منعم سليمان
في لحظةٍ مفصلية، ومع ترقُّب خطوةٍ أميركية وشيكة لحظر جماعة الإخوان المسلمين، يرتفع صوتُ العقل والحق في السودان: آنَ لهذا البلد أن يحظر فرع الإخوان فيه، المعروف بالحركة الإسلامية السودانية، أو “الكيزان”؛ ذلك الورم السياسي الذي فتك بالوطن، ودمّر وحدته، وشرّد شعبه، وأغرقه في مستنقعات الفساد والحرب.
لم يكن السودان ميدانًا عاديًا لتجربة الإسلام السياسي؛ بل كان أول بلدٍ سُنّيّ تحكمه هذه الجماعة الإرهابية بالكامل، ليكتشف شعبه، بعد ثلاثين عامًا من الاستبداد، أن حُكمهم لا يعني إلا الخراب، والاستبداد، والسرقة، والفساد، والإرهاب، والتسلُّط باسم الدين. لقد جاءوا على ظهور الدبّابات في يونيو 1989، وحكموا بالقمع، والقتل، والتعذيب، والسجون، حتى سُجّلت جرائمهم في المحكمة الجنائية الدولية تحت عناوين: الإبادة، والجرائم ضد الإنسانية، والاغتصاب، والتطهير العرقي.
وبعد ثورة ديسمبر، قابلوا تسامحَ الشعب معهم بالغدر والخيانة، ثم الانقلاب على حكومة الثورة في 25 أكتوبر 2021، وأخيرًا بإشعالهم حرب 15 أبريل، بهدف إعادة حُكمهم بالبندقية؛ فأعادوا السودان إلى الدمار، على النحو المؤسف الذي يراه العالم الآن!
ليست هذه انزلاقات طارئة، بل نتائجُ حتمية لفكرٍ لا يعترف بالدولة الحديثة، ويرفض التعدُّد، ويُقدِّس الاستبداد. فالمواطن، في نظرهم، مجرد أداةٍ لمجد الجماعة، وشعارهم: (فلترقَ كلُّ الدماء)، أي فلتُزهق كل الأرواح ليعلو سلطان الطغيان؛ فدينهم لا يعلو، ولا يكون له مجد أو شأن، إلا فوق المقابر!
حوّل “الكيزان” السودان إلى ملاذٍ للإرهاب العالمي؛ استضافوا بن لادن، وتآمروا على قادة دول، وفتحوا البلاد لعصابات الحروب وتجارة البشر، ونهبوا أكثر من مئة مليار دولار من ثروات النفط والذهب، في وقتٍ حرموا فيه المواطن من أبسط حقوقه، وذلّوه في بلاده وخارجها.
ومن يظن أن المال يُروِّضهم، فهو واهم؛ فالفساد، عندهم، وقودٌ للتطرّف، والتَّرَف لا يقتل غلوّهم، بل يدفعهم لحراسة امتيازاتهم الأرضية بالمزيد من البطش باسم السماء.
تأخّر السودان كثيرًا في حظر هذه الجماعة، وهو تأخر لا يُحسب كخطأٍ سياسي فحسب، بل كخيانةٍ لدماء الشهداء، وتهديدٍ مباشر لأي إمكانية للسلام أو الإصلاح أو الديمقراطية. فما دامت الحركة الإسلامية باقيةً في مفاصل الدولة، فلن تقوم للسودان قائمة، بل قيامة.
لا نهوض ممكنًا، ولا استقرار يُرجى، ما دام هذا الفكر يحكم، أو يُهادَن، أو يُسوَّق له على أنه جزءٌ من التنوُّع. إنّ حظر “الكيزان” ليس انتقامًا، بل ضرورةٌ وطنية، وأخلاقية، ووجودية؛ لحماية السودان، وللانسجام مع العالم المتّحد اليوم ضد خطر الإرهاب.
تحركوا الآن .. قبل أن لا يكون هناك آن.
المصدر: صحيفة الراكوبة