واحات طاطا في مرمى نيران الصيف وسط دعوات عاجلة لإجراءات استباقية

لم يمض أسبوع على الحريق الذي نشب في واحة فم الحصن، حتى اشتعلت النيران مجددا في واحة تسكيلت بقيادة أديس التابعة لإقليم طاطا، مخلفة خسائر مادية جسيمة في اشجار النخيل وممتلكات الفلاحين، وسط تخوفات من استفحال الظاهرة وتكرارها سنويا دون حلول ناجعة.
وفي الوقت الذي تُعد فيه هذه الحرائق تهديدا مباشرا للمنظومة البيئية الفريدة للواحات، فإنها تقوض آمال الساكنة المحلية التي تعتمد بشكل اساسي على الفلاحة ومردود التمور.
ويطالب نشطاء مدنيون ومهتمون بضرورة تدخل الجهات الوصية بشكل عاجل، من خلال تجهيز الواحات بالبنية التحتية الضرورية للوقاية والتدخل السريع، وتعويض المتضررين، بالإضافة إلى دعم البرامج التنموية لحماية ما تبقى من هذا التراث الطبيعي والاقتصادي.
وفي هذا السياق، قال مبارك أوتشرفت، رئيس منتدى إفوس للتنمية والديمقراطية وحقوق الإنسان بإقليم طاطا، إن حرائق الواحات تقع بين الفينة والأخرى منذ القدم، وتختلف باختلاف ظروفها وأسبابها، مشيرا إلى أن تكرارها سنويا، خصوصا في فصل الربيع، حيث يكون الجو معتدلا نسبيا، لا يمكن اعتباره أمرا طبيعيا، مؤكدا أن “معظم الحرائق بالواحات تنتج عن سلوكات وممارسات بشرية، إما عمدا أو عن غير قصد، كالإهمال أو غيره”.
وأوضح أوتشرفت، في تصريح لجريدة “العمق”، أن “حرائق الواحات تستدعي دق ناقوس الخطر للتصدي للأسباب المباشرة وغير المباشرة، لضمان استدامة الواحات والحفاظ على مكوناتها الطبيعية والمادية”، مشددا على أن “هذه الحرائق تخلف أضرارا كبيرة، سواء مادية أو بشرية، وتؤدي إلى فقدان محاصيل زراعية معيشية تُعد مصدر رزق للساكنة المحلية، وتسبب أضرارا نفسية واجتماعية لا يدركها إلا من يعيش هناك”.
وأضاف رئيس المنتدى أن المنتدى عمل على صياغة مذكرة ترافعية بخصوص الواحات، وتم عقد العديد من اللقاءات والاجتماعات والتكوينات والحملات التحسيسية مع الساكنة والجمعيات المحلية، ونقل احتجاجات الساكنة عبر منابر الصحافة والإعلام، أملا في أن تتفاعل الحكومة مع أصوات المغرب المنسي، وتدرك أن زمن النسيان قد ولى، وأن تنمية الدول ونجاح الحكومات أصبحت تُقاس بمدى قدرتها على تحسين دخل الفرد ومحيطه أينما كان.
وأكد المتحدث ذاته أنه “في ظل غياب الدعم للساكنة التي تقاوم التغيرات المناخية وتأثيراتها، يطرح سؤال حول مستقبل التنمية والعدالة الاجتماعية بهذه المناطق الحدودية الصامدة عبر التاريخ، التي تواجه ظروفا اجتماعية صعبة وتكافح بوسائل بسيطة وبدائية”.
وتابع أوتشرفت أن “الدولة تدرك أهمية هذه المناطق من الناحية الجيوستراتيجية، لكن من حيث التنمية المستدامة، لا تزال المؤشرات تؤكد تهميشها لعقود من برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في وقت تُسائل فيه هذه الوضعية السياسات العمومية المتعلقة بالبيئة والمناخ على المستوى الترابي، ومدى قدرتها على تحقيق الإنصاف والاستقرار للشباب الذي اختار الهجرة بعد أن سئم من وعود التشغيل والرفاه الاجتماعي”.
وأشار الفاعل الحقوقي إلى أن “رسائلهم كانت دائما واضحة وشفافة لكل المتدخلين والفاعلين، ومن أبرزها ضرورة إنصاف مناطق الواحات لضمان الاستقرار والاستدامة، وجبر الضرر الجماعي والفردي، من خلال ضخ استثمارات عمومية قادرة على ضمان شروط العيش الكريم، وتوفير فرص شغل لائقة، وخلق أقطاب اقتصادية متكاملة بالجهة”.
وفي السياق ذاته، طالب المصدر نفسه السلطات العمومية بـ”جعل إقليم طاطا قطبا للواحات، يتوفر على كل مستلزمات إنعاش السياحة، والطاقات المتجددة، والخدمات، ومراكز التكوين متعددة التخصصات، وغيرها من البنيات التحتية، مع الإسراع بفتح مطار بوعجاج ضواحي تيكان طاطا في وجه الملاحة الجوية الداخلية، وتثمين المنتوجات المحلية والأنشطة المرتبطة بها”.
من جهته، قال محمد لمريس، ناشط مدني بإقليم طاطا، إن “الحرائق أصبحت ظاهرة موسمية معتادة، إذ لا يمر صيف دون احتراق واحة أو أكثر، وهو ما يشكل تهديدا حقيقيا للغطاء النباتي، خصوصا اشجار النخيل التي تعيش لعشرات السنين”.
وأوضح لمريس، في تصريح لـ”العمق”، أن “الحريق الذي شب مؤخرا بواحة فم الحصن التهم عددا كبيرا من اشجار النخيل، بعضها يتجاوز عمره 100 سنة، مما تسبب في فقدان جزء من الموروث البيئي والتاريخي للمنطقة”، مشيرا إلى أن “تدخل السكان، خصوصا الشباب، كان حاسما في الحد من الخسائر، إلى جانب تدخل الوقاية المدنية رغم ضعف الإمكانيات اللوجستيكية”.
وأضاف أن “درجات الحرارة تعرف ارتفاعا غير مسبوق في السنوات الأخيرة، مما يزيد من احتمال اندلاع الحرائق، خاصة في ظل كثرة الأعشاش اليابسة داخل الواحات”، لافتا إلى أن “بعض الآراء ترجح أن يكون للعنصر البشري دور رئيسي في نشوب هذه الحرائق، رغم أن التغيرات المناخية تبقى السبب الأبرز”.
وأشار لمريس إلى أن “الحرائق أتلفت آلاف الأشجار، وهو ما أثر سلبا على القطاع الفلاحي الذي يُعد مصدر العيش الأساسي لعدد كبير من الفلاحين الصغار، ممن يعولون على بيع التمور كل موسم لتغطية حاجياتهم المعيشية، كما أن هذه الكوارث المتكررة تهدد جاذبية المنطقة السياحية، وتفقد الواحات طابعها الجمالي والبيئي الفريد”.
ودعا المتحدث ذاته السلطات المعنية إلى “ضرورة اعتماد مقاربة استباقية، تشمل تعويض المتضررين ماديا، وتهيئة المسالك داخل الواحات لتسهيل تدخل الوقاية المدنية، وبناء خزانات مياه (مطفيات) تُملأ صيفا تحسبا للحرائق، إضافة إلى إعادة تأهيل الواحات المتضررة، مع تدخل وكالة تنمية مناطق الواحات وشجر الأركان من أجل إطلاق برامج فلاحية وتنموية تعيد الاعتبار للواحات اقتصاديا وسياحيا”.
المصدر: العمق المغربي