اخبار المغرب

“همجية نتنياهو” تحرج ألمانيا .. برلين تستضيف صحافيين عرب لشرح موقفها من إسرائيل

عندما صرّحت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، بأن أمن إسرائيل ووجودها يمثلان “مصلحة وطنية” لألمانيا، وهو ما كرره أيضا خليفتها أولاف شولتس، لم يكن الأمر مجرد تعبير سياسي عابر أو مجاملة دبلوماسية، بل كان انعكاسا لواقع تاريخي وجيوسياسي عميق، يشكل أساس السياسة الخارجية الألمانية تجاه إسرائيل والصراع في الشرق الأوسط.

ويتجلى الارتباط الوثيق بين ألمانيا وإسرائيل أيضا في مقولة مأثورة متداولة في الأوساط السياسية الألمانية: “أمن إسرائيل سبب لوجود ألمانيا”، حيث تعكس هذه المقولة التزام ألمانيا العميق بأمن إسرائيل كجزء من مسؤوليتها التاريخية، والأخلاقية تجاه اليهود وما يسمى بـ”محرقة الهولوكوست”.

في لقاءات مع مسؤولين ألمان، حضرتها جريدة “العمق”، ناقش صحافيون من 17 دولة عربية مواقف ألمانيا تجاه الصراع في الشرق الأوسط، وذلك في ظل الانتقادات الواسعة الموجهة لألمانيا بسبب دعمها المطلق لإسرائيل في حربها على قطاع غزة، التي أسفرت حتى الآن عن سقوط أكثر من 40 ألف شهيد فلسطيني وآلاف الجرحى.

وكشفت هذه اللقاءات عن حجم التوافق الداخلي في ألمانيا بشأن هذا الموضوع الحساس، وبدا واضحا مدى ارتباط المواقف الألمانية الراهنة بمسؤولياتها التاريخية والسياسية تجاه الصراع في الشرق الأوسط، فضلا عن ملازمة “التاريخ الأسود للهولوكوست”، للمخيال الشعبي الألماني ورغبة التخلص منه عبر دعم الدولة اليهودية وحقها في الوجود، كما يؤكد ذلك الكثير من الفعاليات الألمانية.

في هذا الإطار، لا ينكر الدبلوماسيون الألمان خلال لقاء داخل مقر وزارة الخارجية الألمانية، أن مواقفهم الداعمة لإسرائيل بعد السابع من أكتوبر جرت على ألمانيا انتقادات واسعة من الشعوب العربية، غير أنهم يعتبرون أن هناك “سوء فهم” لطبيعة موقف ألمانيا وسياستها، أو أن مواقفهم نُقلت “بشكل غير سليم” على حد تعبيرهم.

وأوضح هؤلاء الدبلوماسيون، في ردهم على أسئلة الصحافيين، أن ما تقوم به إسرائيل في قطاع غزة “لم يكن مثاليا”، لكنهم يشددون على أن إسرائيل كدولة يهودية وُجدت لحماية اليهود في العالم، وأنه إذا كانت إسرائيل غير قادرة على الدفاع عن نفسها، فلا داعي لوجودها، في إشارة إلى موقف ألمانيا المؤكد على أهمية وجود إسرائيل كضمانة لحماية الشعب اليهودي.

وبدا الدبلوماسيون الألمان محرجين مما تقترفه آلة القتل الإسرائيلية في قطاع غزة، حيث لم يُخفوا شعورهم بالقلق إزاء التصعيد المستمر، مشيرين إلى أن هناك العديد من الأصوات داخل إسرائيل وخلف الكواليس تؤكد بوضوح أن الوضع الحالي لا يمكن أن يستمر على هذا النحو.

وفي هذا السياق، أوضح هؤلاء أن تغيير السياسة الألمانية في التواصل مع إسرائيل فرضته ضرورة الالتزام بالقانون الدولي كمرجعية أساسية، ما يعكس توجها أكثر توازنا يسعى للحفاظ على المصالح الألمانية مع احترام القوانين والحقوق الإنسانية في المنطقة.

من جهتها، أكدت مسؤولة رفيعة المستوى في الوزارة أن بلادها تبذل جهودا كبيرة لتحقيق حل الدولتين، مشيرة إلى أن ما يحدث من قصف للمدارس والمخيمات والمؤسسات في قطاع غزة “يصعب تحمله”، وهذا ينطبق أيضا على الوضع في إسرائيل، موضحة أن ألمانيا تدعم وكالة “الأونروا”، حيث شاركت في تطعيم الأطفال ضد الأمراض، وقدمت 20 مليون يورو إضافية من المساعدات لسكان غزة، تشمل الغذاء والأدوية وتوفير أماكن الإيواء.

