ورقة بحثية تستعرض أبرز مقومات القوة الناعمة المغربية في القارة الإفريقية
تطمح المملكة المغربية لتأكيد مكانتها الإقليمية كقوة جيوسياسية وجيواستراتيجية في القارة الإفريقية، من خلال مجموعة من الجهود الرامية إلى تعزيز مواقفها على الساحة الإفريقية وتقوية أواصر التعاون والشراكة مع عدد من دول القارة السمراء، باستخدام أدوات القوة الناعمة لتحقيق هذه الأهداف على غرار الأدوات الاقتصادية والروحية والإنسانية والإعلامية، وغيرها من الأدوات.
في هذا الصدد، أشارت ورقة بحثية حديثة وردت ضمن العدد الأخير من “مجلة الدراسات الإفريقية وحوض النيل” تحت عنوان “القوة الناعمة المغربية في إفريقيا: تقييم واستشراف”، إلى أنه “عكس نهج الدول الغربية التي تتبنى سياسة متذبذبة تجاه الأفارقة، تعتمد الرباط في قوتها الناعمة على استراتيجيات دبلوماسية تقوم أساسا على التعاون فيما بين بلدان الجنوب في إطار سياسية رابحرابح”.
فعلى المستوى السياسي، أثبتت الدبلوماسية الوقائية المغربية فعاليتها في تسوية عدد من النزاعات والبحث عن حلول سلمية ودائمة للأزمات السياسية التي تعرفها القارة الإفريقية، كما تشارك الرباط بشكل منتظم في جهود حفظ السلام في المنطقة برعاية أممية.
أما اقتصاديا، أشار المصدر عينه إلى إبرام المغرب آلاف الاتفاقيات مع عدد من الدول الإفريقية، كما قام في بداية الألفية الثانية بإلغاء ديون بعض منها، ثم انضم سنة 2001 إلى “تجمع دول الساحل والصحراء”، قبل أن تصبح المملكة واحدة من أكبر الدول المستثمرة في إفريقيا، إذ تستحوذ منطقة غرب إفريقيا لوحدها على 55 في المائة من مجموع الاستثمارات المغربية في القارة، كما تستثمر الرباط في عدد من القطاعات على غرار قطاع البنوك والاتصالات والعقار والصناعات الكيماوية.
وفي إطار الدبلوماسية الاقتصادية المغربية في القارة السمراء، أوردت الوثيقة عينها أن “المبادلات التجارية بين المغرب وإفريقيا تطورت بنسبة 9,5 في المائة في المتوسط خلال الفترة ما بين 2000 و2019، لتصل بحلول هذه السنة الأخيرة إلى قرابة 40 مليار درهم، ما يمثل حوالي 7 في المائة من القيمة الإجمالية للتجارة الخارجية للمملكة”.
كما سلط المصدر ذاته الضوء على التأثير الديني والروحي للمغرب في إفريقيا، ذلك أن مؤسسات الزوايا سمحت للمملكة المغربية بنشر تعاليم المذهب المالكي السني، لتعلب دورا مهما في محاربة التطرف الديني في إطار التأطير الروحي والاجتماعي لمواطني القارة من المسلمين، أضف إلى ذلك الدور المهم لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في تدريب الأئمة.
وعلى مستوى الهجرة، عمل المغرب على بناء سياسية فعالة في هذا الإطار، توج على إثرها الملك محمد السادس قائدا للاتحاد الإفريقي في قضية الهجرة، كما تم تأسيس المرصد الإفريقي للهجرة بالرباط في العام 2020. بالتوازي مع ذلك، أجرى المغرب إصلاحات مؤسساتية عديدة في اتجاه تمكين المهاجرين الأفارقة من مجموعة من الحقوق، إذ أسفرت أول حملة لتسوية أوضاع المهاجرين غير الشرعيين عن تسوية وضع أكثر من 23 ألفا منهم في العام 2014، ثم 20 ألفا آخرين في العام 2017، كما تم تسجيل أكثر من 4200 لاجئ على الأراضي المغربية منذ العام 2016، معظمهم ينحدرون من دول إفريقيا جنوب الصحراء.
ثقافيا، وفي إطار ترسيخ القوة الناعمة المغربية وتعزيز جاذبية النموذج المغربي على المستوى الثقافي والعلمي، يحتضن المغرب آلاف الطلاب الأجانب الذين يتابعون دراساتهم في الجامعات والمعاهد المغربية، أكثر من 72 في المائة منهم ينحدرون من حوالي أربعين دولة إفريقية، كما تم إنشاء “معهد الدراسات الإفريقية” المتخصص في الدراسات والأبحاث المتعلقة بالقارة، إضافة إلى انضمام المملكة لعدد من المنظمات العلمية والتكنولوجية ذات الطابع القاري.
وفي الشق الإعلامي، تمول المملكة “الاتحاد الأطلسي لوكالات الأنباء الإفريقية”، التي تأسست في العام 2014، وكذلك المركز الإفريقي لتدريب الصحافيين، كما عملت المجموعات الإعلامية المغربية في السنوات الأخيرة على تأسيس فروع لها في الخارج، في إطار تعزيز دور الإعلام كواحد من أهم أدوات القوة الناعمة في العصر الحديث.
وخلص المصدر سالف الذكر إلى أن “المغرب يمكن أن يعزز وجوده في القارة الإفريقية، خاصة أنه ما زالت هناك مجموعة من الفرص التي يجب استكشافها من أجل تعزيز القوة الناعمة للرباط في هذه القارة، كما أن الآمال كبيرة في هذا الصدد، خاصة مع اتجاه الدول الإفريقية نحو إنشاء منطقة إفريقية للتبادل الحر”، موضحا أنه “رغم ذلك، ما تزال هناك عدد من العقبات أمام تطوير العلاقات المغربية الإفريقية، على رأسها التوتر مع الجزائر والأوضاع الراهنة في كل من السودان وليبيا، إضافة إلى تداعيات الحرب في أوكرانيا التي تضع مقومات القوة الناعمة للرباط أمام تحديات كبيرة”.
المصدر: هسبريس