ورقة بحثية ترصد تكيف العقيدة الأمنية المغربية حيال التهديدات والتحديات
سلطت ورقة بحثية حديثة وردت ضمن عدد شهر غشت من “مجلة القانون الدستوري والعلوم الإدارية” الصادرة عن المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية والاقتصادية بألمانيا، الضوء على العقيدة الأمنية المغربية وسياق إنتاج السياسات الأمنية في المملكة، معتبرة أن “البيئتين الإقليمية والوطنية للمغرب عرفتا تحولات كبيرة على مستوى التهديدات والتحديات المطروحة”.
وأشارت الوثيقة إلى أن “بعض التهديدات التقليدية حافظت على استمراريتها على غرار نزاع الصحراء، بالموازاة مع ذلك ازدادت حدة وخطورة بعض التهديدات الأمنية الجديدة كالإرهاب والهجرة غير النظامية والجريمة المنظمة، كما طفت إلى السطح تهديدات حديثة متطورة مرتبطة بالتطور التكنولوجي الكبير”، لافتة أيضا إلى التحولات الإقليمية ذات الطبيعة السياسية المرتبطة بالاضطرابات في تونس وليبيا، وذات الطبيعة الاقتصادية التي تتعلق بالانكماش الاقتصادي وارتفاع مستويات التضخم.
الورقة بينت أن “المغرب بدوره انخرط في هذه السيرورة كباقي الوحدات الدولية، عبر مسار التحولات التي شهدها عبر مختلف أشكال التهديدات والمخاطر التي يواجهها أمنه الوطني”، مؤكدة أن هذا المسار فرض تبني عقيدة أمنية تتناسب وكل مرحلة من مراحل تاريخ المملكة.
وفي استعراضها لأبرز مرتكزات العقيدة الأمنية المغربية التقليدية، أشارت الورقة البحثية ذاتها إلى “المرتكز التاريخي المتمثل في الأسس التاريخية للدولة المغربية، وفي طبيعة علاقاتها التاريخية مع محيطها وجيرانها”، وأيضا المرتكز الجغرافي الذي “ساهم إلى حد كبير في صنع العقيدة الأمنية المغربية، ذلك أن موقع المغرب الاستراتيجي في ملتقى بين أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط، يجعله عرضة للتهديدات العابرة للحدود، مما شكل دافعا لتكثيف تعاونه وشراكته مع مجموعة من الدول”.
كما أشارت إلى المرتكز الإيديولوجي المتمثل في تبني المغرب المبادئ الليبرالية، مما “ساهم في صياغة سياسات أمنية منسجمة ومنفتحة على الدول الغربية وجعل التعاون معها يتقوى بشكل كبير”، مسجلة أن “العقيدة الأمنية والعسكرية المغربية تؤطرها ثلاثة مبادئ أساسية هي الجوار والتضامن والشراكة”.
ولفتت إلى أنه “خلال المسار الذي قطعه المغرب منذ الاستقلال إلى الآن، عرفت بيئته الوطنية والإقليمية مجموعة من الأحداث والتحولات كانت لها مجموعة من التداعيات على أمنه القومي وأنتجت تهديدات ومخاطر متنوعة، تقليدية وأخرى جديدة، بالإضافة إلى تحديات حديثة متطورة لعل أبرزها التهديدات الأمنية القادمة من دول الساحل والمشاكل الأمنية المتعلقة بالحدود والتهديدات الإرهابية على المستوى الإقليمي، وغيرها من التهديدات والمخاطر التي أثرت على مقومات العقيدة الأمنية المغربية التقليدية لتفرض ضرورة التكيف مع مجموع هذه التهديدات والتحولات”.
وتابعت الورقة بأن هذه “التهديدات الجديدة تطلبت مقاربات جديدة هي الأخرى وحتمت ضرورة مراجعة العقيدة الأمنية بما يتماشى ويتناسب مع هذه المعطيات الجديدة”، موردة أن “الأحداث التي عرفتها مجموعة من دول شمال إفريقيا في إطار ما سمي [الربيع العربي]، كان لها امتداد لكل دول المنطقة ومنها المغرب، حاملة معها تهديدات وتحديات إضافية (مجابهة موجات الاحتجاجات والمطالب، التصدي للجماعات الإرهابية لتهريب وتسريب السلاح إلى الداخل…)، بشكل تطلب من الدولة تطوير عقيدتها الأمنية وأساليب وآليات عملها الأمني بتبني عقيدة ترتكز على المقاربة الوقائية”.
وأكدت الوثيقة ذاتها أن “الأجهزة الأمنية المغربية نحت في السنوات الأخيرة منحا يساير التحولات المجتمعية، إذ لم تبق حبيسة مهامها الأمنية الضيقة بل تعدت ذلك إلى مهام جديدة، سواء أمنية أو إنسانية أو تتعلق بالرعاية الاجتماعية والصحة والبيئة والكوارث الطبيعية وتكنولوجيا المعلومات وغيرها من المهام”، مشيرة إلى أن العقيدة الأمنية المغربية تتشبع بالشرعية الدولية في تعاطيها مع النزاعات والأزمات.
واعتبرت الورقة أن “الحكامة الأمنية أصبحت تشكل مرتكزا أساسيا في العقيدة الأمنية المغربية الجديدة على جميع مستويات تدبير السياسات العمومية الأمنية والتدبير الأمني على المستويين الداخلي والخارجي”، مشددة على أن “هذه العقيدة انتقلت من شكلها التقليدي إلى عقيدة أمنية جديدة، أي من عقيدة دفاعية إلى عقيدة استباقية، تتسم بطابع التكيف مع مجموعة التحولات والتغيرات الداخلية والخارجية”.
ومن مخرجات ذلك، ذكرت الورقة البحثية عينها “تبني استراتيجية أمنية شاملة متعددة الأبعاد، أهم ما يميزها هو عنصر الاستباقية لحماية وحدة المغرب الترابية والوطنية، كما تضم سياسات اجتماعية واقتصادية ودينية وأخرى أمنية ترتكز على تشخيص المخاطر والتهديدات”، مبرزة أن “العقيدة الأمنية المغربية لم تعرف تغيرا فقط على مستوى المقومات والركائز بالاعتماد على تصور ينبني على المقاربة الشمولية للظاهرة الأمنية، بل أيضا على مستوى فضاء تأثير هذه العقيدة في المتغير، هو تصدير مقوماتها إلى الخارج”.
المصدر: هسبريس