من جانب آخر، يؤكد هؤلاء أن اعتراف ألمانيا بدولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة “أمر مفيد”، وقد يبعث السرور في “رام الله” ولكنه لن يؤدي إلى تغيرات جذرية على حد تعبيرهم، مشددين على أن الاعتراف يحتاج أولًا إلى تفاوض بين الطرفين من أجل تحديد الحدود، وهذه مسألة استراتيجية على حسب قولهم.

يؤكد الدبلوماسيون الألمان أن التعاون الإقليمي والتنمية المشتركة هما السبيل الوحيد لتجاوز الأزمة الراهنة، وأن السلام الدائم لن يتحقق إلا من خلال الاعتراف بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم إلى جانب إسرائيل، بما يضمن الأمن والاستقرار لكلا الشعبين، مشددون على أن أمن إسرائيل مهم بالنسبة لألمانيا، وأن تحقيق السلام لا يمكن إلا مع جميع دول المنطقة وليس ضدها.

وبحسب هؤلاء، فإن موقف ألمانيا تجاه الحكومة الإسرائيلية، أصبح أكثر نقدا في الآونة الأخيرة، حيث شددوا على ضرورة وقف إطلاق النار وإطلاق سراح جميع الرهائن، بما في ذلك المواطنين الألمان المحتجزين، مسجلين أن “ألمانيا تعمل على دفع إسرائيل لاحترام القانون الدولي في تعاملها مع الوضع الراهن”.

وتشدد الدبلوماسية الألمانية في اللقاءات التي حضرتها “العمق” على أن أمن إسرائيل هو جزء من المسؤولية التاريخية والأخلاقية لألمانيا، وهذا ينبع من حرصها على حماية أمن الشعب اليهودي، وليس بالضرورة دعم الحكومة الإسرائيلية وسياساتها، مشيرة إلى أن “الفصل بين أمن الشعب اليهودي وبين الحكومة الإسرائيلية ضروري، خاصة في ظل السياسات المثيرة للجدل لبعض وزراء حكومة نتنياهو”.

وكان لافتا خلال هذه اللقاءات، انزعاج مسؤول رفيع المستوى في الخارجية الألمانية، عندما طلب منه صحافي فلسطيني التعليق على فيديو يُوثق محاولة الشرطة الألمانية اعتقال طفل لا يتجاوز عمره 12 عاما، كان يحمل العلم الفلسطيني في احتجاج بالعاصمة برلين. ورد المسؤول بنبرة غاضبة قائلا: “لا يمكنني التعليق على صور متحركة وغير واضحة.”، غير أن زميلا له تدارك الأمر، موضحا أن الشرطة الألمانية ترتكب بعض الأخطاء في تدخلاتها، وأن هناك دعاوى قضائية ضدها في هذا السياق.

وتجدر الإشارة، إلى أن هذه اللقاءات أثارت سخط وغضب نشطاء “إسرائيليين متطرفين”، حيث كتبت ناشطة إسرائيلية مقيمة في ألمانيا تُدعى مالكا غولدشتاين ولف على منصة “إكس”، واصفة الصحافيين المدعوين بأنهم “خصوم وأعداء إسرائيل”، مضيفة أن “دعوة هؤلاء إلى عشاء في وزارة الخارجية الألمانية تعني تقديرًا لا يستحقه أولئك الذين يتبنون مواقف راديكالية وعدائية تجاه إسرائيل، وهو أمر يتعارض تمامًا مع مصلحة الدولة الألمانية”.

كما أشارت إلى أن وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، “لا تحتفي بأعداء إسرائيل في وزارة الخارجية الألمانية فقط، بل تستخدم أيضًا أموال الضرائب الألمانية لتمويل الإرهاب الفلسطيني بشكل غير مباشر، وذلك رغم وجود أدلة تثبت تورط موظفي الأونروا في مجزرة السابع من أكتوبر”، فيما ردت عليها “بيربوك” خلال لقاء صحافي بقوله: “لو كنت أحاور فقط من يتفقون معي في الرأي لكان هذا خطأ كبيرا في عملي”.

المصدر: العمق المغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *