يعيش العامل الفلسطيني واحدة من أقسى المآسي الإنسانية والاقتصادية، في واقع لا يترك له خيارًا آمنًا أو كريمًا. فهو محاصر بين طريقين كلاهما محفوف بالخطر: إما اجتياز جدار الفصل العنصري والدخول إلى إسرائيل بطرق غير آمنة بحثًا عن لقمة العيش، معرضًا نفسه للاعتقال أو الإصابة أو حتى القتل، أو البقاء في الضفة الغربية بلا عمل، ليواجه البطالة والفقر وتراكم الديون التي قد تقوده إلى الحبس.

اجتياز الجدار: مخاطرة بالحياة من أجل الرزق

قبل بزوغ الفجر، يبدأ آلاف العمال الفلسطينيين رحلتهم القاسية عبر الجبال والوديان، متسللين عبر فتحات في جدار الفصل العنصري أو مسارات وعرة، هربًا من الفقر لا من القانون. هذه الرحلة لا تشبه الذهاب إلى العمل، بل تشبه المغامرة بالحياة؛ إذ قد يتعرض العامل للمطاردة، أو الاعتقال، أو الضرب، أو إطلاق النار عليه، وفي كثير من الحالات، يدفع حياته ثمنًا لمحاولة الوصول إلى مكان عمله.

كثير من العمال لا يملكون تصاريح، أو سُحبت منهم دون مبرر، ما يدفعهم إلى هذا الطريق الخطير. ومع ذلك، فإن الخطر لا ينتهي عند الوصول؛ فظروف العمل قاسية، والأجور منخفضة، ولا وجود لأي ضمان صحي أو قانوني، ما يجعل العامل الفلسطيني الحلقة الأضعف في سوق عمل قائم على الاستغلال.

الضفة الغربية: بطالة تُنتج الفقر

في الجهة الأخرى، لا يبدو البقاء في الضفة الغربية خيارًا أفضل. فمعدلات البطالة المرتفعة، وشح فرص العمل، والشلل الاقتصادي الناتج عن الاحتلال، تجعل آلاف العمال بلا مصدر دخل. ومع استمرار الالتزامات المعيشية، يجد العامل نفسه مضطرًا للاستدانة لتأمين أساسيات الحياة.

الديون، التي تبدأ كمحاولة للبقاء، تتحول سريعًا إلى عبء ثقيل، خاصة في ظل غياب سياسات حماية اجتماعية فعالة. وعندما يعجز العامل عن السداد، يصبح مهددًا بالحبس، وكأن الفقر جريمة يُعاقَب عليها.

الحبس بسبب الديون: وجه آخر للمعاناة

حبس العامل بسبب الديون لا يعالج الأزمة، بل يضاعفها. فالسجن يسلبه ما تبقى من قدرته على العمل، ويترك عائلته دون معيل، ويدخل الأسرة في دوامة فقر أعمق. إنها عقوبة لا تطال الفرد فقط، بل تمتد آثارها إلى المجتمع بأكمله.

بين الموت والذل

العامل الفلسطيني اليوم يقف بين خيارين قاسيين: المخاطرة بحياته عبر اجتياز الجدار، أو الموت البطيء داخل الضفة تحت وطأة البطالة والديون والسجون. كلا الخيارين يعكسان واقعًا غير إنساني، تُستخدم فيه لقمة العيش كأداة قمع وعقاب جماعي.

صرخة من أجل العدالة

إن معاناة العامل الفلسطيني ليست قدرًا، بل نتيجة سياسات الاحتلال، وضعف الحماية الاقتصادية، وغياب حلول جذرية. المطلوب اليوم إعادة الاعتبار لكرامة العامل، وتوفير فرص عمل حقيقية داخل الأراضي الفلسطينية، ووقف حبس المدين، ومحاسبة السياسات التي تدفع الإنسان إلى المخاطرة بحياته من أجل البقاء.

إلى أن يتحقق ذلك، سيبقى العامل الفلسطيني عالقًا بين جدار ورصاصة، وبين دين وسجن، يحمل معوله بيد، وخوفه باليد الأخرى، بحثًا عن حياة تليق بإنسانيته.

شاركها.