هل ينجح المغرب في تحقيق الريادة العالمية بشأن إنتاج “الهيدروجين الأخضر”؟
كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن الهيدروجين الأخضر باعتبار بديلا طاقيا في المستقبل، وبرز المغرب في هذا النقاش كبلد يمكن أن يحتل الريادة ويحوز حصة مهمة من هذه السوق، كما أن الحكومة تعمل على إعداد عرض جديد في هذا المجال لتحفيز الاستثمارات المحلية والأجنبية.
تشير تقديرات مجلس الطاقة العالمي (World Energy Council) إلى أن المغرب من الدول الست في العالم التي تمتلك إمكانات كبيرة لإنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته، وهو ما شأنه أن يؤهل البلاد للاستحواذ على 4% من الطلب العالمي بحدود عام 2030.
وقد اعتمد المغرب سنة 2021 استراتيجية للهيدروجين الأخضر بهدف إنتاج نحو 3 ملايين طن من الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2030، وفق سيناريو متفائل، بالاعتماد على إمكاناته في مجال الطاقة المتجددة وتحلية مياه البحر، وهو ما من شأنه تسريع تحقيق هدف الحياد الكربوني في 2050.
حول هذا الموضوع، تحاور جريدة هسبريس إلهام ورية، مهندسة بمعهد البحث في الطاقة الشمسية والطاقات الجديدة (IRESEN) طالبة بسلك الدكتوراه بالمدرسة المحمدية للمهندسين، للحديث عن الهيدروجين الأخضر وكيفية إنتاجه وإمكانيات المغرب في هذا الصدد، والاستعمالات الممكنة في الصناعة والتنقل، إضافة إلى المتطلبات اللازم توفرها للوصول إلى مرحلة الإنتاج.
في أبريل الماضي، أعلنت دراسة عن إمكانية إنتاج الهيدروجين الأخضر بأقل كلفة في مدينة الداخلة، ما خلاصة هذه الدراسة؟
هذه دراسة علمية تهدف إلى تحليل وتصميم وحدات إنتاج الهيدروجين على نطاق واسع باستخدام المحاكاة والنمذجة لأنظمة الطاقة المتجددة. تُعَدُّ هذه الأنظمة، التي تولِّد طاقة كهربائية غير ثابتة نظرا لاعتمادها على مصادر مثل الشمس والرياح، حلا مستداما لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة.
وقد تم تطبيق هذه المنهجية على خمس مدن مغربية مختارة، وأظهرت نتائج التحليل أن دمج الألواح الشمسية وتوربينات الرياح يؤدي إلى إنتاج هيدروجين بتكلفة منخفضة في المغرب، خاصة في مدينة الداخلة التي بلغت تكلفة الإنتاج فيها حوالي 2.54 دولارا/كلغ. وهذه أدنى تكلفة مقارنة بالدراسات السابقة. كما تُظهِر النتائج أهمية استخدام خزانات الهيدروجين لتخزين فائض الطاقة الكهربائية خلال ساعات ذروة الإنتاج لإعادة توليدها عند الحاجة.
هل هذه التكلفة هي الأرخص في المغرب أم في العالم؟
لا تتضمن الدراسة مقارنة مع أسعار أنظمة أخرى، لا على الصعيد المحلي ولا على الصعيد العالمي، بل تتجلى في إيجاد نظام هجين بأدنى تكلفة على مستوى المواقع الخمسة محل الدراسة: الداخلة، العيون، طنجة، الجرف الأصفر، وطانطان، مع العلم أننا في معهد البحث في الطاقة الشمسية والطاقات الجديدة مقتنعون بكون المغرب مؤهل لإنتاج جزيئات هيدروجين أخضر بتكلفة منخفضة عالميا.
تكلفة 2.54 دولارا للكيلوغرام الواحد يعني أن طنا يتطلب فقط أقل من 30 ألف درهم، ماذا عن تخزينه ونقله وتحويله؟ هل يتطلب الأمر تكاليف مرتفعة؟
لا تشمل قيمة 2.54 دولارا للكيلوغرام سوى تكلفة إنتاج الهيدروجين. أما باقي مراحل سلسلة القيمة، التي تشمل التخزين والنقل وتحويله إلى مواد كيمائية، فإن لها تكاليف مختلفة ومتباينة.
