انطفأت شعلة من التفاؤل والود في أروقة جامعة الخرطوم، كلية الآداب مع انتشار خبر وفاة عم حسين، أشهر عامل مراسلة في الجامعة، والذي كان يُعرف بضحكته العذبة وبالطيبة والنقاء..
الخرطوم التغيير
لم يكن حسين شوكة مجرد عامل ينقل الأوراق، بل كان أيقونة حية للطيبة وصاحب ضحكة رنانة كانت توزع البهجة والتفاؤل على أجيال من الطلاب والأساتذة والعمال.
ارتبط اسم عم حسين بكلية الآداب ارتباطاً وثيقاً، حيث كان نقطة التقاء غير رسمية للطلاب والطالبات.
كان يجلس معهم، لا كعامل، بل كصديق حكيم يفتح لهم قلبه وعقله، كانت له القدرة النادرة على الاستماع باهتمام عميق لمشاكلهم، وتهوين الدنيا عليهم بخفة دمه وابتسامته التي لا تغيب.
تجاوز دوره حدود مهنته بكثير؛ فبينما كانت واجباته الرسمية تقتضي نقل المراسلات، كان هو ينقل الطمأنينة والمشاعر الإيجابية أيضاً.
كان يمزج كلماته ببعض الدعابات والعبارات اللغوية المضحكة، مثل سؤاله بالروسية “كاك ديلا؟” (كيف الحال؟) والرد المعتاد “خرشو” (جيد)، أو استخدامه للإنجليزية بالقول “I see” (أرى/أتفهم) عند الاستماع لمشكلة معقدة، ليؤكد للجميع أنه ليس مراسلة للأوراق، بل “مرسال للضحك والطيبة والنقاء”.
ضحكة قاومت قسوة الحرب
في الوقت الذي كان فيه حسين يوزع التفاؤل على الآخرين، كان يخفي خلف ضحكته الطيبة صراعاً قاسياً بدأ ينهش حياته بعد اندلاع الحرب في السودان.
تسببت الظروف الصعبة في معاناته من أزمة اقتصادية خانقة، حيث واجه صعوبة بالغة في تدبير إيجار مسكنه وعدم قدرته على الدفع.
العامل الذي كان يحمل هموم الطلاب ويهونها عليهم، انتهى به الحال ليحمل عبء الحياة نفسه بصمت موجع. هذه القسوة، التي نالت من استقراره وأمنه، ألقت بظلالها الثقيلة على أيقونة الفرح.
برحيل عم حسين، لم تفقد جامعة الخرطوم عاملاً فحسب، بل فقدت روحاً شفافة كانت تُشعر الجميع بأن هناك دوماً سبباً للضحك والأمل، حتى في خضم أصعب الظروف.
رحل الصديق الوفي، تاركاً وراءه قصصاً وحكايات ستبقى تتردد في ممرات الجامعة، ودروساً في البساطة والطيبة والاحتواء، وحزناً عميقاً على رجل أعطى كل ما لديه من نقاء وضحكات، ثم غادر بصمت تحت وطأة قسوة لم يستطع عليها صبراً، سيظل اسمه محفوراً في ذاكرة جامعة الخرطوم، كآخر المراسيل الذين يحملون البشرى بدلاً من الأوراق.
المصدر: صحيفة التغيير