اخبار المغرب

38 سنة من الدعم العمومي.. هل أخفقت الدولة في حماية الأحزاب من التمويلات المشبوهة؟

انطلق الدعم العمومي للأحزاب السياسية بالمغرب سنة 1987، بعدما أقره الملك الراحل الحسن الثاني في رسالة إلى الوزير الأول آنذاك عز الدين العراقي، فهل نجح دعم الدولة للأحزاب في تعزيز الديمقراطية وتخليق الحياة السياسية، وهل حمى هذه الهيآت السياسية من التمويلات المشبوهة؟

في دجنبر من سنة 1986 توصل الوزير الأول برسالة من الملك يأمره فيها برصد مبلغ 20 مليون كل سنة، في إطار قانون المالية، ابتداء من سنة 1987، “يخصص لدعم الصحافة الوطنية وإعانة الهيئات السياسية والمنظمات النقابية على ممارسة الدور الموكل إليها بحكم دستور مملكتنا”، وأوضحت الرسالة أن الهدف هو مساعدة الأحزاب على المساهمة في تأطير المواطنين وتمثيلهم.

وفي هذا الصدد أوضح الأستاذ الباحث في كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالجديدة، سعيد شكاك، أن قرار التمويل العمومي للأحزاب السياسية وحملاتها الانتخابية يرمي إلى “تخليق الحياة السياسية وحمايتها من التمويلات المشبوهة”، مشيرا إلى أن النظام السياسي يحتاج إلى الديمقراطية، وهذه الأخيرة تحتاج إلى أحزاب قوية وفعالة، والأحزاب السياسية تحتاج إلى المال.

وأشار شكاك، في دراسة بعنوان “التمويل العمومي للأحزاب السياسية بالمغرب”، إلى أن الموارد المالية للأحزاب كانت قبل سنة 1987 “تعتمد من الناحية النظرية والقانونية على التمويل الذاتي، والذي يتضمن، بالإضافة إلى اشتراكات الأعضاء، تحويلات المنتخبين ومداخيل الصحافة الحزبية”.

حصيلة أربعة عقود

مرت اليوم 38 سنة على تاريخ إقرار الدعم العمومي للأحزاب أول مرة من قبل الملك الراحل الحسن الثاني، وهو ما يعني استفادة هذه الهيئات السياسية من أموال عمومية من أجل تأطير المواطنين وتمثيلهم وتعزيز الديمقراطية وتخليق الحياة السياسية، وهو ما يستشف من الرسالة الملكية سنة 1986، فما هي الحصيلة اليوم؟

فمن الناحية المبدئية، يقول أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة القاضي عياض في مراكش عبد الرحيم العلام، تسمح التجربة العالمية بتمويل الأحزاب من خزينة الدولة والتمويل الذاتي، “مثلا في الولايات المتحدة يسمح للمرشح أن يساهم في تمويل حملته الانتخابية، شريطة ألا يتجاوز تمويله سقفا محددا، فإذا تجاوزه عليه أن يتخلى عن التمويل العمومي”.

واعتبر العلام أن الدعم العمومي للأحزاب في المغرب يستنزف خزينة الدولة من جهة، ومن جهة أخرى فإن عددا من الأحزاب تشتكي من المعايير التي تحرمها من هذا الدعم، لأنه يعطى بحسب عدد من المنتخبين لكل حزب، و”لا يحقق عدالة في التوزيع”، بحيث تتقلص حصة أحزاب وترتفع أخرى بناء على نتائج الانتخابات.

هذا الدعم الذي وجد في الأساس لمساعدة الأحزاب “للوقوف على رجليها”، ولم يمنعها من طرق أبواب تمويلات أخرى، بحيث سمح لها القانون بتأسيس شركات لتمويل نفسها، بات اليوم، بحسب عبد الرحيم العلام، يخلق مشاكل للأحزاب، التي تعودت على الاعتماد عليه بشكل كامل.

“اليوم باتت الأحزاب تكتفي بالدعم العمومي، وأصبحت عاجزة عن القيام بأي نشاط دون هذا الدعم”، يضيف المتحدث، بحيث كانت في السابق تعتمد على التمويل الذاتي، وكانت تراهن على استقطاب أكبر عدد من الأعضاء للقيام بأنشطتها، فهم الذين كانوا يسهرون على توفير الإقامة خلال المؤتمرات بشكل ذاتي، وكانوا يعدون الأوراق والدراسات.

وبعدما جاءت آلية الدعم العمومي، يقول الأستاذ الجامعي، أصبحت الأحزاب السياسية تستأجر من يقوم بجملة من الأنشطة التي كان يؤديها أعضاؤها ومناضلوها، فالدعم العمومي ساهم في ضعفها، إذ لم تعد تراهن على استقطاب أكبر عدد من المنخرطين، بل أصبحت تراهن على “النخب”.

“من المفروض في الأحزاب أن تعيد النظر في رهاناتها، وأن تعود للجماهير من خلال الانخراطات.. وينبغي لها ألا تستنزف خزينة الدولة”، مشيرا إلى أن حزب الاستقلال في فترة سابقة كان يضم أكثر من 500 ألف عضو كحد أدنى، بينما يصل أعضاء الاتحاد الاشتراكي إلى 120 ألف عضو.

ديمقراطية وأموال مشبوهة

تظل الديمقراطية في الدولة الحديثة مرتبطة بالأحزاب السياسية، “لكن عملت مختلف الدول على تحديد صيغ التمويل، مع التمييز بين تمويل الأحزاب للقيام بوظائفها الدستورية، ثم الدعم الذي يهم الحملات الانتخابية، ففي التجارب المقارنة يسمح للقطاع الخاص أو المنظمات بتمويل هذه الحملات شريطة الإعلان عن المصدر”، يقول أستاذ القانون الدستوري في جامعة الحسن الأول بسطات، عبد الحفيظ اليونسي.

وأشار اليونسي، في تصريح لجريدة “العمق”، إلى أن القانون التنظيمي للأحزاب السياسية حدد في المادة 31 منه تسع صيغ للتمويل، ضمنها الدعم الذي تقدمه الدولة للأحزاب السياسية للقيام بوظائفها الدستورية الواردة في الفصل 7 من دستور 2011، وأيضا التمويل المخصص للحملات الانتخابية.

وفي قراءته لحصيلة هذا الدعم، أوضح اليونسي أن تقنين الدعم العمومي للأحزاب “كان له دور مهم في انتظام عقد الأحزاب لمؤتمراتها، وإن كان الأمر شكليا في الديمقراطية الداخلية، لكنه يبقى مهما رغم ذلك”، واستدرك بأن هذا الدعم المرتبط بنتائج الانتخابات، أصواتا ومقاعد، لا يعبر حقيقة عن علاقة الأحزاب وتمثيليتها الحقيقية بالمجتمع.

بالنسبة للأستاذ الباحث سعيد شكاك فإن هدف الدعم العمومي يتمثل في تحصين الأحزاب السياسية من تلقي تمويلات مشبوهة، كالاتجار في المخدرات، خاصة تلك الأحزاب الضعيفة التي لا تستطيع تحمل تكاليف التسيير اليومي، منبها إلى أن التمويل الخارجي هو أخطر التمويلات المشبوهة نظرا لأثره على مبدأ السيادة.

لكن مع ذلك يظل توصل الأحزاب المغربية بتمويلات مشبوهة قادمة من الخارج أمرا صعبا، في ظل رقابة مؤسسة الدولة، يقول عبد الرحيم العلام، “لكن استفادة بعض الأحزاب السياسية من تمويلات داخلية مشبوهة، كتلك المتأتية من الأنشطة المجرمة مثل الاتجار في المخدرات وغيرها، تظل أمرا واردا”.

ويرى العلام أن التمويل العمومي “لا يمكن أن يحول دون استفادة الأحزاب السياسية من تمويلات مشبوهة”، فعلى الرغم من أن القوانين حاصرت استعمال هذا النوع من التمويل، لكن يمكن استعماله في “النوار”، ففي حملة انتخابية مثلا يمكن لمرشح، بعيدا عن أعين الرقابة، أن يمنح الأموال لأشخاص لاستمالتهم من أجل التصويت عليه، بحسب تعبيره.

وفي هذا الصدد، يشير عبد الحفيظ اليونسي إلى أن الأموال التي يتم ضخها في الحملات الانتخابية، حدد لها المشرع سقفا في انتخابات مجلس النواب، وسقفا في انتخابات الجماعات الترابية، والمؤسسة التي تراقب هذه الأموال أساسا هي وزارة الداخلية بأجهزتها المختلفة مراقبة قبلية ومواكبة، والمحاكم المالية في المراقبة البعدية.

واستدرك الأستاذ الجامعي بأن هذا السقف وهذه المراقبة لم تحدا من الاستعمال غير القانوني للأموال في مختلف مراحل العملية الانتخابية، و”هو استعمال قد يأخذ أبعادا جرمية من قبيل تبييض الأموال، خصوصا وأن تقارير رسمية ولمنظمات المجتمع المدني تشير إلى استعمال هذه الأموال في شراء الأصوات مثلا”.

لقد بات اليوم من الصعب على عدد من الأحزاب الاشتغال وإجراء أنشطتها الاعتيادية، من قبيل المؤتمرات الوطنية، دون الحصول على دعم عمومي من الدولة، وهو ما يستدعي تقييما شاملا لنجاعة هذا الدعم، وما مدى أثره على الحياة السياسية.

المصدر: العمق المغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *