اخبار المغرب

وزراء يلبسون جبة الفقيه ويحاضرون في رحاب المجلس العلمي حول وازعي السلطان والقرآن

نظم المجلس العلمي الأعلى، اليوم الأحد بالرباط، لقاء تواصليًا في إطار مبادرة “تسديد التبليغ” للاستماع إلى خبراء من مجالات متنوعة. وشارك في اللقاء إلى جانب خبراء في التنمية، عدد من المسؤولين الحكوميين البارزين، من بينهم الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان، مصطفى بايتاس، والوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، ووزير التجهيز والماء، نزار بركة.

وفي كلمته أمام الحضور، تناول الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، ظاهرة الغش باعتبارها إحدى المشكلات الكبرى التي تؤثر سلبًا على المجتمع المغربي. حيث أشار إلى أن الغش لا يقتصر على الأفراد الذين يحاولون التملص من واجباتهم تجاه الدولة، بل يشمل أيضًا بعض المسؤولين في الإدارات العمومية أو الجماعات المحلية الذين يسهمون في تعطيل عجلة التنمية عبر ممارسات غير قانونية. وأوضح لقجع أن هذه الممارسات، مثل التهرب الضريبي أو التلاعب في تقديم الخدمات، لها آثار اقتصادية واجتماعية خطيرة.

وشدد لقجع على أن هذه السلوكيات لا تقتصر فقط على البعد الأخلاقي أو القيمي، بل تتحمل كلفة مالية وتنموية كبيرة، تؤثر على المجتمع ككل. فالغش يقوض سياسات الدولة ويعطل المشاريع المبرمجة التي تهدف إلى تحسين الوضع المعيشي للمواطنين. إضافة إلى ذلك، فإن الغش يؤدي إلى تقويض مبدأ العدالة والمساواة بين المواطنين، حيث يصبح المجتمع مهددًا من الداخل بفعل هذه الظواهر التي تهدم ركائز الثقة بين الدولة والمواطنين، وفق تعبير لقجع.

وأكد الوزير على دور القانون في معالجة هذه الآفات، مشيرًا إلى أن المشرع وضع الإطار القانوني اللازم لمحاربة الغش، وهو ما يتم تطويره باستمرار من خلال تحسين المؤسسات التي تتعامل مع هذه القضايا. وفي هذا السياق، أكد لقجع أن التدخل الحكومي لا يكون دائمًا من خلال الإكراه، بل يتمثل أيضًا في زيادة المراقبة والتقويم، ما يساهم في تقليص هوامش الفساد ويضمن تطبيق القوانين بشكل صارم.

وفي نفس الإطار، تحدث لقجع عن وازع “السلطان” وضرورة تفعيل المراقبة المستمرة للمؤسسات العامة. وقد أوضح أن هذه المراقبة تهدف إلى تعزيز التوجيه والشفافية في جميع القطاعات، مشيرًا إلى أن مكافحة الغش يجب أن ترتكز على التقويم قبل الإكراه. كما أشار إلى ضرورة تفعيل مبدأ “الحقوق والواجبات” الذي يعتبر جوهر العدالة الاجتماعية، مؤكدًا أن تكريس هذه القيم من خلال البرامج الاجتماعية التي تنفذها الدولة تحت التوجيهات الملكية يساهم في ضمان العدالة والمساواة لجميع المواطنين.

ودعا لقجع العلماء إلى تعزيز وازع القرآن الكريم كمنظومة أخلاقية للتصدي للغش، مؤكدًا أن العلماء لهم دور حيوي في توجيه المواطنين نحو تطبيق القيم الأخلاقية السامية التي تضمن تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية.

من جانبه، استعرض الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان، الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس في كلمته أهمية وازع القرآن الكريم في بناء نموذج تنموي يتماشى مع القيم الإسلامية السمحة. وأوضح بايتاس أن الشريعة الإسلامية تعد المصدر الأساسي لهداية الأمة، حيث تشكل منظومة قيم شاملة تقدم رؤية متكاملة لتحقيق تنمية حقيقية ومتوازنة، تجمع بين الجوانب الروحية والمادية على حد سواء. وأشار إلى أن القرآن الكريم كدستور للمملكة يضمن التوازن بين الحقوق والواجبات، ويعزز المبادئ التي تقوم عليها التنمية المستدامة.

وأكد المسؤول الحكومي أن التنمية في مفهومها الشامل ليست مجرد تحسين المؤشرات الاقتصادية أو زيادة الناتج الوطني، بل هي مشروع حضاري إنساني يتطلب إطارًا قيميا وأخلاقيًا يتضمن بناء مجتمع متكامل يعتمد على موارد بشرية ومادية وتشريعية خاصة. كما أن التنمية يجب أن تركز على بناء الإنسان وتعزيز حقوقه وواجباته، وذلك من خلال تفعيل دور المؤسسات الوطنية والمواطنين على حد سواء.

ولفت بايتاس إلى حاجة التنمية لوازع القرآن، مشيرًا إلى أن هذا الموضوع يتجاوز إجابته الأبعاد النظرية ليعالج إشكالًا عمليًا عميقًا يرتبط بمدى قدرتنا على بناء نموذج تنموي يوازن بين متطلبات العصر وأصالة قيمنا الدينية والأخلاقية والاجتماعية والثقافية، ويضعنا أمام مسؤولية مشتركة لإعادة صياغة مفهوم التنمية في بلادنا استنادًا إلى أسس أخلاقية ومرتكزات قيمية مستمدة من تعاليم ديننا الحنيف.

وفي ختام كلمته، شدد مصطفى بايتاس على أن العلاقة بين القيم الدينية والتنمية كانت دائمًا محل اهتمام المفكرين والعلماء عبر العصور، حيث يلعب الدين دورًا مهمًا في تحقيق العدالة والاستقرار الاجتماعي. وأكد على ضرورة تعزيز القيم التي يحملها القرآن الكريم في بناء مجتمع عادل ومزدهر، وأن التنمية المستدامة يجب أن تتجاوز النمو المادي إلى بناء الإنسان والمجتمع من خلال تبني أسس إسلامية وأخلاقية.

أما وزير التجهيز والماء، نزار بركة، الذي اختار أن يتحدث أمام العلماء عن أزمة الماء في المغرب، فقد أشار إلى تأثر الواردات المائية في المغرب بشكل ملحوظ بسبب التغيرات المناخية، التي تسببت في ارتفاع درجات الحرارة خلال السنوات الأخيرة. وقال إن هذا التغير أدى إلى تراجع كبير في المعدل الفردي للماء من 2600 متر مكعب للفرد في سنة 1960 إلى 600 متر مكعب حاليًا، ومن المتوقع أن ينخفض هذا المعدل إلى 560 متر مكعب للفرد بحلول سنة 2030.

وبالإضافة إلى ما سبق، أوضح الوزير بركة أن المملكة تعاني من مشكلة تمركز الموارد المائية في الأحواض الشمالية الغربية، حيث تحتوي أحواض اللكوس وسبو على 51% من المياه، رغم أن هذه الأحواض لا تغطي سوى 7% من مساحة البلاد. مشيرًا إلى أن أهمية هذه المادة دفعت المملكة منذ ستينيات القرن الماضي إلى إطلاق سياسة مائية استباقية بدأت في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، تتمثل في بناء السدود الكبرى ومنشآت لتخزين المياه خلال فترات الوفرة، من أجل توفيرها في فترات الجفاف.

المصدر: العمق المغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *