مع إعلان وقف إطلاق النار في غزة، وبدء تنفيذه أمس الجمعة، بعد حرب مدمرة استنزفت عشرات الآلاف من أرواح الغزيين ومليارات الدولارات من البنيات التحتية، تتجه الأنظار إلى مرحلة “ما بعد الحرب” (أو ما يُعرف إعلاميا بـ”اليوم التالي”) المحملة بجملة رهانات؛ في مقدمتها إعادة الإعمار، وترتيب المشهد السياسي والأمني في القطاع الفلسطيني المدمر.
في خضم ذلك، برز الموقف المغربي الذي عبر عنه بلاغ وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، مؤكدا “استعداد المملكة التام للمساهمة الفاعلة في مختلف المسارات المتفق عليها، بما يضمن حقوق الشعب الفلسطيني ويدعم الاستقرار في الشرق الأوسط”، في إشارةٍ إلى تأطير فاعلية الدور المغربي الممكن في مرحلة “ما بعد حرب غزة”، لم تخطئها عيون محللين للعلاقات الدولية تحدثت إليهم هسبريس.
وطالما كان الدور المغربي تجاه القضية الفلسطينية جامعا بين الثبات على المبادئ وبين مساعدة الفلسطينيين، خاصة طيلة عامي الحرب مع تجديد التسمك بـ”حل الدولتين”؛ بالنظر إلى المكانة الخاصة التي يحظى بها المغرب من خلال رئاسة الملك محمد السادس للجنة القدس الشريف، وبما يتيحه ذلك من شرعية رمزية وسياسية في دعم الحلول الواقعية والعادلة للقضية الفلسطينية.
وفي الوقت الذي تتقاطع فيه المبادرات الدولية والعربية لإعادة إعمار غزة، يفرض السياق الراهن أسئلة جوهرية حول طبيعة الإسهام المغربي الممكن، وقُدرته على تحويل التزامه السياسي الدائم إلى مبادرات عملية تسهم في بناء السلام بالمنطقة وترسيخ الاستقرار الإقليمي.
والخميس، استضافت باريس اجتماعا لوزراء خارجية دول غربية وعربية لمناقشة تشكيل قوة دولية لحفظ السلام والمساعدة في إعادة إعمار غزة بمجرد توقف القتال، الذي دخل حيز التنفيذ ظهر اليوم الجمعة بعد اتفاق إسرائيل و”حماس” على هدنة وتبادل للرهائن بموجب مبادرة قدمها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
مُرشح لدور محوري بإسهام فاعل
تعليقا عن الدور المغربي الفاعل وإمكاناته المستقبلية في مرحلة ما بعد حرب غزة، أكد لحسن أقرطيط، أستاذ العلاقات الدولية والجيوبوليتيك، أن “المملكة المغربية في طليعة الدول التي جعلت من القضية الفلسطينية قضية وطنية وجعلت منها أحد الثوابت الراسخة في سياستها الخارجية، ما تجسد بوضوح خلال فترة الحرب على غزة، حيث كانت من الدول القليلة التي نجحت في إيصال مساعداتها الإنسانية إلى سكان القطاع عبر المعابر البرية، في وقت تعذر فيه ذلك على العديد من الأطراف الإقليمية والدولية”.
وأضاف أقرطيط، في تصريح لجريدة هسبريس، أن المغرب، بقيادة الملك محمد السادس رئيس لجنة القدس، “مُرشح لأن يضطلع بدور محوري في مرحلة ما بعد الحرب، سواء على مستوى جهود إعادة الإعمار أو على صعيد تهيئة المناخ السياسي للعودة إلى مسار السلام”.
وزاد شارحا “الموقف المغربي ظل منذ البداية متزنا وعقلانيا، باعتباره التصعيد في الشرق الأوسط ناتج بالأساس عن انسداد الأفق السياسي وابتعاد إسرائيل عن طاولة المفاوضات، وهو ما يجعل من الحل السياسي القائم على حل الدولتين السبيل الوحيد لتحقيق سلام دائم وشامل في المنطقة، على أساس إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على حدود يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية”.
ونوه المتحدث للجريدة بمضامين البيان الصادر عن وزارة الشؤون الخارجية، الذي رحب فيه المغرب بإعلان وقف إطلاق النار في غزة، قائلا إنه “يُعبر عن موقف إيجابي ومسؤول ينسجم مع الرؤية المغربية الداعية إلى تنفيذ كامل بنود الاتفاق، خاصة ما يتعلق بإطلاق سراح الرهائن والمحتجزين، وإيصال المساعدات الإنسانية، والشروع في إعادة الإعمار، باعتبارها خطوات ضرورية لإعادة الثقة وبناء السلام”.
كما شدد أقرطيط على أن “المملكة المغربية، المنخرطة بعمق في العمل المتعدد الأطراف، مستعدة للمساهمة الفاعلة في أي صيغة يتفق عليها المنتظم الدولي ويَقبلُها الفلسطينيون، سواء عبر المشاركة في جهود إعادة الإعمار، أو في عمليات حفظ السلام التي قد تُقرها الأمم المتحدة، انسجاما مع التزام المغرب الثابت بالشراكة الدولية ودعمه المتواصل لكل المبادرات الرامية إلى ترسيخ الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط”.
“من الموقف إلى العملي الملموس”
مع إعلان وقف إطلاق النار وبدء محادثات السلام، تبرُز، حسب محمد نشطاوي، محلل العلاقات الدولية ورئيس مركز ابن رشد للدراسات الجيوسياسية وتحليل السياسات، “تحديات كبيرة مرتبطة بحفظ الأمن والاستقرار في قطاع غزة، إضافة إلى ملف إعادة الإعمار الذي يشكل أولوية عاجلة لإنقاذ السكان المتضررين”.
نشطاوي استدعى، في تصريح لهسبريس، معطى دالا؛ حيث “المغرب من الدول القليلة التي قدمت مساعدات إنسانية إلى غزة خلال الحرب، ما يعكس قدرة الدبلوماسية المغربية على الوصول إلى مناطق النزاع وتحويل موقفها السياسي الثابت تجاه القضية الفلسطينية إلى عمل عملي ملموس”.
وتابع بالشرح “هذا التموقع للمغرب يمنحه كذلك دورا محوريا في أي جهود عربية ودولية لإدارة المرحلة الانتقالية في غزة، بما يضمن حماية المدنيين وبدء إعادة بناء البنى التحتية والخدمات الأساسية”.
وأشار المحلل ذاته إلى أن الملك محمدا السادس، بصفته رئيس لجنة القدس، “يعد رمزا للموقف المغربي المتوازن والداعم للحقوق الفلسطينية. كما أن الدبلوماسية المغربية تلعب دورا فعالا في محادثات السلام، بما يمنحه مكانة فاعل أساسي لضمان عدم خرق أي اتفاق بين الأطراف، والعمل على إنهاء معاناة الفلسطينيين التي تجلت في الدمار الشامل للبنى التعليمية والاجتماعية والخدماتية خلال الحرب، بما يفرض على المجتمع الدولي والمغرب مسؤولية مشتركة للضغط على إسرائيل لضمان وقف الانتهاكات وتحقيق حل عادل ومستدام”.
وفيما يتعلق بخطة الرئيس الأمريكي، علق نشطاوي خاتما “حل الدولتين يبقى الهدف المرجُو؛ لكن يبقى التساؤل حول مدى التزام إسرائيل بهذا الحل في ظل معارضة قوية من جانبها لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، تعيش جنبا إلى جنب مع إسرائيل. ويؤكد المغرب من موقعه الإقليمي والدولي على أهمية وضع ضمانات فعالة لتسهيل تنفيذ هذا الحل، ليس فقط في قطاع غزة، بل أيضا في الضفة الغربية، حيث توجد مخاطر ضم الأراضي في حال تراخت الدول العربية أو ضعف الالتزام الدولي، وهو ما يجعل الدور المغربي، عبر الوساطة والدبلوماسية متعددة الأطراف، حاسما في حماية الحقوق الفلسطينية وتحقيق الاستقرار طويل الأمد في المنطقة”.
المصدر: هسبريس