منتدى الإعلام السوداني
كيرياندونغو، كمبالا، 28 يوليو 2025 صحيفة (التغيير) في مساء العاشر من يوليو، وبينما كان يحاول مساعدة جارته الأرملة وأطفالها الذين دوّت صرخاتهم طلبا للنجدة، خرج اللاجئ السوداني (كباشي كافي) خالي الوفاض من منزله بمعسكر (كيرياندونغو) في مقاطعة بيالي غرب يوغندا، ولم يعد أبدا.
نزاع اجتماعي بين لاجئين من جنوب السودان مع لاجئين سودانيين تطور الى اعتداء بالأسلحة البيضاء، في حادثة مروعة أثارت مجددا قضية الأوضاع الأمنية في المعسكر.
معاناة وقتل وحشي
تفاصيل مؤلمة عن مقتل لاجئ سوداني ومعاناة العشرات من كسور وجروح خطيرة ونزيف حاد وحالات حرجة أودعت العناية المكثفة، في ظل ظروف قاسية يعيشها سكان المعسكر الفقراء الذين يسكنون خياما يصنعونها بأنفسهم من مواد بلاستيكية توزعها عليهم (المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة)، ويحصلون على الماء من آبار بعيدة، ويستخدمون حمامات مشتركة قليلة العدد، ويعتمدون في معيشتهم على الإغاثات والعمل في زراعة الأراضي المخصصة لهم لإنتاج احتياجاتهم.
قُتل كباشي، البالغ من العمر 40 عاما، إثر تعرضه لضربات مميتة بجسم صلب على رأسه وظهره، ماخلف كسرا في الجمجمة أدى إلى وفاته في الحال أمام منزله. أفادت التقارير الطبية أن الأداة المستخدمة في الاعتداء كانت تزن حوالي 20 كيلوغراما.
لكن الحادثة لم تكن معزولة، إذ جاءت ضمن سلسلة هجمات ممنهجة نفذها مئات الشبان من (مجتمع النوير) ضد اللاجئين السودانيين داخل المعسكر، حيث انتشروا في مواقع متفرقة مستخدمين السواطير والعصي والسكاكين. بدأت الهجمات في السابعة والنصف من مساء الخميس العاشر من يوليو عند، واستهدفت الكلسترات BوCوD، وأسفرت عن إصابة 19 لاجئا، بعضهم في حالة حرجة، وسط غياب شبه كامل للشرطة التي حضرت ثم انسحبت دون تدخل يُذكر.
تفاصيل الفاجعة
في حديثه لـ “التغيير”، روى عمار عبدالله كافي، ابن عم الفقيد، تفاصيل مؤلمة عن ليلة الهجوم، قائلا إن كباشي كان أبا لطفلين: فتاة في السابعة ورضيع لم يتجاوز التسعة أشهر. كانت أسرته في طريقها من مدينة الرنك إلى جوبا ثم أوغندا، لكنهم عادوا فور تلقيهم نبأ وفاته.
أوضح عمار أن كباشي وصل إلى أوغندا في عام 2024، بينما تأخر هو في جوبا حتى فبراير 2025، وظل الفقيد يقيم معه حتى قبل شهر من الحادث، حين انتقل إلى سكن مستقل. وأضاف: “قضية مقتل كباشي ليست قضية شخصية، هذه قضية لكل السودانيين اللاجئين في أوغندا، لأن الكل مهدد في أي لحظة”.
وقال إنهما كانا يعملان في تجارة الملابس بالرنك، ثم افتتحا دكانا لبيع البضائع في جوبا، وبعد الوصول إلى المعسكر اشتغلا في تركيب الأسرة وبناء “الكرانيك” وتنظيف الأراضي الزراعية.
