قال عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، إنه “بالرغم من أن قطاع البنوك التشاركية لا يمثل سوى 2 في المائة من مجموع أصول القطاع البنكي، فإن بنك المغرب، باعتباره السلطة الإشرافية على القطاع البنكي، انخرط، منذ 2015، بمعية باقي الفاعلين، في تأسيس بيئة ملائمة للمالية التشاركية إدراكا منه لأهميته وسعيا منه إلى تسريع استكمال تنزيل أركانه من أجل الاستجابة لتطلعات المجتمع المغربي”.
وحاز المجلس العلمي الأعلى تنويه الجواهري نظيرَ “التعبئة الشاملة والانخراط الكلي لكافة المتدخلين في المنظومة الوطنية على المجهودات الحثيثة التي أسفرت إرساءَ إطار مؤسساتي وقانوني وتنظيمي وجبائي خاص بالمالية التشاركية وفق خارطة طريق محكَمة”. وقال: “بِفضل هذه التعبئة، ها نحن اليوم أمام منظومة ظاهرة المعالم نسعى إلى استكمالها مع ما يستوجب ذلك من همة واستثمار والنهل من تجارب الدول الرائدة التي سَبقتنا”.
وأكد والي البنك المركزي، الذي كان يتحدث الخميس خلال افتتاح أشغال المنتدى الـ23 للاستقرار المالي الإسلامي المنعقد بالرباط لمعالجة موضوع “تعزيز الاستقرار.. تقوية متانة القطاع المالي الإسلامي ومعالجة نقاط الضعف الهيكلية”، أن “نظام التمويل الإسلامي يحتل مكانة مرموقة وأصبح مترابطا ومندمجا بشكل ملحوظ في المنظومة المالية الدولية؛ ما يستوجب علينا الاستمرار على هذا النهج، بفضل “مجلس الخدمات المالية الإسلامية” الذي استطاع أن يتعامل بشكل ناجع مع العديد من التحديات، بغض النظر عن أسبابها، سواء كانت سياسية أم مناخية أم مالية بحتة أو تأخذ شكل كوارث طبيعية أو جوائح”.
ولفت المسؤول المالي المغربي إلى أن “مجلس يسف” “كان دائما يرصد الحالات من أجل اقتراح وتبني الإجراءات وتحيين المعايير أو إصدار معايير جديدة، بفضل التزام أعضائه؛ وبالتالي يتوجب علينا الاستمرار في هذا الاتجاه”.
“تحصين الصناعة المالية الإسلامية”
في كلمته الطويلة، أبرز الجواهري أهمية تجربة المملكة المغربية “التي اعتمدت مركزية الفتوى لتحصين الصناعة المالية الإسلامية من مخاطر السمعة وتضارب الآراء؛ من خلال الرجوع إلى المجلس العلمي الأعلى كهيئة تختص وحدها دون غيرها بإصدار الفتاوى ذات الطابع العام. وقد تُرجم ذلك على أرض الواقع من خلال التأشير على التنظيمات المتعلقة بالمالية الإسلامية والعقود النمطية للمنتجات لتحقيق المطابقة الشرعية”.
وأضاف والي البنك المركزي: “نظرا لكون ترصيد المكتسبات يختلف باختلاف خصوصية كل دولة في التعامل مع هذه الصناعة المالية الاسلامية بالنظر إلى ثوابتها لمواجهة التحديات الهيكلية، فإن مجلس الخدمات المالية الإسلامية تبنى معايير مبنية على المبادئ “based principle” والتي تقوم كل جهة من الجهات الإشرافية لكل بلد بتطبيقها مع مراعاة خصوصية كل نشاط وحجمه وطبيعته ودرجة تعقيده”.
وزاد المتحدث عينه مستحضرا دورا فعالا للمجلس المذكور عبر “توحيد المعايير وتعزيز التعاون والتشاور بين السلطات الإشرافية على القطاع المالي؛ مما يجعل هذا التعاون أمرا أساسيا ونقطة قوة لنجاعة الآليات المتوفرة وحسن استعمالها”.
وانتهز والي بنك المغرب الفرصة لـ”تثمين عمل هذه المنظمة والإقرار بالإنجازات الملموسة التي حققتها منذ نشأتها في سنة 2003، حيث تسعى إلى تكريسها وترصيدها في إطار مراجعة إطارها التنظيمي لملاءمة أدوارها الجديدة مع التحديات الراهنة من خلال تقوية قدرات المؤسسات المنضوية في إطارها ودعمها تقنيا، وخير دليل على ذلك هو المواكبة التي قدمَتْها لبنك المغرب طوال السنوات الماضية”.
