أطفال الخرطوم في «مدني».. كوابيس الحرب وأحلام العودة
معظم أطفال الخرطوم الذين أجبرت الحرب أسرهم على النزوح، لازالوا غير قادرين على تصديق ما مرّ بهم من أهوال، ولازالت تطاردهم الكوابيس، فيما يحلمون بالعودة إلى العاصمة والأصدقاء والدراسة، بعد أن تضع الحرب أوزراها!!.
التغيير مدني: عبد الله برير
يعاني الأطفال الذين نزحوا جراء الاشتباكات في الخرطوم إلى مدينة مدني بولاية الجزيرة وسط السودان، من تداعيات الحرب وآثارها النفسية والاجتماعية والاقتصادية.
وتعتبر فئة الأطفال أكثر فئات المجتمع تأثراً بالحرب وآثارها إذ فقد بعضهم ذويهم ومعيليهم ومنازلهم وتعطلت مسيرتهم الدراسية، فضلاً عن العبء النفسي الذي لا تحتمله سني عمرهم الصغيرة.
ومنذ تفجر الصدام العسكري بين الجيش والدعم السريع في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى منتصف ابريل الماضي، أضطر نحو ثلاثة ملايين مواطن للنزوح داخلياً وخارجياً في ظل ظروف أمنية واقتصادية وإنسانية سيئة.
هلع وذهول
الطفل صلاح محمد أبكر عمر البالغ من العمر خمسة عشر عاماً، يدرس في المرحلة المتوسطة بمدرسة البواسل مربع أربعة في حي الأزهري جنوبي الخرطوم، روى لـ«التغيير» تجربته مع الحرب والنزوح.
وقال صلاح إن الحرب اندلعت بعد أن كان قد جلس لامتحانات نهاية العام الدراسي غير أنه لم يتمكّن من معرفة نتيجته بسبب نشوب الحرب.
وأضاف لـ«التغيير»: «صبيحة اندلاع الاشتباكات دخلت في حالة هلع شديد لأن أصوات الطائرات والمدافع كانت بالقرب منا في المدينة الرياضية، لم أصدق في بداية الأمر واعتقدت أنه كابوس.. اختبأنا تحت الأسرة وظننا أنها حادثة عابرة لكنها للأسف حرب مستمرة حتى اليوم».
وتابع بأنهم اعتادوا على أجواء الحرب رويداً رويداً بعد زوال الرهبة الأولى وأصبحوا يستغلون هدوء الأوضاع في الذهاب للتبضع وشراء الحاجيات الضرورية هو ووالدته لا سيما الطعام.
وحكى صلاح لـ«التغيير» عن أهوال ما رأى بالخرطوم، مؤكداً أنه شهد سقوط مقذوف «دانة» قرب مخبز في الحي وشاهد إصابات عدد من الناس.
وقال: «كان المنظر فظيعاً ومؤلماً.. بعدها بأيام أصيب أحد سكان الحي ويسمى خباب وتأثرت لموته كثيراً».
ووصف صلاح أن الوضع داخل معسكر النازحين بمدينة ود مدني بأنه جيد، وقال: «تعرفت على عدد من الأصدقاء الجدد هنا في دار الإيواء».
وختم بالقول: «أتمنى من كل قلبي أن تتوقف هذه الحرب لنرجع لأهلنا.. افتقد أيام الدراسة بشدة وأحتاج إلى أصدقائي هناك».
أمنيات
أما الطفل أحمد السر فهو من سكان ضاحية الحاج يوسف بشرق النيل حي التكامل مربع 2.
السر يبلغ من العمر تسع سنوات ويحكي عن أيام الاشتباكات الأولى قائلاً: «كنت أدرس في الصف الرابع الابتدائي وتحصلنا على نتيجة نهاية العام الدراسي».
وأضاف: «في أول يوم في الحرب أطلقت أعيرة نارية مرت فوق منزلنا وكنا وقتها نلعب كرة القدم».
وأوضح أنه شخصياً لم يشهد وفاة شخص أو أصيب أمامة جراء الاشتباكات، لكن شقيقه الذي يكبره شاهد ذلك.
ووصف الوضع في مدينة مدني بأنه أفضل لأن منطقة الحاج يوسف مرعبة مع أصوات الطائرات والمدافع ومناظر الجثث.
وختم بالقول: «إذا انتهت هذه الحرب سنعود.. أتمنى ألا يكون منزلنا قد تعرض للنهب فقد غادرنا وتركناه من دون حراسة.. لا نعرف شيئاً عن الجيران.. أتمنى أن تنتصر القوات المسلحة السودانية لأن الجيش يقوم بحمايتنا».
وعلى ذات النسق، عبر الطفل معتز البالغ من العمر عشر سنوات وهو من منطقة الجريف ويسكن بالقرب من مطار الخرطوم الدولي، عن افتقاده لمنزله ومدرسته ومعرفة أخبار أصدقائه.
معتز قال لـ«التغيير»: «أدرس في الصف الرابع الابتدائي، لم يتمكن المعلمون حتى من وضع الامتحان عند نشوب الحرب».
وأضاف: «بحكم أننا نسكن في منطقة الجريف شهدنا الأيام الأولى من الاشتباكات في المطار وكانت الطائرات الحربية تحوم حولنا، فوق منازلنا مباشرة وتعرفنا على طائرات من طراز الميج والأنتنوف والسوخوي بمرور الوقت».
وأقر بأنهم في البدء أصيبوا بخوف شديد، إذ تعرض البعض للإصابات والوفاة قرب منزلهم وفي الشوارع القريبة منهم.. «رأيتهم يموتون، والطائرات تقصف وجنود الدعم السريع كانوا يحتمون بالمنازل ويروعون المواطنين والجيش يلاحقهم بالقصف داخل البيوت مما يعرض الأبرياء للخطر».
وأوضح معتز إن أسرته قررت مغادرة الخرطوم في ظل تلك الظروف العصيبة، وقال: «توجهنا إلى مدينة الدمازين بولاية النيل الأزرق للبقاء مع أهالينا ولكننا اتجهنا بعد ذلك إلى مدينة ود مدني».
وأكمل: «اشتاق إلى الخرطوم ولدي هناك أصدقاء كثر.. لا أعرف ما إذا كانوا على قيد الحياة أو أنهم ماتوا، أتمنى أن يكونوا بخير».
المصدر: صحيفة التغيير