آلاف المدنيين في الفاشر يواجهون خطرًا وشيكًا بعد سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة، مع تواصل الانتهاكات والمجازر ونزوح عشرات الآلاف من السكان..

التغيير: وكالات

قالت منظمة “أطباء بلا حدود” السبت إن آلاف المدنيين يُخشى أن يكونوا محاصرين ويواجهون خطرًا وشيكً في مدينة الفاشر السودانية بعد سقوطها في أيدي قوات الدعم السريع، فيما وصفت وزيرة الخارجية الألمانية الوضع هناك بأنه “كارثي وأشبه بنهاية العالم”.

قوات الدعم السريع، التي تخوض حربًا ضد الجيش النظامي منذ أبريل 2023، سيطرت على الفاشر يوم الأحد الماضي، بعد حصار استمر 18 شهرًا اتسم بالمجاعة والقصف المتواصل، لتُجبر الجيش على الانسحاب من آخر معاقله في دارفور.

ومنذ سقوط المدينة، ترددت تقارير عن إعدامات ميدانية، وعنف جنسي، واعتداءات على العاملين الإنسانيين، وعمليات نهب وخطف، بينما لا تزال الاتصالات مقطوعة إلى حدٍّ كبير.

ونقل ناجون وصلوا إلى بلدة طويلة المجاورة لوكالة فرانس برس روايات مروّعة عن “عمليات قتل جماعي، وأطفال أُطلقت عليهم النار أمام والديهم، ومدنيين ضُربوا وسُلبت ممتلكاتهم أثناء فرارهم”.

وقالت الأمم المتحدة إن أكثر من 65 ألف شخص فروا من الفاشر منذ يوم الأحد، لكن عشرات الآلاف ما زالوا محاصرين. وكان نحو 260 ألف نسمة يعيشون في المدينة قبل الهجوم الأخير.

وأضافت منظمة “أطباء بلا حدود” أن “أعدادًا كبيرة من الناس ما تزال في خطر جسيم، وتُمنع من الوصول إلى مناطق أكثر أمانًا على يد قوات الدعم السريع وحلفائها”، مشيرةً إلى أن نحو 5 آلاف شخص فقط تمكنوا من الوصول إلى طويلة، الواقعة على بُعد نحو 70 كيلومترًا إلى الغرب.

تتزايد الأدلة على وقوع فظائع واسعة النطاق بالفاشر

وقال ميشيل أوليفييه لاشاريتي، رئيس قسم الطوارئ في المنظمة، إن “عدد الواصلين إلى طويلة لا يتناسب مع الأعداد التي كانت في المدينة، بينما تتزايد الأدلة على وقوع فظائع واسعة النطاق”، متسائلًا: “أين كل المفقودين الذين نجوا بالفعل من شهور الجوع والعنف في الفاشر؟”

وأضاف: “الجواب الأكثر احتمالًا، وإن كان مرعبًا، هو أنهم يُقتلون أو يُطاردون ويُمنعون من الفرار”.

استمرار القتل الجماعي

أبلغ شهود عيان المنظمة أن مجموعة من 500 مدني، مع عدد من جنود الجيش وقوات “التحالف المشترك” الموالية له، حاولوا الفرار الأحد، لكن معظمهم قُتل أو أُسر على يد قوات الدعم السريع وحلفائها.

وقال ناجون إن الفارين فُصلوا بحسب النوع والعمر والانتماء العرقي المفترض، وإن كثيرين ما زالوا محتجزين مقابل فدية.

وروت “حياة”، أمٌّ لخمسة أطفال فرت من المدينة، لوكالة فرانس برس أن “الشبان الذين كانوا معنا أُوقفوا من قبل المليشيا في الطريق، ولا نعلم ما حدث لهم”.

وذكرت الأمم المتحدة يوم الجمعة أن عدد القتلى جراء الهجوم على المدينة قد يكون بالمئات، بينما اتهم حلفاء الجيش قوات الدعم السريع بقتل أكثر من ألفي مدني.

وقالت جامعة ييل (مختبر البحوث الإنسانية) في تقرير صدر الجمعة إن عمليات القتل الجماعي مرجّح أنها لا تزال مستمرة في الفاشر ومحيطها.

وأضاف المختبر، الذي يستخدم صور الأقمار الصناعية والمصادر المفتوحة لتوثيق الانتهاكات، أن الصور الحديثة تُظهر “عدم وجود حركة نزوح واسعة”، مما يرجّح أن معظم السكان “إما قُتلوا أو أُسروا أو يختبئون”.

وأفاد بأن التحليل حدد 31 موقعًا تحتوي على أجسام يُعتقد أنها جثث بشرية، منتشرة في الأحياء ومحيط الجامعة والمواقع العسكرية. وقال التقرير: “المؤشرات على استمرار القتل الجماعي واضحة للعيان”.

“وضع مرعب بحق”

وفي مؤتمر بالبحرين السبت، وصف وزير الخارجية الألماني يوهان واديبول الوضع في السودان بأنه “أكثر الأزمات الإنسانية مأساوية في العالم”، مؤكدًا أن “قوات الدعم السريع تعهدت بحماية المدنيين وسنحاسبها على أفعالها”.

وفي المناسبة نفسها، قالت وزيرة الخارجية البريطانية إيفيت كوبر إن التقارير الواردة من السودان “مرعبة بحق”، مشيرةً إلى “الفظائع والإعدامات الجماعية والمجاعة، والاستخدام المدمّر للاغتصاب كسلاح حرب، في وقت يتحمل فيه النساء والأطفال العبء الأكبر من أكبر أزمة إنسانية في القرن الحادي والعشرين”.

وأضافت الوكالة أن قوات الدعم السريع أعلنت الخميس أنها اعتقلت عددًا من المقاتلين المتورطين في تجاوزات أثناء السيطرة على المدينة، لكن منسق الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة توم فليتشر شكك في التزامها بالتحقيق في تلك الجرائم.

وتواجه كلٌّ من قوات الدعم السريع المنحدرة من ميليشيات الجنجويد المتهمة بارتكاب جرائم إبادة في دارفور قبل عقدين والجيش السوداني اتهامات بارتكاب جرائم حرب خلال الصراع المستمر منذ 18 شهرًا.

كانت الولايات المتحدة قد اعتبرت في وقت سابق أن قوات الدعم السريع ارتكبت إبادة جماعية في دارفور. وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن الدعم السريع تلقت أسلحة وطائرات مسيّرة من الإمارات، وهو ما تنفيه أبوظبي، بينما يستند الجيش إلى دعم من مصر والسعودية وإيران وتركيا.

وبسيطرتها على الفاشر، أصبحت قوات الدعم السريع تهيمن على عواصم ولايات دارفور الخمس كافة، ما يقسّم السودان فعليًا إلى شطرين: شرق وشمال ووسط البلاد تحت سيطرة الجيش، وغربها بيد قوات الدعم السريع.

وحذرت الأمم المتحدة من أن العنف يمتد الآن إلى ولايات كردفان المجاورة، مع ورود تقارير عن “فظائع واسعة النطاق تُرتكب هناك من قبل قوات الدعم السريع”.

ويُذكر أن الحرب في السودان تسببت حتى الآن في مقتل عشرات الآلاف، وتشريد نحو 12 مليون شخص، لتخلق أكبر أزمة نزوح وجوع في العالم.

(المصدر: وكالة الأنباء الفرنسية AFP)

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.