يختلف عيد الأضحى هذا العام بسبب الارتفاع الكبير في أسعار الأضاحي في السودان، ولم تنجُ الولايات المنتجة للضأن من الأرقام الفلكية للخراف التي تأثرت بعدد من العوامل، التي تشمل الضرائب والنزاع المسلح والنهب وجفاف المراعي ومصادر المياه.
في مدينة ود مدني، التي غرقت في الفوضى والنزاع المسلح طوال العام الماضي على يد قوات الدعم السريع، تعتقد مزاهر (35 عامًا)، الموظفة العاطلة عن العمل بسبب إغلاق مكتب تجاري بالمدينة وخسارة الأصول والأموال، أن العديد من العائلات في مدينتها، التي تسترد حياتها الأساسية، لن تتمكن من شراء أضحية العيد.
اقتصادي: الحكومة لم تشجع منتجي الضأن على البيع بأسعار منخفضة
تُباع الأضاحي في أسواق حول مدينة ود مدني بأسعار تتراوح بين 180 ألف جنيه سوداني (ما يعادل 70 دولارًا) و700 ألف جنيه (ما يعادل 250 دولارًا أميركيًا). وبالنسبة للمجتمعات التي نزحت أو بقيت خلال سيطرة قوات الدعم السريع على ود مدني، فإن تدبير هذا المبلغ غير ممكن في نظر “مزاهر”.
وتضيف: “حاولت بعض العائلات تدبير بعض المال، لكن الأسعار فوق طاقتهم، لذلك قرروا الاستغناء عن الأضاحي، والاكتفاء بشراء اللحوم من السوق من (الجزارين)”.
معظم شحنات الضأن الواردة إلى أسواق ود مدني وقرى ولاية الجزيرة تأتي من الإنتاج المحلي الشحيح، الذي تأثر بالنهب والحرمان من المسارات الرعوية، كما وردت شحنات من البطانة وولاية القضارف.
ويقول معاوية، وهو مورد شحنات ضأن في مدن شرق البلاد، لـ”الترا سودان”، إن الماشية “تأثرت بالجفاف الناتج عن الصراع المسلح في الجزيرة وسنار وأجزاء من البطانة، إلى جانب فقدان عشرات الآلاف منها على يد قوات الدعم السريع إبان سيطرتها على هذه المناطق”.
وتابع: “منتجو الماشية من صغار المزارعين أو المستثمرين وجدوا الحقول التي درجوا على الاعتماد عليها، والتي تتحول إلى مراعٍ للماشية خلال أوقات الجفاف، قد جفّت تمامًا على خلفية توقف قنوات الري الرئيسية في مشروع الجزيرة”.
ويشير معاوية إلى أن ارتفاع تكاليف نقل الماشية من منطقة إلى أخرى، بحثًا عن مصادر للرعي والمياه، انعكس على أسعار الأضاحي، كما أن السلطات المحلية، أو تلك على الطرق البرية بين الولايات، تفرض الرسوم الحكومية.
ولم تُعلّق الحكومة المحلية أو الاتحادية، التي تدير البلاد من العاصمة المؤقتة بورتسودان، على ارتفاع أسعار الأضاحي. ويتزامن العيد مع وصول رئيس الوزراء المُعيّن حديثًا، كامل إدريس، والذي تعهّد بالعمل على تحسين الوضع المعيشي.
يأتي عيد الأضحى هذا العام للمرة الثالثة منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، في واقع معيشي بالغ السوء، وتراجع اقتصادي، وفقدان قرابة 7 ملايين شخص وسائل كسب العيش في القطاعين العام والخاص.
ورغم انتقال بعض الولايات إلى دائرة سيطرة القوات المسلحة، وانخفاض التهديدات الأمنية التي كانت تشكلها قوات حميدتي في الخرطوم والجزيرة وسنار والنيل الأبيض وأجزاء من كردفان، على غرار العام الماضي، وفق إفادات السكان العائدين إلى منازلهم، إلا أن الوضع العام لا يزال سيئًا، إذ لا تزال معظم الأسواق الكبيرة والشركات الصغيرة والمكاتب التجارية متوقفة عن العمل، بسبب فقدان الأصول والممتلكات، وغياب اليقين حول مصير هذه المدن.