تتعلق تكاليف تخزين الهيدروجين بالطريقة المستخدمة للتخزين، حيث يمكن تخزينه في مختلف الحالات الفيزيائية، منها تخزينه على شكل غاز تحت الضغط العالي، أو سائل تحت درجات حرارة جد منخفضة، أو تخزين كيميائي داخل مواد صلبة أو على سطحها، أو كمكون في سوائل أخرى كالأمونيا أو محاليل عضوية، إضافة إلى التخزين داخل كهوف ملحية. كل طريقة لها تكاليفها الخاصة وتتطلب تجهيزات محددة، وتتباين تقنيات التخزين في مستوى نضجها التكنولوجي بين تقنيات مستعملة في التصنيع، وأخرى لا تزال قيد البحث والتطوير.
أما تكاليف نقله، فتعتمد على عوامل عدة، منها المسافة ووسيلة النقل والكمية المنقولة، إذ يمكن استخدام أنابيب نقل الغاز أو الشاحنات أو السفن لنقل الهيدروجين، وتختلف هذه التكاليف باختلاف هذه العوامل.
فيما يخص تحويله، فله تطبيقات متعددة في مجالات مختلفة، منها توليد الكهرباء أو إنتاج وقود السيارات أو الكيماويات الصناعية كالألمنيوم والإسمنت والفولاذ، وأهم الاستعمالات المرتقبة في المغرب على المدى القريب يتمثل في إنتاج محلي للأمونيا المستخدمة في صناعة الأسمدة لجعل هذه الأخير أكثر تنافسية. هذه المجالات ذات أهمية استراتيجية وتسعى لإنتاج مواد منخفضة الانبعاثات. لكل تطبيق من هذه التطبيقات تكنولوجيات محددة ومصاريف مرتبطة به.
عموما، تكاليف تخزين الهيدروجين ونقله وتحويله تعتمد على العوامل المذكورة، وقد تكون تكاليفها متفاوتة. من المهم مراعاة هذه الجوانب الإضافية لتقدير التكلفة الإجمالية للنظام الهيدروجيني واستخدام الهيدروجين الأخضر بشكل شامل وفعال من حيث التكلفة.
كيف يمكن تقريب القراء من أهمية الهيدروجين؟ ولماذا يسمى أخضر؟ وما المنتجات المشتقة منه؟
يعد عنصر الهيدروجين من أخف العناصر الكيميائية والأكثر وفرة في الكون، إلا أن غاز ثنائي الهيدروجين (H2) غير متوفر على مستوى كوكب الأرض على شكل جزيئات مستقلة، لذلك يتطلب الحصول عليه عمليات تصنيعية لاستخراجه من جزيئات أخرى تتضمن ذرات الهيدروجين.
ويستخدم غاز الهيدروجين في عدة مجالات صناعية وغيرها منذ العقود الأولى للقرن العشرين، إلا أن إنتاجه كان يتم باستخدام مواد وتقنيات تتسبب في انبعاثات ثنائي أكسيد الكربون، وتعتمد على مصادر أحفورية خاضعة لتقلبات الأسعار وفق المتغيرات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية، ويعد الهيدروجين أحد أهم المواد الكيميائية الحالية وفي المستقبل.
أما الهيدروجين الأخضر فهو غاز الهيدروجين نفسه الذي لا يتوفر على لون أو رائحة، إلا أن إنتاجه يتم باستخدام مصادر طاقة نظيفة ومتجددة، مثل الطاقة الشمسية أو الرياح أو الماء، ويتم إنتاجه أساسا بواسطة التحليل الكهربائي للماء، وهو عملية تستخدم التيار الكهربائي لفصل الهيدروجين عن الأكسجين في الماء. وعندما يتم استخدام الكهرباء المتولدة من مصادر متجددة، فإن هذه العملية لا تنبعث منها غازات ملوثة، بل تنتج فقط الماء والحرارة عند الاحتراق، مما يعزز الأمان البيئي ويحد من تأثيرات تغير المناخ.
