وسط توقعات بإنتاج 103 آلاف طن.. “هزالة” محصول التمور تؤرق فلاحي الواحات
يمسح عبد الله رفقي، نخلة طولها قرابة سبعة أمتار بنظرة تنم عن خبرته الكبيرة في ميدان التمور، قبل أن يشرع في تسلقها بقدمين حافيتين، ممسكا بـ”المزبرة” وهي أداة حادة مقوسة، ومتسلحا بخبرة اكتسبها على مر السنين باعتباره واحد من سكان واحة أفوس بإقليم الرشيدية، يتسلل بمهارة فائقة بين الجريد، متفاديا الأشواك الحادة، ليصل إلى عراجين محملة بتمر هزيل نال منه الجفاف وتضرر بفعل التساقطات الأخيرة، قد لا يستحق كل هذا العناء.
واحة أوفوس
تستقبل واحة أوفوس زوارها بسجاد مزخرف من الظل رسمته أشعة شمس الضحى، وهي تمر من خلال جريد أشجار النخل المتشابك في السماء. فرغم توالي سنوات الجفاف، تصر الواحة على التشبث بالحياة، لكنها مع ذلك تتكبد خسائر في معركة شح المياه.
يحكي رفقي لجريدة “العمق” أن محصول التمور ظل يتراجع بشكل متواصل سنة بعد أخرى بفعل توالي سنوات الجفاف، قبل أن يستدرك بأن محصول هذه السنة لم ينل منه الجفاف فقط، بل إن التساقطات المطرية الأخيرة، على الرغم من أهميتها الكبيرة للمنطقة، أضرت بمحصول الفلاحين من التمور.
قبل أن يتسلق هذا الفلاح أشجار النخل، يفرش غطاءً بلاستيكيًا على الأرض ليجمع عليه المحصول. وعند وصوله إلى رأس الشجرة، يقطع العراجين بـ”المزبرة”. فإذا كان التمر رطبًا أنزله برفق بواسطة حبل كي لا يتضرر، أما إذا كان جافًا فيسقطه على الغطاء.
بعد ذلك، يتم إزالة التمر العالق في العراجين وجمعه في صناديق بلاستيكية. يأخذ عبد الله حفنة من المحصول ويتفحصها، قائلًا في حديث لـ”العمق” إن الأمطار التي تكون في أواخر الصيف والخريف لها أثر سلبي على محصول التمر، لكنه مع ذلك يحمد الله على الغيث.
يحكي هذا الفلاح، أن أشجار النخيل التي يمتلكها تدر عليه كل سنة قرابة 20 ألف درهم، على الرغم من وطأة الجفاف، أما هذه السنة فإنه لا يتوقع، في ظل تضرر المحصول بالأمطار الأخيرة التي عرفتها المنطقة، أكثر من 2500 درهم، ورغم ذلك فإن لسانه يلهج بحمد الله نظرا للأثر الإيجابي لهذه التساقطات على الواحة.
بعد جني التمر ووصوله للمنزل تبدأ عملية الفرز، بحيث يقوم الفلاحون بانتقاء حبات التمر الجيدة ووضعها في علب مخصصة قبل توجيهها للسوق، أما التمر الرديء فيتم طحنه مع التبن ويقدم كعلف للماشية، بحسب ما قال عبد الله.
أمطار الخريف
على بعد أكثر من 30 كيلومترا من واحة أفوس بالرشيدية، تعرض مجموعة من التعاونيات الفلاحية منتوجاتها من التمر في الملتقى الدولي للتمور بمدينة أرفود. تعاونيات من زاكورة والرشيدية وطاطا ومناطق مختلفة من المملكة، يشكو أغلبها من ضعف الإنتاج بسبب الجفاف وتضرر محصول هذه السنة بفعل الأمطار التي عرفتها مناطق الواحات قبل أسابيع.
https://www.youtube.com/watch?v=nZmiCNfX7A
يصف ممثل “تعاونية عكبت” بزاكورة، عبد العزيز أيت الطالب، إنتاج هذه السنة من التمر بـ”القليل”، وذلك يعود شح المياه والأمطار الأخيرة، “عدد من أشجار النخل لم تثمر، وحتى تلك التي أثمرت تضرر محصولها بفعل التساقطات المطرية الأخيرة”، خصوصا التمور من نوع “الجيهل”، و”الفقوس” و”النجدة” و”الساير الأحمر”.
باللهجة ذاتها، لهجة الشكوى من ضعف الإنتاج، تحدثت ممثلة تعاونية أفرا في طاطا، رقية حامة، مؤكدة أن الأمطار والفيضانات التي شهدها إقليم طاطا مؤخرًا أثرت سلبًا على المحصول، بل دمرت جزءًا كبيرًا منه. وأشارت إلى أن التمر الذي تم جنيه قبل الفيضانات أفلت من الدمار، بينما دُمرت جل المحاصيل.
“أما عبد الوهاب أمير، ممثل تعاونية عرصة النخيل بأرفود، فأوضح لـ”العمق” أن شح الإنتاج هذا العام وتضرر المحصول بفعل أمطار الخريف جعل تعاونيته عاجزة عن تلبية طلبات زبائنها، مما اضطرها إلى اللجوء إلى الضيعات العصرية لشراء التمر، حيث قال: “نشتري التمر من الضيعات في النخل، ونقوم بجنيه بأنفسنا”.
ضعف المحصول خلال هذه السنة ترجمته أيضا التوقعات الرسمية لحجم الإنتاج التي أعلن عنها وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، حيث توقع إنتاج 103 آلاف طن، مقارنة بـ133 ألف طن كمتوسط للإنتاج السنوي.
ورغم كل هذه الإكراهات، أصرت هذه التعاونيات وغيرها على المشاركة في نسخة هذا العام من ملتقى أرفود، حيث تعرض تمرًا من أنواع مختلفة، مثل: “بوستحمي”، و”المجهول”، و”الجيهل”، و”الفقوس”، و”الساير”، و”بوسكري”، و”ترزاوة”، و”بوسليخن”، و”عزيزة”، وغيرها. ناهيك عن منتجات مستخلصة من التمر، مثل دبس التمر، وبديل السكر، وعجينة التمر، وقهوة نواة التمر.
المصدر: العمق المغربي