وعن لحظة الاعتداء، قال عمار إن كباشي خرج استجابة لنداءات استغاثة من الجيران، دون أن يحمل شيئا في يده، ليتلقى ضربة قوية من الخلف بجسم صلب. وأكد أن القضية تم تسليمها بعد الدفن إلى رئيس المكتب القيادي للاجئين السودانيين بالمعسكر حسين تيمان لمتابعة الإجراءات القانونية، مشيرا إلى أن للفقيد ثلاث شقيقات في السودان، بينما كان شقيقه الأكبر المقيم في واو يجهل نبأ الوفاة حتى بعد أسابيع بسبب عدم وجود وسيلة تواصل.
مأساة متواصلة
وأوضح المسؤول الصحي بالمكتب القيادي للاجئين السودانيين في المعسكر، دكتور سنوسي يوسف آدم مكي، في مقابلة مع “التغيير” إن الهجمات الأخيرة تسببت في مأساة إنسانية كبيرة ماتزال آثارها مستمرة جسديا ونفسيا. وأوضح أن المكتب الصحي، بالتعاون مع متطوعين، يعمل في ظروف صعبة وسط نقص في الكوادر والمعدات.
ووفقا لما أورده، فإن عدد المصابين تجاوز العشرين خلال الأيام الأولى، وتم توزيعهم على مستشفيات مختلفة: كيرياندونغو، غولو، مولاغو، ولاشور، في حين أُسعفت الحالات الحرجة إلى العاصمة كمبالا.
في مستشفى كيرياندونغو، يتلقى العلاج كل من هارون يحيى، محمد يوسف، عبدالرزاق أحمد، محمد إبراهيم، الطاهر حسن، عبدالرحمن عيسى، أمام عثمان، إبراهيم الدومة، وعبد الرزاق عبد الشافع.
أما من تماثلوا للشفاء: الطفل شاكر، الطفلة إيمان، بابكر إسحاق، وندى (من مستشفى دار الشفاء)، إضافة إلى عطية (من مستشفى غولو). فيما تبقت حالة واحدة قيد المتابعة في مركز بانيادولي الصحي تعود للمصاب عثمان ميكائيل، ولا يزال 11 مصابا يتلقون العلاج داخل مستشفيات مختلفة، وبعضهم في غرف العناية المكثفة.
حالات حرجة وإصابات
أوضح يوسف أن الحالة الحرجة للأستاذ “علي” تطلبت عملية لإنقاذ الكبد والمرارة والحجاب الحاجز بعد طعنات نافذة، كما أن “راشد مصطفى” يعاني من نزيف دماغي، و”محمد مرسال” مصاب بنزيف حاد في الرأس والوجه.
وأورد تفاصيل الجرحى، وهم 4 من مصابي الهجوم الثاني، وجميعهم يعانون من إصابات بليغة. أكثر الحالات خطورة هي حالة الشاب مبارك، الذي أصيب في رأسه إصابة بالغة، وأظهرت الفحوصات وجود تهتك في الجمجمة، وكسر في اليد اليسرى، وشلل جزئي في الساق اليمنى، بالإضافة إلى طعنة برمح في الكتف، ورضوض في الظهر، واعتداءات متعددة قرب مناطق حساسة. وتم نقله إلى مستشفى ملاقو لتلقي رعاية متقدمة.
أما عبد الله سليمان، فقد تعرض للضرب على الرأس والعينين، وكان يتقيأ دما في بداية الأمر، وقد توقف النزيف مؤخرا، لكن لازمه ضعف في الاستجابة ولا يستطيع التحدث، ويحتاج إلى رعاية متخصصة، فيما يعاني يوسف محمد من خلع في الكتف وضربات قوية في العين والرأس، إلى جانب إصابات مت عددة ب بالعصي.
معتدون بزي موحد
إبراهيم علي، أفاد بأن المعتدين كانوا يرتدون زيا موحدا يتكون من أردية بيضاء وقمصان سوداء. تعرض إبراهيم لكسر في اليد اليسرى وجروح في الظهر ورضوض بالرأس، إلى جانب آثار الضرب بالعصي على جانبي جسده.
