السبت 20 دجنبر 2025 02:00
قصة لحمة وطنية، كانت “المسيرة الخضراء” محطة من محطاتها المهمة قبل خمسين سنة، يحكيها معرض جديد افتتح بمدينة الريصاني خلال فعاليات الدورة 28 من “جامعة مولاي علي الشريف”، مقدما شهادة وثائق البيعات، والتعيينات، والعهود، والخطابات، والكتب، والواقع المصوّر والمسجل والمعزّز بالذكاء الصناعي، فضلا عن صدى المبادرة التاريخية لاستكمال الوحدة الترابية للمملكة في الإعلام المغربي والدولي، والسينما، والموسيقى، وصولا إلى الاعتراف الدولي بالطرح المغربي في سنة 2025 الراهنة بمجلس الأمن.

معرض “من المسيرة الخضراء إلى مسيرات النماء” تنظمه مديرية الوثائق الملكية، بتعاون مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل، ويفتتح بنماذج من وثائق وفيرة بالأرشيف المغربي والأجنبي، من بينها جواب السلطان محمد بن عبد الرحمان على رسالة القائد بريك الحبشي المتعلقة باجتماع قبائل الصحراء، عربا وأمازيغ، لمبايعته بعد وفاة السلطان عبد الرحمان بن هشام بتاريخ 3 أكتوبر 1859، ورسالة السلطان محمد بن عبد الله يوم 4 شتنبر من سنة 1777 إلى ملك فرنسا لويس السادس عشر بشأن سفن فرنسية جنحت بأقصى الساحل الصحراوي المغربي، وتوجيه السلطان رجالاته لتحرير الأسرى من رجالها، مراعاة لشروط المهادنة بين الدولتين. كما يعرض المعرض رسالة مؤرخة بـ 9 نونبر 1692 للسلطان المولى إسماعيل إلى خليفته الأمير المامون تحدد المجال الصحراوي الذي كان خاضعا للدولة العلوية، وحرصه على إشراك ابنه المامون في تدبير شؤون الصحراء وتأمين المسالك التجارية وتحصيل الجبايات، ويورد أيضا نصا يعود إلى تاريخ 28 يونيو 1786، هو اتفاقية جمعت المغرب والولايات المتحدة الأمريكية، يقول بندها العاشر: “أو حرثت سفينة في وادي نون أو غيره، فإن النصارى الذين بها في الأمان، حتى يصلون (يصلوا) بلادهم إن شاء الله”.

ويهتم المعرض أيضا بعلاقة الملوك الثلاثة بوحدة التراب المغربي، موردا خطاب الملك محمد الخامس في محاميد الغزلان بتاريخ 25 فبراير 1958، الذي قال فيه: “رعايانا الصحراويين الأوفياء، لقد كان من الأماني العزيزة علينا أن نزور هذا الجزء من الصحراء الغربية، ونجتمع بساكنيه لنشعرهم بما نوليهم وإياها من اهتمام، ولنحيي سنة حسنة جرى عليها ملوك المغرب من قديم، فقد كان من عاداتهم المألوفة أن يقوموا بزيارة الصحراء بين الحين والحين، متعرفين متفقدين، لامّين الشعب قاضين الحاجات، ناظرين في مصالح الرعية، ساعين فيما يعود عليها بالخير العميم، وإن آخرهم وصولا إليها جدنا المنعم مولاي الحسن، الذي بلغ إليها مرتين، ليؤكد وحدة المغرب وسيادة سلطته الشرعية على سائر أطرافه، عندما بدأت المطامع الأجنبية فيها تخرج الأعناق”، إلى أن يقول: “سنواصل العمل بكل ما في وسعنا لاسترجاع صحرائنا وكل ما هو ثابت لمملكتنا بحكم التاريخ ورغبات السكان، وهكذا نحافظ على الأمانة التي أخذنا أنفسنا بتأديتها كاملة غير ناقصة، ألا وهي ربط حاضرنا بماضينا، وتشييد صرح مستقبل مزدهر ينعم فيه جميع رعايانا بالسعادة والرفاهية والهناء”.

بهيجة سيمو، مديرة مديرية الوثائق الملكية مندوبة المعرض، قالت في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية إنه ينظم في سياق “الاحتفاء بالذكرى الخمسينية للمسيرة الخضراء، والذكرى السبعينية لحصول المغرب على الاستقلال، وأفراح المملكة بعد خبر اعتراف مجلس الأمن بمغربية الصحراء وخيار الحكم الذاتي”.
وأضافت المؤرخة أن معرض “من المسيرة الخضراء إلى مسيرات النماء” يبين في فضائه الأول المرتكزات التي ارتكز عليها الملك الحسن الثاني للمطالبة بالصحراء المغربية، ومنها “المرتكزات التاريخية التي تبينها وثائق نعرضها لممارسة السيادة المغربية في الأقاليم الصحراوية، من خلال ظهائر تعيينات القضاة والعمال والباشاوات وفض النزاعات بين القبائل، ومن خلال نصوص البيعات لأن البيعة أس من أهم أسس نظام الحكم في المغرب”.

وهكذا، تردف المؤرخة، بعد اكتمال الرؤية قدم الملك الحسن الثاني الملف إلى محكمة العدل الدولية، وحكمت بأن للمغرب روابط قانونية بالصحراء، فأعلن الملك الحسن الثاني عن المسيرة الخضراء، وكانت هذه الترتيبات دقيقة جدا من نقل ومأكل ومشرب إلى غير ذلك، وكانت المشاركة فعالة؛ استجاب لها الشبان والشابات، وشاركت المرأة والرجل، والأميرة، وكان لكل جانب من جوانب التنظيم رمزيته، ومنه عدد المتطوعين”.
كما يقدم المعرض “صدى المسيرة في الصحافة، والإبداع الفني، والسينمائي، والفكري”، ويعرض شقه الأخير “مسيرات النماء في عهد جلالة الملك محمد السادس، ومزاوجته بين العمل الدبلوماسي والعمل التنموي، والإصلاحات الجذرية على مستوى المملكة، مما استقطب الاعتراف الدولي، مع عودة المغرب إلى السياق الإفريقي”، وهو ما كانت نتيجته يوم 31 أكتوبر 2025 تصويت مجلس الأمن، الذي لم يكن فقط على مغربية الصحراء، بل تصويتا “على مغرب محمد السادس، وجديته وإصلاحاته، فأنهينا المعرض بالخطاب الملكي الذي يميز بين ما قبل تاريخ 31 أكتوبر، وما بعده”.
المصدر: هسبريس
