أطفال جنوب كردفان.. من لم يمت بالرصاص والجوع مات بالحشائش السامة
منتدى الإعلام السوداني: غرفة التحرير المشتركة
إعداد وتحرير: راديو دبنقا
تقرير: عبد المنعم مادبو
مشهد أول
كادقلي؛ 29 سبتمبر 2024 أم كلثوم، طفلة تبلغ من العمر ثلاث سنوات، توفيت جراء التسمم في الدلنج نتيجة تناولها حشائش لتلحق بأشقائها الثلاثة الذين توفوا الأسبوع الماضي في مستشفى السلاح الطبي متأثرين بالتسمم أيضا. ونزحت الأسرة المكلومة من لقاوة إلى الدلنج قبل عامين.
مشهد ثاني
أم مهرولة تحمل طفلاً تحاول إنقاذه، تقابلها سيارة شرطة، يتوقف السائق بغرض إيصالها بالسرعة التي تحاول أن تصل بها إلى مستشفى كادوقلي، وعندما تجلس الأم في مقعد السيارة، وترفع الغطاء عن وجه ابنها الذي تجاوز العام من عمره بأشهر قليلة؛ تجده قد فارق الحياة.
وهناك في العنابر الأربعة لمستشفى كادوقلي بجنوب كردفان يرقد أكثر من 86 طفلاً مصابون بسوء التغذية، يفارق بعضهم الحياة ببطء والبعض الآخر يظل لأيام في العنبر ينتظر المصير.
وفي نواحي أخرى متفرقة من ولاية جنوب كردفان يطبق الجوع على بطون الأطفال، فيخرج بعضهم إلى الغابات والمزارع المجاورة؛ ليجمعوا الأعشاب بغرض طهيها؛ ومن ثم تناولها كوجبة للقضاء على الجوع، لكنهم صغار لا يقوون على مقاومة هذا الجوع، فيضطرون لتناول بعض الأعشاب قبل أن يعودوا إلى منازلهم لتكتمل عملية الطهي، الأمر الذي تسبب هو الآخر في وفاة عدد من الأطفال.
كل هذه أسباب موت تحاصر أطفال ولاية جنوب كردفان يرويها ناشطون تحدثوا لراديو دبنقا عن الوضع في الولاية المحاصرة من عدة اتجاهات بآلة السلاح والموت، ولا تصل إليها أي مساعدات إنسانية لمواجهة المجاعة التي يعانيها سكان الولاية.
ويشهد محيط مدينتي كادوقلي والدلنج بين الفينة والأخرى معارك بين الجيش والحركة الشعبية بقيادة الحلو حيث تسيطر الحركة على الطريق الذي يربط بين المدينين، بينما تسيطر قوات الدعم السريع على نقاط في الطريق الذي يربط الأبيض بالدلنج.
وبحسب التصنيف الغذائي الصادر عن وكالات إنسانية أممية 755,000 شخص في 10 ولايات، بما فيها ولايات دارفور الكبرى الخمس وكذلك ولايات جنوب وشمال كردفان والنيل الأزرق والجزيرة والخرطوم، مستوى الكارثة أو المجاعة وهي المرحلة الخامسة من التصنيف. بينما يواجه 8.5 مليون شخص أي 18 بالمائة من السكان حالة الطوارئ وهي المرحلة الرابعة من التصنيف. فيما ظل المسؤولون الحكوميون ينفون باستمرار وجود أي مجاعة في السودان.
في أغسطس الماضي، أعلنت السلطة المدنية في مناطق سيطرة الحركة الشعبية عن مجاعة في مناطق سيطرتها، وقالت إن عدد الوفيات الناجمة عن سوء التغذية بلغ 109 حالات في أربع مقاطعات، حيث توفي في مقاطعة هيبان 27 شخصاً، وفي رشاد 62، مقابل 11 في لقاوة، و 9 في أم دورين.
عنابر ممتلئة بالأطفال
يقول عضو في مبادرة إنقاذ الأطفال المصابين بسوء التغذية لراديو دبنقا إن عنابر الأطفال بمستشفى كادوقلي ممتلئة بالأطفال المصابين بسوء التغذية، والذين تعرضوا لحالات تسمم جراء تناولهم الأعشاب، وأضاف “العنبر العام فقط فيه أكثر من 55 طفلاً دون عنابر الإسهالات والحديثي الولادة ومصابي سوء التغذية، لدرجة أن 3 أطفال يتم تنويمهم في سرير واحد في ظل انقطاع الكهرباء وانتشار البعوض”.