من جهة أخرى، جرى تحويل فوزي حسن، وهو أحد جرحى الهجوم الثاني، من مستشفى بانيادولي إلى مستشفى مولاقو في كمبالا، بعد إصابته بكسر مركب في الفخذ والركبة، وهو يتلقى العلاج والرعاية حاليا هناك، أما عطية الذي تعرض للضرب المبرح بالعصي، تعافى وخرج من مستشفى غولو، إلا أنه قرر البقاء لمساعدة المصابين الآخرين. ويواصل عدد من الجرحى، الذين لم تستدع حالاتهم التنويم، العلاج في منازلهم بمتابعة طبية.
صدمات نفسية
وأبدى المسئول الصحي بالمعسكر قلقه تجاه المصابين الذين يعانون من أمراض مزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم، رغم أن وضعهم الصحي يمضي في اتجاه الاستقرار.
وأكد أن فريقهم الصحي لا يتوقف عندا لإصابات الجسدية فقط، بل رصد أيضا حالات صدمات نفسية عنيفة، خاصة بين النساء والأطفال. وخص بالذكر الطفلة “معصرات” التي أصيبت بحالة ذعر شديدة بعد رؤيتها مقتل الشهيد كباشي كافي، ولاتزال حالتها النفسية متدهورة، كما تعاني نساء أخريات من أعراض قلق وخوف دائم.
لا دواء ولاشاش.. فقط الطرح لوقف النزيف
من جانبها، قدمت فاطمة إسماعيل آدم، اللاجئة السودانية والعاملة في فرع الطوارئ بمعسكر كيرياندونغو، شهادة مؤلمة في إفادتها لـ “التغيير” وقالت إن الهجوم الأخير كشف مدى انهيار النظام الصحي والأمني في المعسكر. وقالت: “الشرطة انسحبت بعد دقائق من وصولها، وتركتنا لمصيرنا”.
وأوضحت أن النقطة الوحيدة للشرطة بالمعسكر لايتجاوز عناصرها 50 شرطيا، مقابل أكثرمن 13,700 لاجئا، ما جعل المجتمعات اللاجئة تشكّل نقاط حماية ذاتية وفرق اسعاف تطوعية.
وكشفت فاطمة إسماعيل عن أن المصابين نُقلوا إلى المركز الصحي داخل المعسكر، الذي يفتقر للكوادر الطبية ولأبسط الأدوية، قائلة: “لم نجد سوى طبيب واحد فقط في مواجهة 19 إصابة، بعضها حرجة.. لا توجد أدوية، لاشاش طبي، لا مهدئات، ولا حتى أدوات خياطة للجروح، كنا نضمد جراح المصابين بأغطية النوم وطرح الرأس والملاءات”.
ووثّقت بين المصابين حالات كسور في اليدين والأرجل، بما في ذلك مسنّ أصيب بكسر مزدوج في الرجل واليدين، وآخر فقد بصره في إحدى عينيه نتيجة الضرب الشديد، ويتطلب عملية جراحية عاجلة لاستئصال العين.
وكانت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد حذرت في وقت سابق منتصف العام الماضي من هشاشة الوضع الأمني في المعسكر، مشيرة إلى أن الاكتظاظ، وتناقص الموارد، وضعف التغطية الصحية، تساهم في تأجيج التوترات وارتفاع مخاطر العنف المجتمعي.
ينشر منتدى الإعلام السوداني والمؤسسات الأعضاء فيه هذه المادة من إعداد صحيفة (التغيير) لتسليط الضوءعلى تفاصيل أحداث معسكر كرياندونغو بأوغندا التي كشفت غياب التأمين وحماية اللاجئين بالمعسكر وسط انعدام الخدمات الصحية والأساسية، كما يبرز التقرير الجانب الإنساني في تفاصيل الحدث.
المصدر: صحيفة التغيير