كشف تقرير حديث لمؤسسة الوسيط عن الاختلالات التي تواجه القطاع الصحي بالمغرب، مسجلا ضعفا في حكامة الموارد البشرية وضعفا في التمويل، معتبرا أن “أزمـة الجائحـة لـم تكـن سـوى مـرآة عاكسـة لأَعطـاب متراكمـة فـي إدارة المنظومـة الصحيـة”.
وحسب التقرير المعنون بـ”حكامة القطاع الصحي بالمغرب.. تشخيصات مؤسساتية وتوصيات للإصلاح منطلقات للنقاش”، فـ”يظهـر تحليـل الوثائـق المؤسسـية ذات الصلـة بحكامـة قطـاع الصحـة فـي المغـرب التقائيـة واضحـة فـي تشـخيص الاختـلالات التـي تعتـري المـنظومـة، علـى الرغـم مـن اختـلاف زوايـا النظـر بيـن المؤسسـات المساهمـة فـي التقييـم، مبرزا أن” الإشـكالات البنيويـة ظلـت علـى امتـداد العقديـن الأخيريـن تتكـرر بتعابيـر مختلفـة، تعكـس اسـتمرارية الأَعطـاب الجوهريـة فـي التنظيـم، والتمويـل، وتدبيـر المـوارد، والشفافـية، والإنصـاف فـي الولوج إلـى الخدمـات”.
وسجلت مؤسسة “الوسيط” أن “جميـع التقاريـر فـي الإقـرار تلتقـي بـأن الحـق فـي الصحـة يظـل مشـروطاً بثقافـة مرفقيـة جديـدة تعيـد بنـاء الثقـة بيـن المواطـن والمؤسسـة الصحيـة، ولا ينبغـي اختزالـه فـي البنيـة التحتيـة أو فـي الميزانيـة”.
وأبرز أن “هـذه الثقافـة تقـوم علـى مبـادئ الكرامـة، والإنصـاف، والمسـؤولية المشـتركة، وتسـتلزم أن تتطـور الإدارة الصحيـة مـن منطـق تقديـم الخدمـة إلـى منطـق المواكبـة والحمايـة، وفـي هـذا المنظـور، تعـد الوسـاطة المؤسسـاتية أحـد المفاتيـح المركزيـة لإعـادة إنتـاج العلاقـة بيـن المواطـن والدولـة فـي مجـال الصحـة، عبـر الانتقـال مـن معالجـة المطالـب الفرديـة إلـى بنـاء آليـات للإصغاء والتصحيـح الممنهـج”.
وسجل “الوسيط” أن “حكامـة العـرض الصحـي مـا تـزال تواجـه تحديـات هيكليـة متشـابكة”، ملفتا أن “معطيـات تقريـر مؤسسـة الوسـيط لسـنة 2020 تظهـر أن أزمـة الجائحـة لـم تكـن سـوى مـرآة عاكسـة لأَعطـاب متراكمـة فـي إدارة المنظومـة الصحيـة، أبرزهـا ضعـف الانسـجام بيـن المتدخليـن وتـردي الثقـة المرفقيـة، ممـا يجعـل مـن إصـلاح الحوكمـة شـرطاً سـابقاً علـى أي تحسـين فـي العـرض أو التمويـل”.
وأشار إلى أن “النمـوذج التنظيمـي المركـزي الـذي اسـتقر لعقـود طويلـة لـم يعـد قـادرا علـى اسـتيعاب التوسـع الديمغـرافـي وتزايـد الطلـب علـى الرعايـة، كمـا أن التقسـيم الجهـوي لـم يترجـم بعـد إلـى توزيـع منصف للمـوارد البشـرية والماديـة”، مضيفا أن” أغلـب الهيئـات تؤكـد أن ضعـف التنسيـق بيـن المستويـات الترابيـة لإدارة الصحيـة يعـد أحـد أهـم مصـادر الهـدر وعـدم النجاعـة، إذ يفضـي إلـى تكـرار الإجراءات وتشـتت المسـؤوليات وغيـاب المسـاءلة الواضحـة”.
مـن جانـب آخـر، تجمـع الوثائـق، حسب التقرير ذاته،” علـى أن التمويـل الصحـي يمثـل الحلقـة الأَكثـر هشاشـة فـي منظومـة الحكامـة، سـواء مـن حيـث محدوديـة الغـلاف المـالي العمومـي المخصـص للقطـاع، أو مـن حيـث غيـاب آليـات تمويـل مرنـة تربـط الميزانيـة بـالأداء وجـودة الخدمـات.
وذكر “الوسيط” بتوصية المجلـس الاقتصـادي والاجتماعـي والبيئـي بإعـادة هيكلـة نظـام التمويـل عبـر نمـوذج مختلـط يجمـع بيـن التمويـل العمومـي، والمسـاهمات التضامنيـة، والتدبيـر التعاقـدي للمؤسسـات الصحيـة، مـع إرسـاء منظومـة دقيقـة للمراقبـة والمسـاءلة، وفق دراسة للمجلـس الاقتصـادي والاجتماعـي والبيئـي سنة 2013.
أمـا مؤسسـة الوسـيط فبينـت مـن خـلال تحليلهـا للتظلّمـات المتواتـرة أن التعقيـد المـالي والإداري يشـكل أحـد الحواجـز الرئيسـية أمـام اسـتفادة المواطنيـن مـن حقهـم فـي التعويـض والتغطيـة الصحيـة، ممـا يجعـل مـن تبسـيط المسـاطر وربط الآجـال بنظـام تتبـع إلكترونـي ضـرورة إصلاحيـة عاجلـة.
كمـا يكشـف تحليـل الشـكايات والتقاريـر الميدانيـة عـن ضعـف واضـح فـي الحكامـة البشـريـة للقطـاع، حيـث لا يقتصـر العجـز فـي الأطر الطبيـة وشـبه الطبيـة علـى الأَعـداد، وإنمـا يمتـد إلـى غيـاب تحفيـز فعلـي للمـوارد العاملـة فـي المناطـق الهشـة، وإلـى اختـلالات فـي توزيـع الكفـاءات بيـن المستويـات الجهويـة والمركزيـة.
كما رصـد المجلـس الوطنـي لحقـوق الإنسـان ارتبـاط هـذه الاختـلالات بانخفـاض جـودة الخدمات الأساسيـة، وبالتمييز الفعلـي في الولوج بين الحواضر والمناطـق القروية ممـا يطـرح سـؤال العدالـة المجاليـة باعتبارهـا أحـد أعمـدة الفعاليـة الحقوقيـة فـي الصحـة.
وتبـرز الوثائـق كذلـك، يضيف التقرير، أن نظـام المعلومـات الصحيـة مـا يـزال غيـر مهيـكل بمـا يكفـي لتغذيـة القـرار العمومـي بالمعطيـات الدقيقـة والمحينـة؛ بسـبب غيـاب الشفافـية فـي نشـر المؤشـرات، ونـدرة البيانـات المفتوحـة حـول الأَداء، اللذيـن يحـدان مـن إمكانـات التقييـم والمسـاءلة المجتمعيـة، مذكرا بأن المجلـس الاقتصـادي والاجتماعـي والبيئـي دعـا إلـى إرسـاء بوابـة وطنيـة للمؤشـرات الصحيـة تمكـن مـن تتبـع التطـور الترابـي فـي الولوج والجـودة، بينمـا اقترحـت مؤسسـة الوسـيط إدمـاج مؤشـرات زمنيـة فـي معالجـة الشـكايات الصحيـة كأداة موضوعيـة لتقييـم الأَداء الإداري.
المصدر: العمق المغربي