اقتصادي: غالبية المواطنين لا يملكون قدرة شراء الأضاحي حتى لو انخفضت
يقول المحلل الاقتصادي محمد إبراهيم لـ”الترا سودان”: “هناك ركودٌ في أسواق الخراف بجميع الولايات دون استثناء، حتى مناطق الإنتاج، لأن الأسعار باهظة، والناس لم يعودوا يملكون حتى القليل من المال لشراء الأحجام الصغيرة”.
وأضاف: “حتى من كانوا يضطرون لشراء الأضحية من منظور اجتماعي، مثل إدخال الفرحة في نفوس أطفالهم خلال الحرب، فقدوا هذه الرغبة مضطرين. وأقل الأسعار تبدأ من 150 ألف جنيه، وهذا مبلغ ليس في مقدور غالبية العائلات في السودان”.
ويعتقد إبراهيم أن الحرب حوّلت البلاد إلى مرتع للفقر، ولم يعد يتوفر حتى الحد الأدنى للمواطنين لشراء الطعام. فمعظم السكان، سواء من نزحوا داخليًا أو من لم تكن مناطقهم ضمن دائرة الحرب، تأثروا بالآثار الوخيمة للنزاع المسلح، على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، وحتى بفقدان التكافل بين أفراد المجتمع في الكثير من الأحيان.
ويشير المحلل الاقتصادي محمد إبراهيم إلى أن الحكومة لم تشجع منتجي الماشية ومربي الضأن على خفض الأسعار مراعاةً لوضع المواطنين في هذا الوقت الحرج، عبر اتخاذ خطوات استباقية بإعفاء شحنات الضأن بين الولايات وداخل المحليات من الرسوم والضرائب.
وتابع: “مئات المنتجين يرغبون، مثلًا، في نقل شحنات من الضأن إلى ولاية الخرطوم وبورتسودان، لكنهم يصرفون النظر بسبب تكلفة النقل والرسوم الحكومية بين الولايات، وهي ضرائب متعددة، وبأكثر من وجه، وبعضها صيغت على المستوى المحلي وغير قانونية”.
ويُعتبر السودان من البلدان الغنية بالثروة الحيوانية وقطعان الماشية التي تجوب غالبية أنحاء البلاد، ومع ذلك، فإن نصفها على الأقل تأثر بالحرب، خاصةً وأن النزاع المسلح أكثر اشتدادًا في المناطق المنتجة للماشية.
ولم تكن الأسعار في أحسن حالاتها خلال فترة ما قبل الحرب، في الأعوام القليلة الماضية، لأن التضخم ظل يلاحق الأسواق بعد عقود من سوء الإدارة والفساد في القطاع الحكومي، وتوقف المشاريع الإنتاجية.
طبيب بيطري: وفرة الماشية لم تنعكس على الأسعار
يُلقي الطبيب البيطري، والمهتم بقطاع الماشية، أحمد حسين، باللوم على الحكومة في تجاهل معاناة المواطنين إزاء الارتفاع الكبير وغير المبرر لأسعار الأضاحي هذا العام، ويشدد على أن الحلول الحكومية، لو توفرت، يمكن أن تساعد مئات الآلاف من المواطنين على شراء الخراف، لأن بلدًا منتجًا للضأن لا يمكن أن يصل فيه المواطنون إلى مرحلة العجز عن شرائه.
ويشير حسين، في حديث لـ”الترا سودان”، إلى أن أسواق الضأن في ولايات شرق وشمال ووسط وجنوب البلاد تواجه ركودًا كبيرًا، بينما تقف قرابة 400 ألف رأس من الضأن في العراء، ويخسر المتعاملون المال يوميًا لإطعامها وجلب المياه. ولا يستطيع المواطن الخروج من منزله لشراء أضحية بسهولة ويسر.
محمد حلفاوي ألترا سودان
المصدر: صحيفة الراكوبة