أبو لولو.. جزار وراءه قادة ومعه عشرات

أحمد عثمان جبريل

❝ هل السماء ما تزالُ صافيةً فوق أرضِ السودان.. أم هؤلاء حجبوها بالأكاذيب؟ ❞

الأديب الطيّب صالح

1

في زمنٍ أصبح فيه الدم خبراً عابراً، خرجت علينا قوات الدعم السريع لتعلن اعتقال جزار يُدعى «أبو لولو». كل بيت سوداني ارتجف اسمه، كل عين شاهدت ذعر الفاشر تعرفه.. قالوا إنهم قبضوا عليه ليُقدَّم للعدالة، وكأن كلمة «عدالة» على شفاههم لم تصبح سخريةً مُرة.. المسرحية واضحة، والصورة أفظع: “جزار يُقدم قرباناً لتبييض وجوه غارقة في الدم، بينما الحقيقة تتكدس تحت أكاذيبهم”.

2

أبو لولو لم يكن شبحاً عابراً في الأزقة، بل رمزٌ لذهنية لا تعرف الرحمة، تسفك الدماء باسم القوة.. ظهرت الفيديوهات الموثقة، كل العالم شاهد برودة يديه تصفي الأبرياء بلا شعور بالذنب، بلا خوف من القانون.. كيف لميليشيا أن تتظاهر بالبراءة فجأة؟ أي خيال هذا؟ أي خداع؟.. اعتقاله المزعوم ليس أكثر من مسرحية سياسية، لإيهام العالم بأن هناك قانون، بينما هو مجرد ترس صغير في آلة ضخمة، يقودها قادة أوسع نفوذاً وأعمق جرماً.

3

منذ دخول قوات الدعم السريع الفاشر، لم يكن الهدف حماية المواطنين، بل إخضاع المدينة لسلطة الرعب.. الذبح من الوريد للوريد، والتصفية بالرصاص، والقصف العشوائي، انتهاك البيوت، تشريد الآلاف، كل ذلك لم يكن صدفة، بل خطة منظمة.

اختزال كل هذه الجرائم في شخص واحد يُسمّى «أبولولو» محاولة قميئة لتزوير الحقيقة.. من أطلق له العنان؟ من غطى على جرائمه؟ أسئلة تقف على حافة الذاكرة السودانية، لا يمكن محوها.

4

السودانيون يعرفون مسرحيات الجنجويد جيداً؛ وهذه الدماء التي سفكوها في كل ولايات السودان الخرطوم والجزيرة بالاجتياح وولايات الشرق ونهر النيل والشمالية بالمسيرات، هم بارعون في التمثيل، لكنهم عاجزون عن الإقناع.

بالأمس يزعمون حماية المدنيين، واليوم يدّعون محاكمة من قتلهم.. منطقهم مقلوب، من يحمل آلة القتل لا يستطيع أن يكون قاضياً.. والمحاكمة الحقيقية لا تبدأ بمفرد «أبولولو» بل تشمل من صنعوه وآخرين معه، من سمح لهم بالإجرام، ومن بنوا هذه المافيا المسلحة التي تحكم المدينة بالرعب.

5

أبولولو ليس مجرد فرد، إنه مدرسة كاملة من الفكر والممارسة.. مدرسة ترى في القتل وسيلة للحكم، وفي الرعب سياسة للبقاء، وفي الإفلات من العقاب ضمانة للتمدد.. هذه ثقافة، لا جريمة عابرة، تُزرع وتُسقى يومياً في بنية ترى نفسها فوق القانون وفوق الوطن.. وما لم تُكسر هذه الدائرة، ستستمر البلاد بإنتاج آلاف «أبولولو» آخرين، لأن الحصانة حين تُترك بلا حساب تُنبت القتلة كما تُنبت الأرض الشوك بعد المطر.

6

سيكتب التاريخ أن السودان واجه عصابة أرادت أن تصنع من القاتل بطلاً، ومن المأساة رواية للتطهير الذاتي، كما كتب من قبل أن عصابة كيزانية ولدتهم من رحمها وربتهم في كنفها ثم عاق الابن من ولده ورباه.

الذاكرة السودانية أطول من أن تُخدع، وأصدق من أن تُشترى بالدعاية.. أبولولو ليس كبش فداء، بل مرآة لوجه كامل من وجوه الجنجويد، وجه تتشقق فيه الإنسانية حتى تصير الدماء لونها الطبيعي.. وسيظل سؤال الطيب صالح معلقاً في السماء: هل لا تزال السماء صافية في السودان، أم أن دخان الأكاذيب قد غطّاها تماماً؟..

إنا لله ياخ.. الله غالب.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.