اخبار السودان

أشبه والدي

لم أكن أحب والدي، ربما لم أكن أكرهه، ولكني كنت دوما أحس بالحنق والسخط عليه، فهو السبب فيما أنا فيه من الهوان، شقيقتي التي تصغرني بعام أخذت ملامح أمي الجميلة، بلونها الفاتح، قسماتها المليحة وشعرها الطويل، بينما كنت أنا صورة طبق الأصل من والدي، ولكن في قالب أنثوي، فقد حملت لون بشرته السمراء، ملامحه العادية جدا التي يقال أنها مريحة وشعره الناعم المجعد،

في سن صغيرة جدا انتبهت أن شقيقتي قادرة على جذب الانتباه، والحصول على الاهتمام، وبالرغم من حرص أمي وأبي على المساواة بيننا في المعاملة، إلا أنني كنت دائما فريسة الإحساس بأنها تنال حبهما وإعجابهما أكثر مني، وأنهما يشعران بالزهو بها في نظر الآخرين،

لازمني هذا الإحساس طيلة حياتي، وبالرغم من حبي الكبير لأختي وحبها لي إلا أنني كنت استشعر حاجزا يقوم بيننا، حيث تحصد دائما الإعجاب والاهتمام من الجميع، بينما أنا أكاد لا

أحدث فرقا، كلتانا  متفوقتان في الدراسة، وربما كنت أنا أكثر ذكاء، ولكن أختي كانت جميلة وأنا عادية في شكلي وكل تفاصيلي، كوالدي،

كلما جلسنا سويا للطعام أو خلافه، ونظرت إلى شقيقتي ووالدتي، كنت أزداد حنقا على والدي، الذي أورثني هذه الملامح غير الجذابة، أشتهرت بين الأهل بأنني شخصية هادئة، متزنة أميل للعزلة، لم يستطع أحد أن يسبر غوري ويعرف أنني أتمنى أن أملا الدنيا صخبا وحياة، ضحكا وكلاما كأختي، ولكنني آثرت الإنزواء في حضرتها لأن المقارنة لن تكون في صالحي بأي حال من الأحوال،

قولبت نفسي في شخصية لا تمثل حقيقتي، ومرت السنوات وأنا أجتر مراراتي، داخلي يصطخب بالكثير من المشاعر والانفعالات، ووجهي لا يعكس شيئا من ذلك بملامحي العادية غير الجميلة ولكن مريحة كوالدي،

إلى أن دخل إلى حياتنا إبن عمي الذي أرسله والده ليكمل دراسته فوق الجامعية في مدينتنا، استضافه والدي في الشقة الصغيرة الملحقة ببيتنا، كنت وشقيقتي في المرحلة الثانوية وأنا أسبقها بعام، أحضر والدي إبن عمي وعرفني عليه وأخبرني أنه حضر ليحصل على الماجستير، لا أعرف كيف حدث ذلك ولكني وقعت في حبه منذ النظرة الأولى، فقد كان لطيفا وسيما مهذبا، لم تكن أختي بالمنزل عندما حضر، ولذلك لم تسرق كعادتها الاهتمام والإعجاب، فتحدث معي بكل اللطف والتهذيب، بعد أن تعرف علي أخذه والدي إلى شقته التي سيسكن بها، عندما دخلت إلى غرفتي في ذلك اليوم عرفت أن شيئا تغير في حياتي، أنا لم أعد أنا، وفجأة تذكرت أختي وأنه عندما يلتقيها فهو لن يلتفت إلي بالتأكيد، فهي جميلة، ساحرة ولطيفة، اعتصرني هذا الشعور بقبضة من حديد، أزددت حقدا على والدي وملامحه العادية المريحة غير الجذابة، قررت أن أزيد في ازوائي، أن أبتعد تماما عن من أحبه قلبي، وأتركه لأختي الجميلة كأمي، لذلك فقد كنت أتعمد عدم الخروج من غرفتي كلما حضر لزيارتنا ولم استجب لطلبه بأن يشرح لي ما يتعسر علي من مواد دراستي، تركته طواعية فأنا أعرف حجمي وإمكانياتي أمام شقيقتي،،

حتى كان يوم، قابلته في الباب وأنا قادمة من المدرسة، سألني: لماذا تتحاشينني بهذه الطريقة؟

أنا أحبك وقد حدثت والدك أنني أرغب في الزواج منك وقد أخبرني أن الأمر بيدك، في هذه اللحظة أحسست أن قلبي يكاد يخرج من صدري من كثرة الخفقان، وامتلأت عيوني بالدموع، سألني لماذا تبكين؟ ألا تريديني زوجا؟ لقد أحببتك منذ اللحظة التي رأيتك فيها، أحببتك لأنك تشبهين والدك الذي أقدسه كمثل أعلى، وكان دوما سندا لي طيلة حياتي

في تلك اللحظة أحببت والدي وأحسست بالرضا عن نفسي وعنه لأول مرة في حياتي،،

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *