أضيقُ السجون معاشرةُ الأضّداد
معاشرةُ الأضّداد
جاء في الحكمة : (أضيقُ السجونِ معاشرةُ الأضّداد).
وقالوا أيضًا: (معاشرةُ الأضّدادِ تفتّتُ الأكبادَ ).
فالشمعة مصنوعة من مواد كثيرة منها خلايا النحل التي تخزّن فيها العسل ، فإذا وضعنا في وسطها فتيلة واشعلنا النار ذابت الشمعة.
قال أحد الشعراء متسائلًا واصفًا هذا المشهد:
مالي أرى الشمع يبكي في مواقده
من حرقة النار أم فرقة العسل؟؟!.
شرّق الناس وغرّبوا في الجواب على هذا السؤال..
وكان أجود جواب على الإطلاق قول الشاعر:
من لم تجانسْه فاحذر أن تجالسه
ما ضرّ بالشمع إلا صحبةُ الفتْل..!.
فالذي ضرّ بالشمع أنه وُضع في جوفه شئٌ من غيرِ جنسه.
وكما قيل سابقًا: (معاشرةُ الأضداد تفتّتُ الأكباد).
وبحسب التجارب التي مررنا بها في حياتنا ، فقد واجهنا أصناف كثيرة من البشر تحمل جينات الأضّداد ، وصفات العناد ، وأكوامًا من الرماد.
أناس “لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب” كلما اقتربت منهم ابتعدوا عنك ، وكلما تقدمت خطوة إلى الأمام رجعوا القهقرى خطوتين ، تمامًا حالهم كحال قطبي المغناطيس المتنافرين!.
هؤلاء الأضّداد نصًّا ومعنى ، وحقيقةً وشكلًا ، لا تدري أين يوجدون في خارطة طريقك.
ربما كانوا في بدايته أو منتصفه أو نهايته .. المهم معرفتهم والحذر منهم ، حتى لا تلدغ من قِبلهم في مقتل، وتصاب بخيبة الأمل والحسرة والندم ، ولات حين مندم!.
فأشد أنواع الضرر تأتي من الصديق القريب المتقلّب المواقف والمزاج ، الصديق الذي لا يصون الصداقة ويرعاها، بل يضحّي بها في أول منعطف ويقلب لها ظهر المِجَن!!.
قال الحكماء: (إحذر عدوك مرة واحذر صديقك ألف مرة ، فلربما انقلب الصديق فكان أعلم بالمضرة!).
وهي حكمة قديمة قيلت في غدر الأصحاب ، وأفعالهم المفاجئة التي تصيب بالخذلان.
والمضرّة إسم ، والجمع مضرّات أو مَضار ، والمُضِر إسم فاعل من أضَر ، والمُضَر إسم مفعول من أضَر .. والضُّر أو الضَّر لا يفعله إلا عدوٌ مبين ولو لم يظهر في ثوب العداوة كالمنافق الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر ، ولكن تكشفه المواقف فتظهر عورته وخطورته.
وكم من منافق في عباءة صديق مخلص؟!.
وكم من حيةٍ رقطاء في ثوب خلٍّ ناصحٍ أمين؟!.
فانتبهوا من غدر الزمان ، وخيانة الإخوان ، وفقد الأمان.
قال الله تعالى في شأن كثير من الأخلاء: “الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ”.
الزخرف: (67).
وقال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: “المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل”.. والصاحب ساحب ، والصديق قبل الطريق ومسميات أخرى كثيرة عن الصحبة والصداقة ، وكلها تبيّن وتوضح أهمية الصديق في مشوار الحياة ، فالصديق يعتبر هو أنت ، والصداقة على قسمين: صديق يدل على الخير ويرشد اليه ، وصديق يدل على الشر ويوقعك فيه .. فليكن أحدكم ممحّصًا صداقته وإخوته ، حتى لا يكون مصيره مصير الشمعة التي ما ضرّها إلا صحبةُ الفَتْلِ!.
المصدر: صحيفة الراكوبة