اخبار السودان

أصاب البرهان حيث أخطأ..أو جمهورية البندقية

حيدر المكاشفي

حيدر المكاشفي

هجوم كاسح وغضب عارم استحقه البرهان، بسبب عبارته البائسة والتعيسة (ما في مجد للساتك تاني، المجد للبندقية فقط)، وزادها تعاسة وبؤس أنه لفظها في مؤتمر للخدمة المدنية، وقد كفتني الجموع الهادرة التي تصدت للبرهان مدافعة بقوة وشراسة عن (اللساتك)، حين أراد البرهان تسفيه ثورة ديسمبر الماجدة والزراية بها وبرموزها وأشاوسها الشباب، بعبارة (مافي مجد للساتك تاني)، في إشارة إلى الثورة الشعبية التي أطاحت نظام الانقاذ الفاشي الفاسد في أبريل 2019، حيث اعتاد المتظاهرون خلال الحراك الذي اندلع في 2018 على حرق إطارات السيارات (اللساتك) في الطرقات العامة لمنع قوات الأمن من الوصول إليهم وقمعهم، إضافة الى تدابير أخرى كان الثوار يتخذونها لحماية أنفسهم من القوة المفرطة والمميتة التي كانت قوات الأمن تستخدمها ضدهم، وبالفعل سقط منهم العشرات شهداء وأصيب المئات اصابات بالغة، ولم يكن حرق هؤلاء الفتية والفتيات للساتك إلا رد فعل دفاعي مشروع ضد فعل وحشي قمعي غير أخلاقي ولا انساني ولاديني وغير مشروع، ولو كان هؤلاء الشباب تمتعوا بحقهم الانساني في حرية التعبير عبر مواكبهم السلمية المشهودة بشعاراتهم القماشية وهتافاتهم، لما حرقوا ولا لستك درداقة ولاعجلة، وقد أوفى المتصدين للبرهان وكفوا ولم يتركوا زيادة لمستزيد، ولهذا ساركز هنا على الشطر الثاني من المقولة البائسة (المجد للبندقية فقط)، وقد أصاب البرهان في هذه حيث أن هدفه الاساس من الهجوم على الثورة ورمزياتها هو التمهيد لعهده الجديد، عهد جمهورية البندقية الفاشية الديكتاتورية ورمزها البندقية، ولأنه لم يجرؤ ولم يمتلك الشجاعة للتصريح بشكل مباشر عن ترتيباتهم القادمة بعد عودته من مصر ولقاءه برئيسها السيسي الذي استدعاه للمثول بين يديه، وقد ذكرني تستر البرهان على هدفه المستتر ودون الافصاح عنه مباشرة وبكل وضوح، الا بعد الهجوم على الثورة وأيضا بطريقة غير مباشرة، ذكرني بحكاية للبروف عبدالله الطيب طيب الله ثراه، كان البروف حين كان مديرا لجامعة الخرطوم، لا يقبل الا ماهو صحيح في العمل الجامعي، حيث كان يرفض تدخل الحكومة أو التسلح بالعلاقة معها مهما كان الامر، واستطاع فرض هيبة خاصة للتعليم الجامعي، ما ضاعف من معارضيه من(الحفارين)، وقد كان ان تم عزله من الجامعة، رغم أنه عمل فيها بكل قوة، وأسس لمعالم جامعية حقيقية، لكن وشايات من زملاء المهنة، ممن كان لهم رأي مخالف لطريقته في الإدارة، كانت كفيلة بإخراجه من الجامعة، وكان البروف عبدالله الطيب يشعر بالمرارة مما جرى، حيث يُفصل ذوو الكفاءة والمهنية العالية، لصالح كفاءات لم ترتق بعد إلى مستواه.وكان ان أصبحت جامعة الخرطوم في عهده على توأمة مع أعرق الجامعات الإنجليزية.. بعد عزله عاد البروف إلى بيته وكان الناس يؤمون منزله ويواسونه مما جرى له وأنه أكبر من القرار الحكومي، وأنه سيعود رغماً عنهم إلى عرينه، وكانت زوجته الانجليزية رحمها الله تتكلم العربية على الطريقة الفصيحة، التي علمها إياها البروف، لكنها عربية مكسرة، وبينما الناس يشدون من أزره أرادت زوجته أيضا أن تدلي بدلوها، فقالت، والله إن ما حدث ليس إلا نيا.. بك وكانت تقصد(نكاية بك)، فضحك البروف قائلا: أصابت الأعجمية حيث أخطأت، وقد رأيت أن استلف عبارة البروف الساخرة تعليقا على حديث البرهان المشار اليه فأقول (أخطأ البرهان حيث أصاب)، اذ ان هدفه من الهجوم على الثورة هو تدشين عهد البندقية الفاشي القمعي الديكتاتوري..

أما كونها جمهورية البندقية التي ينذر بها البرهان، فذلك ما لا يحتاج لبذل أدنى جهد لكشف حقيقتها، فالبرهان والقيادات العسكرية الأخرى، شمس الدين الكباشي وياسر العطا وابراهيم جابر، إنما تربعوا على السلطة بعد انقلاب اكتوبر 2021 بقوة البندقية، بعد اطاحتهم بحكومة الثورة المدنية واعتقال قياداتها، ومنذ ذلك الحين وحتى الآن بعد الحرب القذرة التي دخلت عامها الثالث، يسيطرون على مقاليد السلطة بلا شرعية غير شرعية البندقية، وقد صدق البرهان حين قال (المجد للبندقية فقط)، فالبندقية هي ما تمنحهم هذا المجد المتوهم والمزعوم حتى اليوم، فكيف لا يمجدونها، وهذا ديدن وطبع الانقلابيين طرا، فحتى حلفاءهم في حرب القذارة هذه من الاسلامويين معروف  عنهم تمجيدهم للبندقية، وما البرهان وبقية قيادات الجيش الحالية إلا نسخة غير منقحة من كتابهم، تربوا وترعرعوا وترقوا في كنفهم، حيث كانوا لا يحترمون ولا يفاوضون إلا من يحمل السلاح، وكانوا يقولون ويتفاخرون علانية بأنهم إنما استولوا على السلطة بالقوة، وعلى من يريد منازعتهم الحكم أن يلجأ للقوة أيضا، مما أفضى إلى تمرد مجموعات كثيرة رفعت السلاح بعد أن انسدت أمامها سبل العمل المدني السلمي الشعبي، فدخلت البلاد في دوامة العنف وتناسلت الحركات الحاملة للسلاح وتكاثرت مثل الاميبيا، وبسبب هذه البندقية ماتزال دوامة وطاحونة العنف وكأس الموت والدمار دائرة، وبالفعل أيضا تصديقا لكلام البرهان أصبح المجد للبندقية فقط، فمنذ بداية هذه الحرب وجد المواطنون العزل الذين لا يمتلكون بنادق ان عليهم حماية انفسهم حين عز عليهم من يحميهم من حملة السلاح، بل حتى الآن وفي ظل الفوضى والسيولة الامنية الضاربة في البلاد، وخاصة في العاصمة الخرطوم بمدنها الثلاث، يبقى بالفعل المجد للبنادق، اذ يتوجب على كل المواطنين امتلاك بنادق فبامتلاكهم للبنادق سيتمكنون من الزود عن أرواحهم وأملاكهم وأعراضهم ويقاومون بها كل شرير ومجرم، وليتولى كل شخص مسؤولية الدفاع عن نفسه وأسرته ومقتنياته، طالما أن البلاد تعيش حالة فوضى واضطراب أمني غير مسبوق وانتشار كثيف للجريمة بكل أنواعها وبالأخص الجريمة المسلحة..ألم اقل لكم ان البرهان قد أصاب حيث اخطأ..الا ترون معه والحال هذا ان المجد بالفعل لن يحوزه إلا صاحب بندقية..

 

 

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *