اخبار السودان

آن لهذا السُودان أن “يستعدَّل” «2» السودانية , اخبار السودان

نضال عبد الوهاب

آن لهذا السُودان أن “يستعدَّل” «2»

نضال عبد الوهاب

في المقال السابق والجزء الأول منه تحدثت على أن بلادنا ومُنذ أن ولدنا ثم وعيّنا وشبيّنا فيها رأينا العديد من الاختلالات بها، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وتنموياً وفي نظام الحُكم وكيفيته، ورأينا عدم العدالة فيها والظُلم الاجتماعي، ورأينا كيف أنها ظلت تُدار وتُحكم بطريقة لا تتماشى مع كُل التنوع والثراء فيها، وأن السمة الأغلب للحُكم والطاغية عليه كانت هي نظام الحُكم العسكري الديكتاتوري الإقصائي، وكتبنا عن أنه كيف ساهمت الأحزاب السياسِية في الانقلابات العسكرية بدلاً على أن تكون حامية وداعمة للديمُقراطية، ورأينا الإقصاء السياسي والاستبداد بالرأي وغياب الحريات، والبطش والتنكيل بالشعب السُوداني، ورأينا كيف تفجرت الصراعات المُسلحة مُنذ بدايات استقلال البلاد في العصر الحديث، حتى عمّت مُعظم البلاد خاصة في إطرافها ونشوء حركات الكفاح المُسلح نتيجة لتلك الاختلالات والظُلم والتهميش وللقضايا العادلة التي طرحتها وكانت ولاتزال تحتاج إلى الحلول السياسِية الصحيحة وتعالج كُل أزماتها وما أدى إليها من أساسها، وبدأت بحرب جنوب السُودان، والعُنف والدموية التي مارسها الجيش السُوداني وقواته المُسلحة خلالها، وتواصلت هذه الحرب على فترات، حتى بلغت حربها الثانية أكثر من 20 عاماً ومات وقُتل وتشرّد بسببها الملايين من السُودانيين.

نواصل اليوم في هذا الجزء، ونقول إن حرب الجنوب كانت دون ادنى شك تحتاج إلى حل سياسِي وليس عسكري، وأن عدالة قضية الجنوب لم تتعامل معها الأنظمة التي تعاقبت في الحُكم العسكرية والمدنية بالشكل الصحيح، فشلت جميعها في ذلك، حتى كانت النتيجة المؤسفة هي انفصال الجنوب نفسه في 2011، وفقدت بذلك البلاد جزءاً عزيزاً وهاماً نتيجة لقصر ضيق أُفق من تعاقبوا عليها في موضع القرار السياسِي، فمشكلة الجنوب عندما بدأت، رغم وجود بعض الأصوات الانفصالية من الجنوبيين، إلا أنها كانت أصوات معزولة ولا تُمثل رغبة غالبية أهل الجنوب نخبة وشعب، ولم يكن حق تقرير المصير الانفصالي هو الطاغي، هذا غض النظر عن إشكالياته القانونية المرتبطة بحق السيادة الذي يمنحه القانون الدولي للدول لمجابهة صراعاتها الداخلية والقوى الانفصالية للأقليات داخلها وحتى لا تتفتت الدول ويؤثر هذا على السلم العالمي، فبعيد عن هذا فقد كان أقصى ما طالب به الجنوبيون هو الحكم الذاتي ضمن حدود الدولة الأم “السُودان” وليس الانفصال، وذلك نسبةً لخصوصية الجنوب وشعب الجنوب غير المنتمي للعربية ولا للثقافة العربية الإسلامية، بعد الإصرار الغريب ممن آل إليهم حكم البلاد بعد الاستقلال من إعلاننا دولة وجمهورية “عربية”، ثم لاحقاً عربية وإسلامية في عهد الإسلاميين من الكيزان والإخوان المُسلمين وحركتهم الإسلامية، والتي كانت قد بدأت في أواخر عهد مايو بإيعاز ودعم منهم وتحولت لجمهورية عربية إسلامية، لدرجة تسمية رئيس البلاد نفسه بأمير أو إمام المُسلمين؟؟، وكل ذلك بعد تطبيق القوانين والشريعة الإسلامية وما عُرف بقوانين سبتمبر في 1983، وكانت تحول كبير في الصراع ما بين الجنوب والشمال، واندلاع الحرب أكثر امتداداً، وبداية التدخلات الأجنبية المُباشرة خاصة لليمين المسيحي المُتطرف في الغرب، والذي دعم انفصال وقيام دولة في جنوب السُودان، واستغل كُل هذا لاحقاً اليمين المتطرف كذلك الإسلامي في السُودان مُتمثل في الجبهة الإسلامية القومية “الحاكمة” بإعطاء الجنوبيين حق تقرير المصير الانفصالي والتمهيد لفصل الجنوب، مع دفع ومُساندة لدوائر عُنصرية داخل تنظيمهم الإسلامي دعمت هذا الإتجاه، حتى انتهى بصفقة مع البشير لإعفائه من المُحاكمات الجنائية الدولية وبعض رموز نظامه وعدم ملاحقتهم في مقابل التخلي عن جنوب السُودان وانفصاله، وللأسف قد بصمت غالبية القوى السياسِية وبقصر نظر منها و”قلة أفق” أراه على تمرير حق تقرير المصير الانفصالي هذا بدعاوى فطيرة وغير سليمة، بدلاً عن الذهاب للحلول السياسِية الواضحة والتي كانت سبباً في جذر المُشكلة وأساسها!!، فاختارت الحل الأسهل والذي خدم الفئة العُنصرية والمُتطرفة والأصوات الانفصالية الغالبة داخل الحركة الإسلامية لتعضيد حكمهم بعد التخلص من “صُداع” الجنوب في رأيهم والانفراد بحكم ما تبقى منه في الشمال والشرق والغرب باعتبار الأغلبية المُسلمة فيه بحسب تقديرهم، وكانت هذه قمة العبث والأنانية والتطرف وتغليب المصلحة الخاصة علي مصالح كُل السُودانيين، وكانت من أهمّ العوامل التي أفقدت ثقة السُودانيين في الحركة الإسلامية والإنتباه التام لأجندتها الخفية وغير الوطنية، إضافة لهز الثقة كذلك في بقية القوى الحزبية السياسِية التي انهزمت في امتحان الجنوب وفشلت في وضع الحلول التي تحافظ على وحدة السُودان وتقويته بدلاً عن فصله وإضعافه!….

ونواصل…

آن لهذا السُودان أن “يستعدَّل” (١)

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *