تسعى الإدارة الأمريكية، من خلال مستشار الرئيس دونالد ترامب للشؤون الإفريقية والشرق أوسطية، مسعد بولس، إلى إعطاء دفع جديد لقضية الصحراء المغربية عبر جولة تشمل دول المغرب العربي: تونس وليبيا والجزائر والمغرب.

تأتي هذه المبادرة في إطار تحرك دبلوماسي واسع لإعادة ضبط بوصله السياسة الأمريكية في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل، عبر مقاربة جديدة ترتكز على حل النزاعات الإقليمية وتوسيع الشراكات الثنائية، ووسط تصاعد الدعوات إلى تحريك العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة بعد سنوات من الجمود.

وتراهن واشنطن على مقاربة تقوم على الواقعية والبراغماتية، تهدف إلى بناء توافق إقليمي يراعي توازنات القوى ومصالح الفاعلين الرئيسيين في المنطقة، بحيث يستند هذا التصور إلى تجاوز المقاربات التقليدية التي أثبتت محدوديتها، عبر الدفع نحو حل سياسي يأخذ بعين الاعتبار مبادرة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب، ويضمن في الآن ذاته مخرجا تحفظ من خلاله الجزائر موقعها الإقليمي دون الظهور كطرف مباشر في النزاع الإقليمي المفتعل.

في هذا الصدد، تتعامل الإدارة الأمريكية مع الجزائر كعنصر محوري في معادلة الاستقرار بالمنطقة، وتسعى إلى إشراكها في المسار السياسي وفق صيغة تفاوضية مرنة تراعي خصوصية موقفها السياسي؛ إذ يُنتظر أن تقترح واشنطن إطارا جديدا للمحادثات يكرس دور الجزائر كشريك داعم للحل، دون المساس بموقفها الرسمي الذي ينفي التورط المباشر، وهو ما يُعد شرطا ضمنيا لأي انخراط فعلي في جهود التسوية.

ومن المرتقب أن تسفر لقاءات مسعد بولس مع المسؤولين المغاربيين عن بلورة أرضية أولية لهذا التصور الجديد، في أفق بناء تفاهمات ثنائية تمهّد لإعادة إطلاق المسار الأممي على أسس مغايرة، كما يعكس هذا التحرك رغبة أمريكية واضحة في تجديد أدوات الوساطة وإعادة تمركز الإدارة الأمريكية كفاعل أساسي في تسوية النزاعات بالقارة الإفريقية، انسجاما مع متغيرات التحالفات الدولية وتحديات الأمن الإقليمي.

تفاعل إقليمي

عبد الفتاح البلعمشي، أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي بجامعة القاضي عياض بمراكش رئيس المركز الدولي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، قال إن زيارة مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المنطقة تأتي في ظرفية دقيقة، تعكس ملامح تحول في السياسة الأمريكية تجاه شمال وغرب إفريقيا، مبرزا أن “واشنطن تُحضر لنوع من التوجهات الجديدة، سواء على المستوى الاستراتيجي أو فيما يخص طبيعة الشراكات مع دول المنطقة”.

وأضاف البلعمشي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن استقبال الرئيس الأمريكي عددا من رؤساء الدول الإفريقية، من بينهم رئيسا موريتانيا والسنغال، يعتبر مؤشرا واضحا على هذا التوجه الجديد، مشيرا إلى أن “الجولة التي يقوم بها مسعد بولس وتشمل تونس، ليبيا، الجزائر والمغرب، ليست تحركا دبلوماسيا معزولا، بل تدخل في إطار تصور أمريكي أشمل يروم فهم واقع المنطقة، وإعادة رسم معالم التحالفات المستقبلية”.

وأكد البلعمشي أن من بين أهم الملفات التي لا يمكن تجاوزها في هذا الإطار، قضية الصحراء المغربية، التي رغم ما حققه المغرب فيها من مكاسب لصالح الشرعية والمشروعية، تظل معضلة قائمة لا يمكن إغفالها في أي استراتيجية أمريكية جديدة تجاه المنطقة، مشيرا إلى أن “الولايات المتحدة الأمريكية إذا أرادت بناء سياسة واقعية وفاعلة في شمال وغرب إفريقيا، فإن الأمر يمر حتما عبر تقديم تصورات للحل تتفاعل مع هذا النزاع على ضوء الإقرار الأمريكي بمغربية الصحراء، وما يفرضه ذلك من التزامات سياسية ودبلوماسية”.

“إشكالية ليبيا أيضا ستكون مطروحة بقوة ضمن هذا التوجه الجديد، على اعتبار أن استمرار الأزمة الليبية يؤثر بشكل مباشر على الاستقرار الإقليمي”، يسجل رئيس المركز الدولي للدبلوماسية الموازية، قبل أن يضيف أن “زيارة مسعد بولس يمكن أن تُقرأ كذلك كمبادرة أولى لفهم أعمق للتصور الأمريكي حول النزاع في الصحراء، وكذا لبحث إمكانيات بناء تحالفات وشراكات جديدة بين الولايات المتحدة ودول المنطقة، مع التأكيد على أن المغرب يظل الدولة الأكثر تأهيلا للتفاعل مع هذا التوجه، خصوصا في ما يتعلق بالجوانب الإنسانية والتنموية، بالنظر إلى ما راكمه من استقرار سياسي، وسيطرة مؤسساتية داخلية، وبيئة مؤهلة على جميع المستويات”.

