اخبار السودان

أخرجوا المرتزقة من شرق السودان

إسماعيل عبد الله

 

كلما استحضر المقولة المأثورة للزعيم الإفريقي العظيم نلسون ما نديلا : (الفاسدون لن يبنوا وطناً وإنما يبنون ذاتهم ويفسدون أوطانهم) ، تبادرت إلى ذهني صور أمراء الحرب الذين خرجوا من الحياد مقابل دولارات معدودة هي ثمن الدفع بقواتهم إلى صف جيش فلول النظام البائد ، فهؤلاء المرتزقة لهم تاريخ طويل من التجوال بحثاً عمّن يدفع اكثر، وكانت رحلات ارتزاقهم قد بدأت من ليبيا مروراً بتشاد وعبوراً الى جنوب السودان ، ثم أخيراً حط رحل تجار الدم بشرق السودان ، فهم مثل طائر الشؤم الذي أينما هبط اشتعلت الأرض حرباً ودماراً ونهباً وسلباً تحت قدميه ، وقد عانى سكان دارفور القتل والتشريد والنزوح والاغتصاب بعد أن ولدت حركات النهب المسلح ، ولولاها لما اندلعت حرب السودان الشاملة الجارية أوزراها اليوم ، وذلك لسبب جوهري هو إدخالها لمنهج الابتزاز العسكري في قاموس الحصول على السلطة ، فاصبح الابتزاز والارتزاق سلوكاً ظاهراً يميزها عن غيرها من الكيانات السياسية والعسكرية الأخرى ، فمحطات اتفاقيات “أبوجا” و”الدوحة” و”جوبا” كانت أسواق للتكسب السياسي والوصول لكرسي السلطة على جماجم ضحايا الحرب في دارفور، وكان استقرار أمراء حرب دارفور في العاصمة الخرطوم وعدم الذهاب للإقليم ، لمباشرة مهام بسط الأمن واعادة النازحين واللاجئين الى قراهم ، الدليل القوي على الانتفاع المادي الذي ظلوا يمارسونه طيلة سنوات الحرب ، وأخيراً نقلوا نفس المشروع الفاسد بصورته القديمة إلى شرق السودان ، استغلالاً لضعف الجيش الاخواني ، فولجوا من باب الابتزاز العسكري إلى دهاليز السلطة الطريدة في بورتسودان وكعادتهم لا يطيب لهم المقام إلّا في ظل مجتمعات متناحرة متباغضة مفتتة ، الأمر الذي طفح إلى سطح الأحداث في بورتسودان عروس البحر الأحمر.

يتعرض النسيج الاجتماعي لسكان شرق السودان لمخطط دموي خطير ، بدأ بتأليب أمراء حرب دارفور للنزعات القبلية بين أهل الشرق الحبيب ، وقد ابتلع جل النشطاء والسياسيين والأهليين الطعم ، وأخذ التراشق الكلامي بين زعماء الشرق يخرج لمنصات الاعلام السيبراني ، والمستفيد الأول من خلق حالة البلبلة هذه هم أمراء الحرب المرتزقة القادمين من دارفور ، فلكي تستمر شراكتهم مع فلول النظام البائد الناهبة لثروات الشرق ، لابد من بذر بذور التفرقة والشتات بين الكيانات الاجتماعية هناك ، فتجار الحروب لا يستطيعون الحياة تحت ظل الاستقرار المجتمعي ، لأن المجتمع المستقر يعي مصالحه ويعمل على صونها والإفادة منها ، أما الفوضى غير الخلاقة فهي فرس رهان أمراء الحروب ، التي من خلالها تسهل عمليات النهب والسلب والاختلاس ، مثلما حدث في شمال دارفور من سطو على أصول البعثة الأممية المشتركة (اليوناميد) ، الجريمة التي لا تغتفر لمن أتى بمهزلة جوبا ، تلك الصفقة التي مهدت لحرب أبريل ، وحوّلت الفاشر حاضرة دارفور لأكوام من الجثث وركام المباني ، إنّهم أمراء الحرب ، الذين لا يكبحهم دين ولا عرف ولا آصرة رحم ، لقد زجوا بأهلهم في مخيمات اللجوء والنزوح ، لينعموا بأموال الارتزاق المأخوذة من جنرالات جيش الاخوان المسلمين، فالذي يسفك دم أهله من أجل الدولار الملوث بدماء الأبرياء ، لن يردعه رادع من أن يمارس أبشع الجرائم في مكان آخر ، خاصة إذا كان هذا المكان مصدراً للمال والمعدن الأصفر ، لقد جبلت حركات دارفور المرتزقة الخارجة عن الحياد على بيع الشرف والمبادئ ، فلا يظن بعض الفلول الفاسدين من أبناء شرق البلاد أنهم سيحصلون على شيء ذي بال ، من هؤلاء المتاجرين بمأساة أهلهم.

على أهل الشرق أن يعملوا على مصلحة شرقهم اجتماعياً واقتصادياً ، وأن يتماسكوا ولا يسمحوا لمافيا الشر أن تستقر بينهم ، وإن لم يفعلوا فليبشروا بفتن ودماء وأشلاء لا يصدها موج البحر الأحمر، فليتحدوا على قلب رجل واحد ، ويقذفوا بالمرتزقة خارج حدود الإقليم ، وليذهب بهم سيدهم (رب الفور) الى عاصمته البديلة عطبرة ، فالسودان بعد الحرب التي أشعلها اخوان الشيطان ، التفّت أقاليمه حول أبنائها لتهيئة نفسها لمستقبل فدرالي حقيقي ، ينقل البلاد لمرافئ دولة اتحادية قوية تحافظ على مواردها وتعطي خصوصية لاستفادة سكان كل إقليم من مورده ، فأهل الشرق هم الأحق بالشرق ، ولا يجب أن يجرمنهم شنآن قوم على أن لا يعدلوا فيما بينهم ، ليرسموا لوحتهم بيدهم لا بأيدي غيرهم ، وإذا أراد كيزان بورتسودان كسب ودهم عليهم بتمكينهم من المالية والمعادن ، وارسال حاكم الإقليم المزعوم الى معركة الفاشر ليحدد مصيره ، وانزال الدكتور جبريل الى ميدان معارك شمال الجيلي ليلف العمامة الخضراء التي فارقها زماناً ، هذا بحسب ما أعلنه من خروج عن الحياد ووقوف مع (القوات المسلحة) ، وليتقي الشرقيون فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منهم خاصة ، بالخلاص من الذين حرقوا اقليمهم وجاءوا ليحرقوا الإقليم الذي يعتبر الأوحد الذي لم تصله ألسنة اللهب ، وإذا لم يهب الشرّاقة هبّة رجل واحد لإبعاد أمراء الحرب من شرقهم ، فليحفروا مقابر الموت الجماعي ، فهؤلاء المرتزقة كما عهدهم أهلهم لا يهنئون بطيب العيش إلّا بين الجثث والأشلاء.

 

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *