على الخزينة وليس دعماً لها في بلد نعرف فيه تماماً كيف يعيش الوزير وكيف يصرف الوزراء على أنفسهم.

كما تواجه حكومة كامل إدريس ظروف اقتصادية قاسية من انهيار للعملة و انفلات بسعر الصرف و تردي الخدمات الصحية وضعف الأداء الحكومي.
َو تظل قاصمة الظهر هي برنامج إعادة الإعمار المتوقع منها في ظل استمرار الحرب و التي تتطلب الصرف الغير محدود على العتاد و الأفراد الغير محدودين.

و يظل المخرج الوحيد أمام كامل إدريس هو محاولة إقناع البرهان و حلفائه بضرورة إيجاد صيغة السلام يمكن بها المضي نحو الأمل الحقيقي لبناء وطن يسع الجميع تسكت فيه أصوات البنادق و أزيز المسيرات.

و يعود فيه أبناء الوطن الواحد إلى طاولة المفاوضات لإيجاد صيغة مناسبة للخروج بالبلاد إلى بر الأمان.

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.