اعتبرت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها أن الفجوة القائمة بين النصوص القانونية والواقع العملي المعاش من طرف المواطنين، تُظهر أن منظومة مكافحة الفساد في المغرب ما تزال بعيدة عن تحقيق الأهداف المرجوة منها.

جاء ذلك في كلمة أحمد العمومري، الأمين العام للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، أمس الأربعاء بالرباط، خلال مناقشة الميزانية الفرعية للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، بمجلس النواب.

وأوضحت العمومري أن النصوص القانونية الحالية، رغم ما تعرفه من تطور كمي وإشادة دولية، ما تزال تواجه تحديات في التنزيل والتفعيل الميداني، بما يُضعف أثرها في محاصرة الفساد وتعزيز النزاهة والثقة في المرفق العام.

وقال في هذا الصدد: “ابتهاجنا بما يمكن أن يكون صورة إيجابية لبلادنا من منظور منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية حول مؤشرات النزاهة في القطاع العام،، وغيرها من المنظمات الدولية التي تتابع تفاعلات الفساد عبر العالم، لا يجب أن يحجب عنا واقعا يؤكد أن ما تحقق في هذا الإطار لا يوازيه تحسن نوعي في الأداء الإداري، وفي الثقة العامة بالمؤسسات”.

وشدد المتحدث أن تحسن الأداء الإداري والثقة العامة بالمؤسسات “عنصران مهمان جدا، لأنهما يعكسان رضى أو عدم رضى المواطنين على أداء المؤسسات العمومية وعلى الخدمات التي تُقدَّمُ إليهم، وعلى سعي بلادنا إلى تحقيق التنمية التي ننشدها جميعا”.

ويرى المتحدث أن هذه الفجوة بين النصوص والأطر المؤسساتية والواقع المعاش من طرف المواطنين، تُظهر أن تفعيلها لم يحقق الهدف المسطر لها، معتبرا أن “التحدي اليوم لم يعد في سن القوانين ولا في صياغة الاستراتيجيات، بل في ضمان فعاليتها العملية على أرض الواقع، وقدرتها على التأثير في سلوك المؤسسات والإدارات، وفي تملك مضامينها داخل المنظومة الإدارية العمومية. وقبل هذا وذاك في تلمس المواطن لآثارها”.

وأوضح العمومري أن “محاربة الفساد قضية جميع الفاعلين في إطار من التكامل والتفاعل بين أدوار كل واحد منهم، إذ لا يمكن لأي فرد أو مؤسسة مهما كان موقعه أن ينهض بهذه المهمة بشكل منفرد”، مستحضرا خطاب الملك الذي نص على أن “مُحَارَبَةُ الفَسَادِ هِيَ قَضِيَّةُ الدَّوْلَةِ وَالمُجْتَمَعِ: الدَّوْلَةُ بِمُؤَسَّسَاتِهَا، مِنْ خِلَالِ تَفْعِيلِ الآلِيَّاتِ القَانُونِيَّةِ لِمُحَارَبَةِ هَذِهِ الظَّاهِرَةِ الخَطِيرَةِ، وَتَجْرِيمِ كُلِّ مَظَاهِرِهَا، وَالضَّرْبِ بِقُوَّةٍ عَلَى أَيْدِي المُفْسِدِينَ. وَالمُجْتَمَعُ بِكُلِّ مُكَوِّنَاتِهِ، مِنْ خِلَالِ رَفْضِهَا، وَفَضْحِ مُمارِسِيهَا، وَالتَّرْبِيَةِ عَلَى الِابْتِعَادِ عَنْهَا”.

وأضاف المتحدث أن الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها تمثل الإطار المؤسساتي الوطني الذي أناط به الدستور مهام المبادرة والتنسيق والإشراف وضمان تتبع تنفيذ سياسات محاربة الفساد، وتلقي ونشر المعلومات في هذا المجال، والمساهمة في تخليق الحياة العامة، وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة، وثقافة المرفق العام، وقيم المواطنة المسؤولة.

واستعرض المسؤول ذاته الخطوات التي قامت بها المملكة فيما يخص مكافحة الفساد، خاصة التوقيع والمصادقة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وإحداث الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها بمقتضى دستور 2011، إلى جانب الجهود التي تُبذل على المستويات القطاعية والترابية، وهو ما جعل منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية حول مؤشرات النزاهة في القطاع العام، تعتبر أن المغرب حقق نتائج مهمة في تثبيت الإطار المؤسسي والتشريعي لمكافحة الفساد.

وأشار إلى أن “التقارير السنوية التي تصدرها الهيئة تشكل مرآة نقدية تقويمية للواقع بتضمنها لتشخيص وتقييم موضوعيّين متجددين قائمين على الوقائع والدراسات الميدانية، ونتائج المؤشرات الدولية المعنية بقياس الفساد بالإضافة إلى متابعة تطور القضايا المعروضة على القضاء ودراسة التبليغات والشكايات التي تتلقاها أو التي تَرِدُ ضمن تقارير المؤسسات التي لديها قنواتٌ للتبليغ عن الفساد”.

ولفت إلى اشتغال الهيئة على تقارير تشكل حول تنازع المصالح، والإثراء غير المشروع، وتعزيز الإطار القانوني المتعلق بمنظومة التصريح الإجباري بالممتلكات، والحق في الحصول على المعلومات، وحماية المبلغين، بالإضافة إلى رأيها بخصوص التعديلات التي همت قانون المسطرة الجنائية، وتقييمها للاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد 20152025، والذي ستعلن عنه في الأسابيع المقبلة.

وسجل العمومري أن الهيئة وقفت على النواقص التي لم تسمح بتحقيق أهداف الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، سواء تعلقت بهيكلة الاستراتيجية وبرامجها وأولوياتها، أو بحكامتها التي لم تعكس انخراطا جماعيا تاما في تحديد الأولويات وتنفيذ البرامج، أو باللجنة الوطنية لمكافحة الفساد التي لم تجتمع سوى مرتين منذ 2017، حسب قوله.

وعبر المتحدث عن التزام الهيئة بمواصلة مبادراتها في إطار ما يضمنه لها القانون 46.19 من مهام واختصاصات بالروح الموضوعية ذاتها التي ميزت عملها، مشيرا إلى قرب الانتهاء من إعداد استراتيجية جديدة لعمل الهيئة خلال الخمس سنوات المقبلة، وذلك لمحاصرة الفساد وتفاعلاته في تكامل مع الفاعلين المعنيين بهذا الورش الوطني، كاشفا أن الاستراتيجية ستتضمن عدة مداخل تجمع بين الوقاية والتوعية والمساهمة في محاربة الفساد بما يجسد المقاربة الشمولية التي تتبناها الهيئة.

وأوضح أن استراتيجية عمل الهيئة التي سيتم إطلاقها قريبا، تتضمن إعطاء الانطلاقة لتفعيل بُعد المكافحة الذي يسهر جهاز المأمورين (المحققين) على النهوض به، وذلك على إثر نشر النظام الداخلي للهيئة ب الرسمية بعد تدقيق المقتضيات التي تكرس التكامل المؤسساتي بين الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها وأجهزة إنفاذ القانون.

وخلص المتحدث إلى “هذا التكامل سيتعزز أكثر من خلال الاتفاقية التي تم إبرامها مع قطب المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، والاتفاقيات التي سيتم إبرامها مع أجهزة ومؤسسات أخرى بما يدعم تفعيل عمل الهيئة في مجال التحري والتحقيق”.

* الصورة من الأرشيف

المصدر: العمق المغربي

شاركها.