ويمكن أن يحل الهيدروجين الأخضر محل الوقود الأحفوري كمصدر للطاقة في تطبيقات مختلفة، وخاصة في صناعة المواد الكيميائية. بعض هذه المواد الكيميائية الغنية بالهيدروجين ستكون خالية من الكربون (مثل الأمونيا)، والبعض الآخر يحتوي على الكربون (مثل الميثانول) ولكنه يستخدم كمادة خام لتصنيع الوقود السائل.
ومن المنتجات المشتقة من الهيدروجين، الأمونيا التي تُستخدم بشكل رئيسي في إنتاج الأسمدة والألمنيوم والإسمنت والفولاذ.
يمكن استخدام الهيدروجين في تخزين الكهرباء وتوليدها بطريقة نظيفة وفعالة باستعمال خلايا الوقود. هذه الأخيرة تستخدم في العديد من التطبيقات مثل النقل المستدام وتخزين الكهرباء بالمنازل والمباني.
وفي قطاع النقل المستدام، يُمكن استخدام الهيدروجين كوقود لتشغيل المركبات، سواء كانت سيارات أو حافلات أو قطارات. يتم تحويل الهيدروجين إلى كهرباء عبر خلايا الوقود، مما يساهم في تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وتحسين جودة الهواء في المدن. كما يمكن استخدام الهيدروجين النظيف لإنتاج وقود مصنع مستدام للطائرات والسفن.
يقال إن الهيدروجين الأخضر هو البديل في المستقبل، من أين يستمد هذه الأهمية؟
يستمد الهيدروجين الأخضر أهميته من عوامل عدة تجعله بديلا مستداما ومهما في المستقبل.
أولا، الهيدروجين الأخضر يُعتبر حلا للتحدي العالمي للتغير المناخي. بما أنه لا ينتج انبعاثات ثاني أكسيد الكربون عند استخدامه كوقود، يمكن أن يلعب دورا حاسما في تقليل الانبعاثات الضارة وتخفيض آثار الاحتباس الحراري. بالإضافة إلى ذلك، فإن الهيدروجين الأخضر يساهم في تنويع مصادر الطاقة وتخفيف الاعتماد على الوقود الأحفوري.
كما يستخدم الهيدروجين الأخضر في العديد من الصناعات والتطبيقات مثل النقل النظيف، حيث يمكن استخدامه في تشغيل المركبات الكهربائية والوقود الخلوي. بالإضافة إلى ذلك، فإن الهيدروجين الأخضر يمكن أن يلعب دورا مهما في تخزين الطاقة المتجددة، حيث يمكن استخدامه لتخزين الطاقة الشمسية والرياح وتوفير استقرار ومرونة للشبكات الكهربائية. تلك العوامل تجعل الهيدروجين الأخضر يحظى بأهمية كبيرة كبديل مستدام في المستقبل، خاصة أنه يعد حلقة هامة تكمل بناء منظومة طاقية وصناعة منزوعة الكربون، وفي الوقت نفسه عاملا أساسيا لتحقيق سيادة طاقية وعنصرا مساهما في الرفع من تنافسية الاقتصاد الوطني.
ما هي المتطلبات اللازم توافرها لإنتاج الهيدروجين الأخضر؟
لإنتاج الهيدروجين الأخضر، هناك العديد من العناصر التي تكون ضرورية. أولا وقبل كل شيء، يجب أن يكون لديك مصدر للطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية، الريحية أو الكهرومائية، التي ستُستخدم لتوفير الطاقة اللازمة لعملية الإنتاج.
ثم يتم الاعتماد على التحليل الكهربائي للماء (Water electrolysis) لفصل الماء إلى هيدروجين وأكسجين. بالإضافة إلى ذلك، من المهم أن يتم الحصول على ماء ذي جودة محددة، ويمكن أن يأتي من مصادر متوفرة عبر تحلية مياه البحر.
وأخيرا، يعد نظام التخزين ضروريا للحفاظ على الهيدروجين المنتج بطريقة آمنة وفعالة حتى استخدامه المستقبلي. إن إنتاج الهيدروجين الأخضر يتطلب بالتالي مزيجا متكاملا من مصادر الطاقة المتجددة، وأنظمة فعالة للتحليل الكهربائي للماء، وماء عالي الجودة، وحلولا مناسبة للتخزين والنقل.
