أسئلة في أتون اللهيب السودانية , اخبار السودان
أسئلة في أتون اللهيب
خالد فضل
قد يرى بعض الناس أن الوقت ليس لطرح الأسئلة بقدر ما المطلوب إجتراح إجابات، هذه فرضية واقعية دون شك لأنها تعبّر عن حالة الضيق التي يعانيها الناس، فقط كيف ستكون الإجابات صحيحة إذا لم يتم طرح الأسئلة نفسها ؟ هنا في هذه الكلمة سأحاول طرح بعض الأسئلة عساها تكون مفتاحا للإجابات، وهذا أمر يعرفه التربويون عند إعدادهم للإمتحانات، لذا يقولون (فهم السؤال نصف الإجابة) .
لماذا يساوي العالم بين الطرفين ؟
بالطبع من ينظر لهذا السؤال من زاوية إنحيازه المسبق لأي طرف (الجيش/ الدعم السريع) قد يستغرب، لأنه يرى في انحيازه أمر طبيعي لا يحتاج إلى سؤال، بينما لشخص غير منحاز لأي طرف منهما قد يبدو السؤال منطقيا ويتطلب إجابة . طبعا المساواة المطروحة نفسها ليست بالضرورة حذوك النعل ؛ فما من عاقل مثلا يمكن أن يساوي في كل شئ بين خريج في كلية الهندسة اليوم بخريج من نفس الكلية قبل 30سنة، لكن تكون المساواة في أن كليهما استوفى شروط التخرج في المجال، وحاز على درجته العلمية من نفس الجهة، رغم اختلاف الزمان، فيقال لكليهما (مهندس) . بتطبيق هذا المعيار على الطرفين نجد أن كلا الطرفين يستندان على قانون لكل واحد منهما، أجازته جهه واحدة هي المجلس الوطني في 2017م، ثم جاءت الوثيقة الدستورية 2019م وهي تؤكد على وجودهما معا كمكون عسكري له شراكة دستورية مفصلة ومحددة غض الطرف عن رأينا في تلك القوانين ؛ فإجازة القوانين أو إلغائها له طرق معروفة لا يدخل من ضمنها بالطبع الرأي الشخصي لفرد أو حتى جماعة . عليه بموجب هذه المواثيق نالت قوات الدعم السريع صفة (طرف) دستوري، مع حفظ حق الجيش (كطرف) دستوري أصيل دون شك، والدليل على الوعي العام بأصالة الجيش هتافات الشارع الثوري ( العسكر ؛ يقصد هنا الجيش للثكنات، والجنجويد ؛ يقصد الدعم السريع ينحل )، وكما ورد في اتفاقية سلام دارفور في جوبا 2020 تم النص على إعادة هيكلة واصلاح الجيش والمنظومة الأمنية لتصبح ( وطنية قومية مهنية موحدة ) وتفسير هذا النص يعني أنّ هذه المنظومة تفتقر إلى الصفات المراد تكوينها بها , أو أن يكون هذا النص بلا معنى ؛ مثل تفسير الماء بالماء، يمكن سؤال الطرفين الموقعين على النص ليوضحا للرأي العام ما المقصود . كما جرى الاتفاق على بند دمج الدعم السريع في الجيش ضمن بنود الاتفاق الإطاري 2022م، وهذا تأكيد على وجودهما كطرفين دستوريين حتى صباح 15أبريل 2023م . ما حدث بعد ذلك لا يعتد به كثيرا لأنه نجم عن حالة الصراع، ووجود الصراع لا يلغي وجود طرف مهما كانت جريرته، فعندما يتعامل العالم مع الصراع كونه بين طرفين حكوميين فهو غير مخطئ في تقديري . مثلا عندما يتشاجر شخصان في الطريق تأخذهما الشرطة كطرفين في الشجار، أما الفصل في أيهما مخطئ فهذه مهمة القاضي في المحكمة . في حالة حرب السودان يكون القاضي أو المحقق للدقة هو طرف ثالث محايد ( لجنة تحقيق دولية أو إقليمية مستقلة ومحايدة تنشأ من هيئة دولية الأمم المتحدة)، تحدد جرائم وانتهاكات كل طرف وتوصي بالمحاسبة، فإذا تم تبرئة طرف منهما يكون الآخر هو المذنب تلقائيا ذلك أن أي طرف منهما يبرئ نفسه بالطبع ويلقي باللائمة على خصمه .
ثم إن الدعوة لوقف الحرب والجلوس لطاولة التفاوض بالضرورة تعني الطرفين، فهل مثلا تتم دعوة الجيش بصيغة الأب الرحيم، ودعوة الدعم السريع بصفته المذنب والابن العاق بوالده ؟ وبالتالي دعوته لينال حصة تأديبية ؟ ولعل الجيش نفسه قد ذهب إلى جدة في شهر مايو2023م ووقع أتفاق أو مبادئ مع الدعم السريع ؛ وما يزال قادة الجيش يربطون أي تطوير لمبادئ جدة بتنفيذها، ومع ذلك يريدون كشط الدعم السريع كأنه غير موجود، الرغبة شئ والواقع شئ ربما يكون مغايرا للرغبة، والإنكار للواقع لا يغيره أبدا في حين يمكن للتعامل معه أن يغير أو يحقق بعض الرغبات إن لم يك كلها . العالم كله تقريبا بنظر من خارج الصندوق، والعقلاء من السودانيين لا ينجرون وراء قاطرة أيّا من الطرفين بل يقفون الموقف الأخلاقي السليم _في تقديري_ وهو رفض الحرب مبدئيا والعودة لمسار النقاش والحوار لأنه السبيل الأرجح والأسلم لوقف الانتهاكات والمعاناة وضمان سلامة البلاد وأهلها ,بل وإنهاء ظاهرة تعدد الجيوش (دستورية أو غير دستورية ) إذ طريق الحرب أو إنهاء الحرب بالحرب، وما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وسحق، وذبح، واستئصال واجتثاث وجغم وفتك ومتك ..إلخ من مفردات وعبارات لا تؤسس لسلام أبدا ولن تحقق الحل المستدام . هذا هو الواقع والتجربة الانسانية والتجربة السودانية الغنية بالحروبات الأهلية حد الثراء الفاحش .
ما هي وضعية القوات السودانية في حرب اليمن ؟
كما هو معلوم، فقد أرسل الرئيس المخلوع عمر البشير قوات للمشاركة ضمن عاصفة الحزم في حرب اليمن، وبحسب إفادات متطابقة فقد طلب البشير من السعودية والإمارات التعامل مباشرة مع قوات الدعم السريع، بل صارت هذه القوات تشكل العمود الفقري للعمليات البرية داخل اليمن , وفي ذات مرّة كشف حميدتي عن وجود 30ألف جندي سوداني يشاركون في تلك الحرب , صراحة لا أعلم شيئا عن وضعية تلك القوات الآن ؟ وعما إذا كانت تعامل وفق الخطة الأولى أم حدث تعديل في أمرها ؛ هل عادت ؟ إلى أين ذهبت قوات الدعم السريع على فرضية عودة قوات الجيش إلى بورتسودان . أم تم دمجها مع بعض ؟ أ ليس هذا موضع سؤال ثنائي الوجهة يخص الطرفين ؟ فهل عناصر الدعم السريع ضمن تلك القوات السودانية ينطبق عليها ما ينطبق على بقية المجموعات في نيالا أو المنشية بإعتبارها (مليشيا آل دقلو الإرهابية المتمردة المرتزقة ! ) أم هي قوات سودانية (غير مرتزقة) تؤدي مهمة نبيلة تقودها الإمارات والسعودية , وتدربها قوات الحلفاء ؟
أسئلة سريعة، هل خطاب حميدتي الأخير يدل على هزيمة واستسلام أم يدل على بداية مرحلة مكشوفة من الصراع بأسس جهوية وقبائلية ؛ أي صراع مجتمعات ؟ هل فيه توضيح للعوامل الخارجية بشكل مباشر حد الانخراط في القتال ؟ هل يتم حل النزاع سودانيا بوجود العامل الخارجي الأقوى ؟ هل هناك فرق موضوعي بين (تدخل قوات أممية) لفرض السلام وحماية المدنيين، وتدخل آحادي من هذه الدولة أو تلك لصالح هذا الطرف أو ذاك ؟ هل حمل الخطاب صك براءة للقوى المدنية الديمقراطية من دعاية اشعالها للحرب ووصفها بالحاضنة السياسية للدعم السريع أم أثبت ذلك ؟ ما العلاقة الموضوعية بين بنود الإتفاق الاطاري واشعال الحرب و وهل يوجد فيه بند ينص على ذلك ؟ هل أشعل الحرب من يؤيدون الاتفاق الإطاري أم من كانوا يعارضونه بوضوح ويهددون بالحرب ؟ أخيرا ما تفسير عودة وظهور قيادات حزب النظام المباد، أهي عودة طبيعية وظهور عادي في سبيل الله لا للسلطة ولا للجاه ؟
المصدر: صحيفة التغيير