وأشار عضو المبادرة الذي حجبنا اسمه لأسباب أمنية إلى أن الفترة من 22 أغسطس إلى 22 سبتمبر الجاري، شهدت ارتفاعاً في عدد الوفيات وسط الأطفال، فقد توفي منهم 15 خلال يومين فقط لأنهم يصلون المستشفى بعد أن تتأخر حالتهم الصحية بحسب ما نقله لراديو دبنقا عن أطباء مستشفى كادوقلي، وذكر أنه شاهد امرأة قبل يومين تجري بطفلها إلى المستشفى، فقابلتها عربة شرطة، وأوقفتها لأجل إيصالها إلى المستشفى لإسعاف ابنها، وأضاف “لكنها عندما ركبت في السيارة، وكشفت الغطاء عن وجه ابنها وجدت قد فارق الحياة، وهي تحمله في يديها، دون أن تعلم”.
أوضح عضو في مبادرة إنقاذ الأطفال من سوء التغذية أنه من يوم 22 أغسطس حتى 22 سبتمبر بلغ عدد الوفيات بعنبر التغذية بمستشفى الأطفال كادقلي بلغ 15 حالة، بسبب مضاعفات نقص الغذاء وسوء التغذية.
بينما أشار عضو غرفة الطوارئ الذي طلب عدم ذكر اسمه إلى أن عنابر مستشفى كادوقلي بها أكثر من 86 طفلاً يعانون الأمراض بسبب نقص الغذاء، مشيراً إلى أن البعض يُخْرَجُون من المستشفى بعد أن تتحسن أحوالهم، لكن تنظم لهم جلسات خاصة في المستشفى في يومي الأحد والثلاثاء من كل أسبوع لإجراء الفحوصات لهم، ومنحهم المكملات الغذائية بواسطة المنظمات الإنسانية، لافتاً إلى تردد ما بين 200 إلى 300 طفل إلى المستشفى في كل يوم خلال الفترة المحددة لاستلام المكملات الغذائية.
وأوضح عضو غرفة الطوارئ أنه حتى البسكويت الغذائي الذي يقدم للأطفال قد نفد، وأضاف “لكن حسب ما توفر لدينا من معلومات، فإن إحدى المنظمات تمكنت خلال الأيام الماضية من إيصال شحنة بسكويت غذائي إلى مدينة الدلنج، وهناك كميات أخرى ربما تصل في الأيام المقبلة إلى كادوقلي”.
أعشاب سامة
قال عضو غرفة طوارئ كادوقلي إن مشكلة الغذاء أصبحت مؤرقة جداً للأسر في مدينة كادوقلي، لدرجة أن كل أفراد الأسرة كبار وصغار يخرجون في الصباح بحثاً عن غذاء، ونبه إلى أن هناك أطفالاً تتراوح أعمارهم ما بين 7 إلى 12 عاماً يحملون جوالات فارغة، ويخرجون بها إلى (الخلاء) من أجل جمع الأعشاب والحشائش والعودة بها إلى المنازل، من أجل أن تقوم الأمهات بغليها في النار، حتى تفقد مرارتها، وتُخْلَط (بالدكوة) تناولها كوجبة، لكنه رجح أن تكون حالات التسمم الكثيرة التي يتعرض لها الأطفال بسبب تناولهم هذه الأعشاب قبل العودة بها المنازل وغليها في النار، لعدم قدرتهم على تحمل الجوع، مشيراً إلى أن هذه الحالة ربما في أغلب مناطق جنوب كردفان، مشيراً إلى أنه قبل أشهر خرج 3 أطفال أشقاء إلى إحدى مزارع الفول السوداني، وأخرجوا البذور التي وضعت تحت التربة في بداية عملية الزراعة، وأكلوها، ما أدى إلى إصابتهم بالتسمم لجهة أن المزارع وضع مبيدات حشرية في تلك البذور.
وكشف عضو مبادرة إنقاذ الأطفال من سوء التغذية، عن تعرض أربعة أطفال أشقاء من النازحين إلى حي المصانع بكادوقلي لحالة تسمم يوم 23 سبتمبر الجاري بعد تناولهم عشبة تسمى (البن بلاش) ما أدى إلى وفاة طفلتين وهن (سنوات وسحر على توتو أعمارهن 10 و7 سنوات).
وأفادت مصادر راديو دبنقا في الدلنج أن أربعة أطفال أشقاء من نازحي منطقة لقاوة بحي الرديف بالدلنج، دفعهم الجوع إلى تناول حشائش مجهولة، الأمر الذي سبب لهم تسمم نقلوا على إثره إلى مستشفى السلاح الطبي بالدلنج، لكنهم فارقوا الحياة متأثرين بالتسمم.
ووفقا لمتابعات راديو دبنقا فقط توفي أكثر من 15 شخصاً أغلبهم من الأطفال في مناطق مختلفة من ولاية جنوب كردفان خلال الأشهر الماضية، بسبب تناولهم حشائش وأعشاب أو بذور سامة.
استمرار الجوع
وحسب تقرير شبكة الإنذار المبكر للمجاعة الصادر في سبتمبر الجاري، فإن مناطق كادوقلي والدلنج والعباسية أبو كرشولا القوز هبيله هيبان البرام الريف الشرقي وأم دورين تقع تحت المرحلة الرابعة من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي.
ويشير التقرير إلى وقوع اشتباكات في أغسطس الماضي عندما حاولت القوات المسلحة السودانية كسر الحصار الذي تفرضه الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الحلو على خطوط إمداداتها.
وبالمثل، لا تزال كادقلي محاصرة؛ لأن قوات الدعم السريع تعرقل الطرق الرئيسية. ومع تزايد القيود المفروضة على التدفقات التجارية من جنوب السودان إلى جنوب كردفان بسبب الفيضانات، أصبحت إمدادات السوق محدودة للغاية وأسعار المواد الغذائية في أسواق مثل كادقلي من بين أعلى المعدلات في السودان.
ورجح التقرير أن تتفاقم فجوات استهلاك الغذاء وسوء التغذية الحاد في الدلنج وكادقلي وحولهما وأجزاء من المناطق التي تسيطر عليها الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الحلو مدفوعة بانخفاض القوة الشرائية للأسر وارتفاع مستويات النزوح، والقيود الناجمة عن النزاع على قدرة السكان على البحث عن الغذاء أو الوصول إلى الخدمات أو الانتقال إلى مناطق أكثر أمانا.
مخاوف من فشل الموسم الزراعي
أكد تقرير شبكة الإنذار المبكر إن زراعة المحاصيل في معظم القطاعات التقليدية في كردفان الكبرى محدودة؛ بسبب انعدام الأمن والنزوح على نطاق واسع؛ مما قلل من الوصول إلى المزارع. ويشير تحليل ظروف المحاصيل الذي أجراه شركاء نظام الإنذار المبكر بالمجاعة في وكالة ناسا وهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية في يوليو إلى زيادة في المساحات البور غير المزروعة مقارنة بظروف ما قبل الحرب.
وأفاد التقرير بانخفاض واسع النطاق في المساحة المزروعة في المناطق المتأثرة بالمواجهات المباشرة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع والحركة الشعبية لتحرير السودان شمالاً في مناطق جنوب كردفان.
وتوقع التقرير أن تكون المساحة المزروعة في هذه المناطق أقل بكثير من المتوسط، كما رجح أن يتأثر أداء المحاصيل سلبا بالأمطار الغزيرة والفيضانات والنمو المكثف للأعشاب ونقص وارتفاع تكلفة العمالة، مما يحد من قدرة المزارعين على إزالة الأعشاب الضارة أو إدارة تفشي الآفات.
مساعي جديدة
في منتصف سبتمبر الجاري، اتفق رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ورئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت في جوبا على التشاور الدولي للوصول لآلية تعمل على نقل المساعدات الإنسانية إلى جنوب كردفان عبر مطار جوبا الدولي. بينما اعتبرت الحركة الشعبية قيادة الحلو أن الاتفاق يعبر عن موقفها التفاوضي الذي رفضه وفد الحكومة في مايو الماضي.
وقال وفد الحركة حينها في بيان إن وفد الحكومة رفض ثلاث مقترحات قدمتها الحركة شملت “إيصال المساعدات الإنسانية بدون اتفاق وفقا لتجربة الحركة السابقة عندما قامت في الخامس من نوفمبر 2023 بتأمين 8 شاحنات إغاثة تابعة لبرنامج الغذاء العالمي، أو توقيع كل طرف منفرد مع وكالات الأمم المتحدة بإشراف وساطة دولة جنوب السودان، بعدها تقوم لجنة الوساطة بعقد اجتماع يضم الأطراف لمناقشة الجوانب الفنية، أما المقترح الثالث، فنصّ على ضم كل الأطراف المتحاربة والتوقيع على إعلان وقف العدائيات، حتى لا يعرقل أي من الأطراف المتحاربة عملية إيصال المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين”.
وكانت الحركة الشعبية قيادة الحلو أعلنت عن مجاعة في مناطق سيطرتها بجنوب كردفان، واتهمت الحكومة ببيع حصة إقليم جبال النوبة وإقليم الفونج من المُساعدات الإنسانية، بحجة قفل الطرق بواسطة قوات الدعم السريع، بالإضافة إلى تدفُّق أعداد كبيرة من النازحين من مناطق الحرب إلى مناطق سيطرتها ومُشاركتهم المخزون الإستراتيجي للغذاء مع الأسر المُستقِرَّة.
ينشر هذا التقرير بالتزامن في منصات المؤسسات والمنظمات الإعلامية والصحفية الأعضاء بمنتدى الإعلام السوداني
#ساندوا_السودان
#Standwithsudan
المصدر: صحيفة التغيير