ما هي إمكانيات المغرب في مجال الهيدروجين الأخضر؟ وما موقعه عالميا؟
يزخر المغرب بمؤهلات كبيرة في مجال الهيدروجين الأخضر، ويعد من الدول الرائدة في هذا المجال حسب دراسات وتقارير لوكالات عالمية متخصصة وجامعات دولية. كما يتمتع المغرب بموارد طبيعية غنية من الطاقة المتجددة مثل الشمس والرياح، مما يجعله موقعا مثاليا لتوليد الكهرباء المتجددة التي يمكن استخدامها في إنتاج الهيدروجين الأخضر، إضافة إلى 3500 كيلومتر من شاطئ البحر الذي يعد مصدرا هاما للماء الضروري لإنتاج الهيدروجين بعد تحليته.
وتتمثل ريادة المغرب أيضا، بالإضافة الى المؤهلات سالفة الذكر، في الأشواط الملموسة التي قطعها بلدنا في هذا المجال، إذ إنه أول بلد في منطقة إفريقيا والشرق الأوسط يصدر خارطة طريق للهيدروجين الأخضر (سنة 2021) نتيجة دراسات أولية تم إطلاقها منذ 2018. كما تم إنشاء تكتل الهيدروجين الأخضر بالمغرب، وهو مبادرة وطنية تجمع قطاعات حكومية ومؤسسات عمومية وشركات خاصة وجامعات، تهدف إلى تعزيز استخدام الهيدروجين كمصدر للطاقة النظيفة والمستدامة. ويعتبر هذا التكتل جزءا من الجهود الرامية إلى تطوير صناعة الهيدروجين في المغرب وتعزيز الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة وفقا للتوجيهات الملكية السامية.
كما يعمل تكتل الهيدروجين الأخضر على تعزيز البحث والتطوير والابتكار في مجال تكنولوجيا الهيدروجين، بما في ذلك إنتاج الهيدروجين الأخضر والهيدروجين من الطاقة الشمسية والرياح والموارد الحيوية. كما يهدف التكتل إلى تعزيز الاستخدامات المتعددة للهيدروجين، مثل قطاع النقل، والطاقة الكهربائية، والصناعات الكيماوية، ويهدف أيضا إلى تعزيز التعاون والشراكات بين القطاعين العام، والخاص، والمؤسسات الأكاديمية، والبحثية.
كما تم تنظيم نسختين من القمة العالمية Word PowertoX Summit، وهي عبارة عن حدث دولي يهدف إلى تعزيز استخدام تكنولوجيات تحويل الطاقة المتجددة إلى مصادر طاقة أخرى ذات قيمة مضافة تتمحور أساسا حول الهيدروجين الأخضر، وتتضمن القمة عروضا ومحاضرات من الخبراء والمبتكرين في صناعة الطاقة والتكنولوجيا النظيفة، وتنظم بشراكة بين معهد البحث في الطاقة الشمسية والطاقات الجديدة (IRESEN) وجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية، وتكتل الهيدروجين الأخضر، تحت إشراف وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، وستنظم الدورة الثالثة للقمة من 19 إلى 20 شتنبر 2023 بمراكش وكلميم تحت الرعاية الملكية.
بالإضافة إلى هذه الجهود التي لعب فيها معهد “IRESEN” دورا أساسيا، يعمل الأخير على دعم مشاريع البحث والابتكار في مجال الهيدروجين الأخضر وتطبيقاته، وذلك عبر مبادرات عدة، على رأسها مشروع منصة “Green H2A” المرتقبة بالجرف الأصفر، بشراكة مع جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية ومجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، إضافة إلى مبادرات لبناء رأس مال بشري مؤهل في القطاع، مثل أكاديمية الشرق الأوسط وإفريقيا للتكنولوجيا النظيفة التي تمحورت دورتها الأولى سنة 2022 حول بناء اقتصاد للهيدروجين الأخضر.
المصدر: هسبريس