أربعةُ تحديات
فضلا عن “مسألة المطابقة الشرعية كتحدّ أولي”، فهي، حسب المتحدث، “منطلق أساسي في نموذج الأعمال فهي ليست فقط مسألة تعزيز لمتانة القطاع المالي؛ بل هي أيضا ضرورة من أجل استمرارية المالية الإسلامية في الوجود ونقطة حاسمة لتحقيق هدفِ توحيد الممارسات”، أكد الجواهري أمام الحاضرين معتبرا أن “ثاني تحدّ هيكلي هو “تدبير السيولة”؛ فـ”الأدوات والأصول السائلة المتاحة محدودة بسبب التحديات المرتبطة بندرتها، وقابلية تداولها، أو نضج السوق الثانوية، وضُعف المعاملات عبر الحدود”.
و”إدراكا منها لهذه التحديات”، فإن السلطات الإشرافية تأخذ على محمل الجد الإكراهات المرتبطة بمتطلبات السيولة. ولهذه الغاية، وضعت أحكاما انتقالية لتواكب البنوك من خلال ضوابط وقواعد السيولة؛ غير أنه، مع مرور الوقت، فقد ازدادت الأمور تعقيدا في هذا الشأن، بالنظر إلى تشديد شروط السياسات النقدية وارتفاع التضخم في بعض البلدان؛ وهو الأمر الذي يدعونا إلى العمل على توفير المزيد من أدوات السيولة (وخاصة الصكوك)”، أورد والي البنك المركزي المغربي.
“تمويل أخضر إسلامي”
في السياق ذاته، يبرز “التمويل المستدام” كتحدٍّ ثالث “بإمكانه أن يسهم في توطيد هوية التمويل الإسلامي ومتانته إذ ما تم استلهام المبادئ التي يقوم عليها التمويل الإسلامي. فبالرجوع إلى سنة 2014 والتي تعتبر نقطة تحول من حيث التعبئة العالمية من أجل أهداف التنمية المستدامة، وكذا التخفيف من آثار المناخ، نلاحظ أنه بالنسبة لتمويل أهداف التنمية المستدامة، فإن فجوة التمويل تبلغ حوالي 2.5 تريليون دولار أمريكي للحد من هذه الآثار المناخية. ومن هنا، فإن التمويل الإسلامي سيساهم في تقليص فجوة حاجيات التمويل المرتبط بالاستدامة”.
وشدد على أنه “يمكن للتمويل الإسلامي أن يستفيد من التوجهات العالمية في التمويل الإسلامي الأخضر. كما يمكن أن يجلب لنا الربط بين التمويل الأخضر والإسلامي أفضل الممارسات العالمية التي ستحقق تطوير تمويل أخضر إسلامي”.
أما التحدي الرابع، فهو “المخاطر المرتبطة بالرقمنة”؛ مردفا بشرحه: “مع كل الابتكارات التقنية التي نراها في السوق المالي، يمكننا أن نؤكد أن التمويل الإسلامي يجب أن يعزز من استعمال الحلول التكنولوجية المالية من أجل تعزيز عرضه، رغم أن الأرقام تشير عموما إلى تزايد رقمنة التمويل الإسلامي بنسبة 44 في المائة كما جاء في تقرير الاستقرار المالي لمجلس الخدمات المالية لـ2025.
هذا الأمر يتطلب، حسب المسؤول المالي الأول، “مواكبة في الإشراف ودرجة أكبر من اليقظة الرقابية للتصدي والتخفيف من المخاطر الجديدة والناشئة؛ ومِن الضروري تعزيز الإشراف الرقابي، وتعزيز منظومة الحكامة، وتشجيع الرقابة الاستباقية؛ بما في ذلك تحديد ومراقبة المخاطر الخاصة بالمؤسسات المالية الإسلامية”، بتعبيره.
وعدّ والي بنك المغرب المنتدى “فضاء حيويا لمناقشة الآفاق الواعدة التي ينطوي عليها القطاع المالي الإسلامي، خاصة في ظل النمو المتسارع الذي يشهده، والذي بلغ نسبة 14.9 في المائة خلال سنة 2024، وفقا لأحدث تقرير لمجلس الخدمات المالية الإسلامية”.
كما وضع انعقاده في “سياق مرحلة مفصلية تتسم بالتطور التكنولوجي المتسارع، والتحول الرقمي، وتزايد تحديات الاستدامة، علاوة على التحديات الهيكلية والظرفية التي يواجهها القطاع، خاصا بالذكر “انعدام اليقين” الذي يتسِم به الوضع العالمي نتيجة عدم استقرار الأوضاع بالشرق الأوسط وتداعيات الحرب بين إسرائيل وإيران، والحرب الروسية الأوكرانية، والحروب التجارية”.
وزاد موضحا أن “منطقة الشرق الأوسط تتوفر على حصة مهمة من الأصول المالية الإسلامية المتداولة على المستوى العالمي؛ وبالتالي فإن كل تطور سلبي أو إيجابي في هذه المنطقة سيكون له بدون شك انعكاس بشكل مباشر على قطاع الصناعة المالية الإسلامية”.
المصدر: هسبريس