وفي هذا السياق، شدد البلعمشي على أن المغرب يشكل نقطة ارتكاز أساسية في أي مشروع أمريكي للتفاعل مع إفريقيا، بفضل بنيته التحتية المتقدمة، وقطاعاته الحيوية، لا سيما في مجالات الخدمات والتصنيع والقطاع البنكي، وهي المعطيات التي تجعله محطة استراتيجية لكافة القوى الدولية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، موضحا أن “غياب الاستقرار داخل بعض المؤسسات الإقليمية، مثل مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي، يشكل عقبة حقيقية أمام بلورة أي تحالف فعلي أو تصور مستقبلي”.

وأنهى البلعمشي حديثه لهسبريس بالتأكيد أن الوقت الحالي مناسب لتعزيز الدور الأمريكي في المنطقة، من خلال مقاربة جديدة تأخذ بعين الاعتبار وزن المغرب وشراكته المتجذرة مع واشنطن، خاصة وأن العلاقات بين البلدين تتسم بعمق أكبر وتماسك أشد مقارنة بعلاقات الولايات المتحدة مع باقي دول المنطقة، مسجلا أن هذا التقارب يجعل من المغرب رقما أساسيا في أي معادلة تسعى الولايات المتحدة إلى بنائها أو تنفيذها في شمال وغرب إفريقيا.

وساطة حاسمة

من جانبه، أكد سعيد بوشاكوك، باحث مهتم بقضايا التنمية والمجال، أن زيارة مستشار الرئيس الأمريكي، مسعد بولس، إلى دول شمال إفريقيا تعكس بوضوح الاهتمام المتزايد الذي توليه الولايات المتحدة لهذه المنطقة في سياستها الخارجية، باعتبارها مفتاحا للتحولات الجيوسياسية والجغرافية المقبلة التي ستشهدها القارة الإفريقية بشكل عام.

وأوضح بوشاكوك، ضمن إفادة لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الولايات المتحدة الأمريكية، بصفتها الفاعل الدولي الأول في النظام العالمي الجديد الذي بدأت ملامحه تتشكل بفعل التحولات السريعة التي يشهدها العالم، بدأت تركز على ضمان الاستقرار في شمال إفريقيا، لافتا إلى أن “ذلك يبرز من خلال سعيها الحثيث نحو تقليص حدة التوتر بين المغرب والجزائر، عبر البحث عن سبل التقارب، وإرساء أجواء المصالحة وبناء الثقة بين الجانبين، خاصة فيما يتعلق بالنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، وذلك انطلاقا من موقف واشنطن الداعم للسيادة المغربية، واعتبار مبادرة الحكم الذاتي هي الإطار الوحيد لأي مسار تفاوضي، باعتبارها من ثوابت السياسة الخارجية الأمريكية”.

وأكد المتحدث ذاته أن رهانات المرحلة المقبلة لإنجاح أي وساطة أمريكية فعالة وناجعة تفرض على النظام الجزائري ضرورة التفاعل مع منطق الواقعية وقبول الأمر الواقع، انسجاما مع التحولات الجيواستراتيجية المتسارعة، معتبرا أن “انخراط الجزائر في هذا التوجه ليس سوى تحصيل حاصل، في ظل العزلة الإقليمية والدولية التي يعيشها النظام الجزائري، وتوالي انتكاسته، مقابل تصاعد الدعم الدولي المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي، ونجاحات المغرب الميدانية والدبلوماسية المتواصلة”.

كما شدد الباحث في خبايا النزاع على أن إدارة آلية الوساطة الأمريكية بين المغرب والجزائر من شأنها أن تساهم في تفعيل قرارات الأمم المتحدة في إطار الموائد المستديرة المنصوص عليها في الفصل السادس من ميثاق المنظمة، وهو ما يدعمه المغرب بشكل واضح، بينما يعترض عليه النظام الجزائري بدون مبررات قانونية أو سياسية، بل فقط من باب التضليل والتشويش، موضحا أن “هذا التفاعل الأمريكي يأخذ بعين الاعتبار المصالح المشتركة، ويوفر كافة الضمانات لإنجاح الوساطة، انطلاقا من قناعة واشنطن بأن النزاع حول الصحراء المغربية نزاع إقليمي، والجزائر طرف رئيسي فيه لا يمكن تجاوزه”.

وذكر سعيد بوشاكوك أن النظام الجزائري أمامه فرصة تاريخية لإظهار نية القبول المبدئي بهذا المسار، خاصة أن الإدارة الأمريكية تملك مفاتيح الحل، وتُدرك بدقة تفاصيل تصورها للوساطة، وتتابع عن كثب مدى تأثير الجزائر وموقعها ضمن العلاقات الدولية؛ وفي حال استمرار الرفض، فإن هذا التعنت قد يعرّض النظام لضغوطات لا تخدم استقرار المنطقة ولا مستقبل التعاون الإقليمي.

المصدر: هسبريس

شاركها.