أسئلة عصية على الإجابة
سرف المداد
الطيب النقر
مقال مقتطف من أوراق قديمة
مما لا يند عن ذهن ، أو يلتوي على خاطر أن مجتمعنا السوداني ليس كغيره من المجتمعات التي لا يختلج فيها شعور ، أو ترِق عليها عاطفة بل هو مجتمع موسوم بالتعاضد والتكاتف بين أفراده ، مجتمع تقوم دعائمه على هدى الإسلام الذي جعل من الأمة أسرة متماسكة البناء ، متضامنة الأعضاء. ولكن هذا المجتمع أصيب بشآبيب من الدواهي المواحق التي غيرت من تركيبته ، وجعلت من أرضه رقعة تمور بالفتن وتستعر بالعذاب.
أنا أيها السادة لست من صاغة الكلام وراضة المنابر ، كما أنني لا أبغض هذا النظام الذي باتت معالمه تعود أو
وأزدريه ، ولكن كنتُ احرص على الجذوة قبل أن ينطفىء وميضها ، وهانذا أُحمِـل
طغمته الحاكمة التي اشتُهِرت بالمعاظلة والإلتواء ، والمثقفون المتكاكئون حول المؤتمر الوطني تبعة هذه الحرب ، وهذا التردي والفساد الذي تمخر فيه جل مؤسسات الدولة ، والتي لم نلمح من شعاراتها التي تنادي بها غير أطياف ، فهناك بدعة تمضغها بعض الأفواه في سماجة ، بأن الإنقاذ قد نجحت في الارتقاء بإنسان السودان في كافة المحافل ، وشتى المجالات ، ولا أرى موجب للتباهي بقولٍ هو أقبح من الإملاق الذي استشرى بين أفراد هذا الشعب الصابر على عرك الشدائد ، وجعل من بعض زغابه الذين يستدرون الأكف بالسؤال والذين درجوا في أقاريز الشوارع ، وحواف الطرق ، وعليهم ثياب رثة بالية ، عرضة للوقوع في براثن الجهل والفقر والمرض.
إنني في حقيقة الأمر لا أريد أن أتناول الأشياء تناولاً فجاً دون تبصر أو روية ، ولكن هذه الحرب التي لا تأصرها آصرة ، والفقر المدقع ، والعصبية الهوجاء ، هذه المناظر التي تقذي العيون ، وترمض الجوانح ، وتؤلف جوقة من الموسيقى الصاخبة التي تجعل الناس أشد كلفاً بالديمقراطية الصائبة ، والحكم الرشيد ، هي التي دفعت من يزدروء الخطوب ، ويستخفوا بالصروف ، ينفضوا ممن لم ينظروا إليهم في حب ، أو يرمقونهم في عطف ولا أحسب أن هذه الجموع التي اعتادت على مرض البرلمان ، واحتضار المرافق ، وموت الولايات ، سوف تعبث الأمال بنفوسهم فيأملوا فيمن أسرفوا في التهاون ، وأفرطوا في التقصير.
ولعلي اجنح بعيداً عن شط الحقيقة إذا ألقيت تراكم الأخطاء ، وضعف الأداء وغياب الأمن في معظم الولايات الطرفية ، على كاهل الإنقاذ وحدها دون مثيلاتها من الطوائف والحركات المتخلفة العجفاء ، التي ينطوي حديثها على عصبية رعناء ، وضغينة ممجوجة ، فجُلّ هذه الحركات التي تعلن أنها أشعلت أوار الثورة ضد الظلم والاستبداد ، ماهي إلا صاحبة فكر منخوب ، وضغائن تصل إلي شغاف الجبال ، يتراشق قادتها بالتهم من غير بينة ، ويسعون إلي الحكم من غير غاية ، ولا تلمح في أحاديثهم المهترئة بوارق من الفكر ، أو ومضات من الحنكة والدهاء.
أما جهابذة السياسة وأقطابها ممن ُشُهِد لهم بالعقل الراجح ، والفكر القادح ، والذين ذوت نضارتهم وهم يتهافتون على سُدة الحكم ، وبحبوحة الملك ، هاهم الآن قد ولّت شِدتهم ، وذهبت مُنتهم ، وبلغوا ساحل الحياة إلا إنني لم أسمع بعد بأن أحدهم قد آثر أن يبتعد عن صخب السياسة وضجيجها ، ويُسخِّر ما بقى من عمره المديد في التقرب إلي الله زلفى ، ومازال هدفهم الذي شبوا في كنفه ، وتحركوا في إطاره، هو الوصول إلي هرم السلطة ، والاستحواذ على صولجانها.
إن الغاية التي ينقطع دونها الدرك ، كيف لوطن ما زال يحكمه حزب يتصرف في موارده كما يتصرف المرء في تالده وطريفه ، ويتظاهر بأنه عنوان للفضيلة ، ومثالا للورع ، ويموج بحركات مسلحة لا حصر لها ، تحتوي جُعبتها على كل شيء إلا السلام ، لأجل ذلك نراها تمعن في الحرب ، وتتزيد في الحديث، وتغالي في النقاش وتسهب فى الجدال وثلة من الساسة يزعمون أنهم مهبط الإلهام ، ومنبت العبقرية ، ليت شعري كيف لوطن مثل هذا تندمل جروحه ، وتلتئم قروحه ، ويكِفُ قاطنوه البؤساء عن التذمر وإبداء الشكوى من طول الهيجاء ، وفساد الحكم ، وسوء الحال ؟؟؟.
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة