أخطاء الأطباء في ميزان الشريعة الإسلامية
مما لا يند عن ذهن، أو يلتوي على خاطر، أن الإسلام قد حفز أتباعه على تعلم الطب، ورفع المعاناه عن كاهل المريض الذي يشكو الدنف، وتشتد عليه العلة، ويشق عليه المرض، فالمريض الذي أنهكته الحمى، أو اعتراه مرض ثقيل، تراه يهش لمقدم الطبيب هشاشة السائل المعدم للمال الذي يسد عوزه، ويعالج فقره، لأنه يحسم عنه الداء، ويشفيه بإذن الله من ويلاته وآلامه المبرحة، لذا نجد أن المجتمعات تتسابق إلى وداد الأطباء، وتتنافس على رضاهم، والحقيقة التي لا يغالي فيها أحد، أن تعلم الطب فرض من فروض الكفاية، فهو واجب على كل شخص، ولا يسقطه عنه إلا إذا قام به غيره، كما هو فرض عين على الطبيب الذي زاول هذه المهنة، وسبر أغوارها، وألمّ بشتى تفاصيلها ودقائقها، ولكنه لا ينفك متزايلاً ضجراً منها لكثرة المرضى الذين يلوذون ببابه، فمثل هذا الرجل يكون التطبيب واجباً عليه طالما لا يوجد في المكان الذي يعيش فيه طبيب آخر «وقد أجمع الفقهاء على عدم مسؤولية الطبيب إذا أدى عمله إلى نتائج ضارة بالمريض، وسبب رفع المسؤولية عنه هو إذن الحاكم، وإذن المريض ثانياً، فإذن الحاكم يبيح للطبيب الاشتغال بالتطبيب، وإذن المريض يبيح للطبيب أن يفعل بالمريض ما يرى فيه صلاحه، فإذا اجتمع هذان الإذنان فلا مسؤولية على الطبيب ما لم يخالف أصول الفن أو يقترف خطأً في فعله».
فالطبيب إذا كان همه منصرفاً لصلاح المريض وعلاجه من سقمه، ولم يخالف القواعد والأطر التي يجب اتباعها، والتقيد بها، حتى يتعافى السقيم من وجعه، فإنه لا يسأل عن الخطأ الذي يقع منه في هذه الحالة لأنه خطأ يصعب التحرز عنه، فإذا حدث وأن وصف الطبيب الحاذق دواء لمريضه، ويعتبر هذا الدواء هو الوصفة المتعارف عليها بين الأطباء والصيادلة لعلاج ذلك الداء الذي يشكو منه العليل، فنجم عن تناولها تسمم حاد للمريض أودى بحياته، ففي هذه الحالة لا يتعرض الطبيب لأية عقوبة أو سؤال من الناحية الجنائية والمدنية، لأنه في واقع الأمر قد قام بواجبه على الوجه الأكمل، ويستوي في الحكم إذا تقّمص المريض لباس العافية، أو قضى نحبه، أو حتى كفّ بصره، وفي هذا الصدد يقول الإمام الشافعي رحمه الله»: «وإذا أمر الرجل أن يحجمه، أو يختن غلامه، أو يبيطر دابته، فتلفوا من فعله، فإن كان فعل ما يفعل مثله مما فيه الصلاح للمفعول به عند أهل العلم بتلك الصناعة، فلا ضمان عليه، وإن كان فعل ما لا يفعل مثله من أراد الصلاح، وكان عالماً به، فهو ضامن».
فالطبيب لا يسأل عن خطئه إلا إذا كان خطأ فاحشاً، والخطأ الفاحش هو ما لا تقرره أصول فن الطب، ولا يقرره أهل العلم بفن الطب، والفقهاء «أجمعوا على أن الطبيب إذا أخطأ لزمته الدية، مثل أن يقطع الحشفة فى الختان، وذلك عنده إذا كان من أهل الطب، ولا خلاف أنه إذا لم يكن من أهل الطب أنه يضمن لأنه متعدّ، وقد ورد فى ذلك مع الإجماع حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«مَنّ تطبّب ولم يُعْلمْ مِنْهُ قبل ذلك الطّبُّ فهو ضامن»، والدية فيما أخطأه الطبيب عند الجمهور على العاقلة، ومن أهل العلم من جعله في مال الطبيب، ولا خلاف أنه إذا لم يكن من أهل الطب أنها في ماله على ظاهر حديث عمرو بن شعيب».
وفي عصرنا الحاضر نجد أن القوانين الوضعية لا تلاحق إلا «الأطباء الذين يلجأون إلى طرق علاجية مهجورة، فالالتجاء إلى طريقة في التوليد يقدر الخبراء بأنها أصبحت مهجورة، وتمثل خطورة بالنسبة إلى الجنين يشكل خطأً فادحاً من جانب الطبيب المولد، ونفس الشيء بالنسبة للطبيب الذي يتجاهل المبادئ الأولية في التشخيص، ومعرفة حال المريض، والطبيب الذي يلجأ لطريقة خاصة في العلاج تعتمد على محض الصدفة، بدلاً من اتباع الطرق التقليدية المعروفة»، فمهنة الطب مهمة جسيمة لما يترتب عليها من أخطار قد تؤدي لضياع حياة البشر، لذا ينبغي ألا ينتحلها إلا من يحسنها، وقمين بالطبيب الذي لا يحسن الجراحة إذا شاهد شخصاً به العديد من القروح والكلوم التي ينبجس منها الدم، أن يتصل بالطبيب المتخصص، وأن يقتصر دوره على وضع الرفائد التي توقف نزيف الدم، ويقوم بتضميد الجرح وتعقيمه، ريثما يحضر الطبيب الضليع في هذا المجال.
د.الطيب النقر
المصدر: صحيفة الراكوبة