أشجع قلم في السودان حاليًا
د. إسحق آدم
مرة أخرى أضطر للكتابة عن الصحفية رشا عوض.
وهي تتعرض منذ زمن لأسوأ حملة افتراء واغتيال شخصية، والسبب واضح لأنها أشجع قلم صحفي سوداني حاليًا.
وتتبنى حملة اغتيال شخصيتها عناصر الكيزان المعلنة والمستترة، وذلك لأنها قدمت أرفع الحجج الفكرية في نقد الإسلام السياسي. كما أنها كشفت بجلاء كيف أن الكيزان يوظفون الجيش السوداني وحرب الخامس عشر من أبريل كرافعة سياسية للوصول إلى السلطة الكاملة. وقد كشفت ذلك في خضم سيطرة الكيزان على وسائل التواصل الاجتماعي عبر شبكة مأجورين تزيد عن الثلاثمائة شخص يعملون بدوام كامل، وتساعدهم في ذلك شبكة جهاز المخابرات الرسمية والاستخبارات العسكرية، إضافة إلى المخابرات المصرية والإيرانية والقطرية. إضافة إلى (كدايس) أو عناصر الكيزان والأجهزة الأمنية التي تدعي الشيوعية والأجندة النسوية.
وواجهت رشا عوض كل هؤلاء وحدها بقلم لا يهتز وكلمات لا تعرف الوجل، فيالها من بطلة.
وقد استلوا تجاهها كل خناجرهم المسمومة، وحاولوا تصوير مواقفها المناهضة للحرب كأنها انحياز لقوات الدعم السريع، في حين أن رحمهم هم من أنجب ولا يزال ينجب الميليشيات بشتى أنواعها. كما أنهم لا يزالون متحالفين مع صنيعتهم ميليشيا الجنجويد بقيادة موسى هلال، وهي الميليشيا التي أحرقت دارفور وقتلت على الهوية واغتصبت وشردت وارتكبت جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية. ومع ذلك، يجدون الجرأة ليتحدثوا عن الانتهاكات! عدم نزاهة ووقاحة لا يقبلها أي إنسان شريف.
ولأني منذ أشهر كنت بصدد ترشيح رشا عوض للجائزة العالمية (جائزة الصحفية الشجاعة)، فقد عكفت على استقصاء سيرتها الشخصية، فجمعت معلومات من معارفها وزملائها المحايدين. وأدهشتني شهاداتهم وزادتني إعجابًا بها.
قالت إحدى زميلاتها إنها تستغرب الحديث المجاني عن بيع رشا لمواقفها، فهي بحكم صلتها القريبة منها تعرف كيف تعاني في تدبير معيشتها وأسرتها على قدر مرتبها المتواضع من صحيفة “التغيير”. وأضافت أنه مما يؤسف حقًا أن من يرددون هذه الفرية يعملون في مؤسسات رسمية لدول أخرى ولا يجدون حرجًا من ذلك! كما أن من بينهم من قبض دراهم الإمارات واشترى بها الفارهات والشقق، ومع ذلك، وفي عدم نزاهة وقحة، يتحدثون عن العمالة!
وقال أحد أصدقاء رشا المقربين منذ ما يزيد عن العشرين عامًا إنه طوال هذه السنوات لم يسمعها تتفوه بكلمة بذيئة، حتى ولو تجاه فتيات الجيش/الكيزان اللاتي ارتفعت بهن الاستخبارات من قاع المجتمع فجئن بكل طفح مجاري القاع معهن إلى المجال العام.
وقالت إحدى صديقاتها إن رشا عوض شخصية استثنائية بكل ما تحمل الكلمة من معنى، فهي من القلة النادرة التي تمارس بإخلاص وصدق قيمها المعلنة، فهي ليست ديمقراطية في دعواها وحسب، وإنما في كل موقف من مواقفها، كما أنها لا تدعو للإنسانية كلفظة جوفاء وإنما كنمط حياة. ففي أي اختيار يمكنك أن تبصم بالعشرة أن رشا عوض ستختار قطعًا الموقف الأكثر إنسانية.
وقال زميل آخر إن أكثر ما يدهشه في رشا هو كيفية جمعها، بلا أي تكلف، بين أقصى درجات النزاهة والاستقامة والشجاعة المعنوية من جانب، ومن الجانب الآخر الحس الإنساني الرفيع والترفق والذوق العالي في تعاملها مع كل من حولها.
وأكد أحد أساتذتها في الصحافة أنه يصعق حين يقرأ الشتائم المبذولة ضد رشا في وسائل التواصل الاجتماعي، فقد عملت تحت رئاسته بالقسم لعدة سنوات فكانت مثالًا في الاستقامة المهنية والشخصية، وأشرف النساء اللائي تعرف بهن طيلة حياته.
وشهادات أخرى كثيرة تؤكد شخصيتها الوضيئة كما كتاباتها التي تنير ظلام هذه الأيام الحالكة. وهي كتابات وشهادات تؤهلها بلا منازع لجائزة الصحفية الشجاعة.
ومما يؤكد شجاعتها المعنوية التي يعز نظيرها أن كل فتيات الكيزان، ذكورًا وإناثًا، تكالبوا عليها بكل خناجرهم من الأكاذيب المسمومة بهدف كسرها معنويًا وانزوائها، ولكنها عصية على الانكسار، وتستمر واقفة بكل الشموخ والتحدي والاستقامة. كلما غرسوا خنجرًا من خناجرهم، تدفقت جراحها معرفة أعمق وحججًا أمضى وكلمات لا تعرف الاهتزاز.
يا رشا عوض، إنك بطلة تعتز بك نساء السودان، وأيقونة للديمقراطية وللكلمة النزيهة الشريفة، يعتز بها كل سوداني شريف. وحق علينا جميعًا في القوى المدنية أن نزين بيوتنا بمقالاتك التي كأنما تعزف سيمفونية ملهمة من السماء.
أنت عظيمة. ستمضي هذه الأيام الكالحة، وحينها سيعرف شعب السودان مقدار دينك علينا جميعًا. بوركتِ وحفظكِ المولى ورعاكِ.
الدكتور إسحق آدم
كندا
٣٠ سبتمبر ٢٠٢٤
المصدر: صحيفة الراكوبة