اخبار المغرب

هل يفاقم إلغاء مبادرة “مليون محفظة” نزيف الهدر المدرسي؟

أعلن الملك محمد السادس قبل 16 عاما من الآن، بمناسبة الذكرى الخامسة والخمسين لثورة الملك والشعب، عن مبادرة مليون محفظة لدعم الأسر المعوزة في مواجهتها لتكاليف الدخول المدرسي، وقال الملك آنذاك في الـ20 من غشت 2008: “ارتأينا أن نبادر لإطلاق عملية وطنية تهدف إلى إعطاء دفعة قوية لتعميم وإلزامية التعليم الأساسي ضمانا لتكافؤ الفرص ومحاربة الانقطاع عن الدراسة، ويتمثل ذلك في منح الكتب والأدوات المدرسية لمليون طفل محتاج”.

وفي الـ24 يوليوز الماضي، تداول مجلس الحكومة وصادق على مشروع المرسوم رقم 2.24.706 بتتميم الملحق بالمرسوم رقم 2.23.1067 الصادر في 17 من جمادى الأولى 1445 (فاتح ديسمبر 2023) بتطبيق القانون رقم 58.23 المتعلق بنظام الدعم الاجتماعي المباشر، قدمه الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلف الميزانية، فوزي لقجع.

وبحسب بلاغ للحكومة، سيتم صرف مبالغ مالية إضافية للأسر المستفيدة من نظام الدعم الاجتماعي المباشر، برسم كل دخول مدرسي جديد، مما سيساعد الأسر المعوزة المستفيدة من هذا الدعم على التخفيف من تكاليف وأعباء الدخول المدرسي وما يقتضيه من اقتناء الكتب واللوازم المدرسية.

وبحسب مذكرة تقديمية لمشروع المرسوم سالف الذكر، فإن هذا الإجراء يأتي في إطار العمل على الرفع من مستوى الخدمات التي يقدمها نظام الدعم الاجتماعي المباشر، وتعزيزا لترشيد وعقلنة نفقات المالية العمومية عن طريق تجميع مختلف برامج الدعم التي تروم تحقيق نفس الأهداف.

وبموجب المرسوم ستستفيد الأسر التي تضم أولادا متمدرسين في السلك الابتدائي أو السلك الثانوي الإعدادي من 200 درهم، بينما ستسفيد الأسر التي تضم أولادا متمدرسين في السلك الثانوي التأهيلي من 300 درهم، علما أن هذا المبلغ لن يتم احتسابه في المبالغ التي يتم صرفها عادة للأسر المستفيدة برسم كل شهر، والتي تدخل قيمتها في تحديد الحد الأدنى الشهري لمبالغ الدعم الاجتماعي المباشر.

وقد أثار إلغاء مليون محفظة واستبدالها بدعم مباشر للأسر نقاشا واسعا بين مؤيد ومعارض، إذ أشار العديد من متتبعي الشأن التعليمي إلى أن هذا القرار من شأنه أن يساهم في ارتفاع نسبة الهدر المدرسي، بينما يرى آخرون أن ما كان يقدم ضمن المبادرة لم يكن في مستوى انتظارات الأسر وأن ما كانت تكلفه هذه المبادرة لم يكن يتجاوز 300 درهم في أحسن الحالات.

تنصل الدولة من التزاماتها

وفي هذا السياق، اعتبر الكاتب العام الوطني للجامعة الوطنية للتعليم FNE، عبدالله غميمط، في تصريح لجريدة “العمق” إلى أن ما وصفها بالحلول “الترقيعية” في التعاطي مع أبناء وبنات الفئات الشعبية الفقيرة ومن بينها مبادرة “مليون محفظة” لا ترقى لانتظارات الفئات الاجتماعية، وبالرغم من ذلك فإن إلغاء هذا البرنامج وتعويضه بدعم مالي مباشر هو تنصل الدولة من التزاماتها تجاه المجتمع، وخاصة الفئات الهشة المتضررة في توفير تعليم عمومي مجاني موحد على غرار العديد من الدول التي لها إرادة في إصلاح تعليمها، وفق تعبيره.

وقال أيضا إن الدعم الذي خصصته الدولة للأسر والمحدد في 200 درهم و300 درهم لا يحفز هذه الأسر ولا يعوض مبادرة المليون محفظة على علاتها، مشيرا إلى أن إلغاء هذا البرنامج من شأنه أن يفاقم ظاهرة الهدر المدرسي خاصة في صفوف الأسر الفقيرة التي لا تستطيع أن توفر المبالغ الكبيرة التي يتطلبها الدخول المدرسي، على حد تعبيره.

وأضاف الفاعل النقابي أن إلغاء برنامج مليون محفظة هو تعبير عن عجز الدولة في توفير تعليم عمومي مجاني موحد لأبناء وبنات المغاربة وتعبير من الدولة على توجهها النيوبرالي وعلى رفعها اليد عن كل القطاعات الاجتماعية وفي مقدمتها التعليم وأنها توجه رسالة للمؤسسات الدولية على أنها تليمذ نجيب في ترجمة هذه الاختيارات وتنزيلها على أرض الواقع، يضيف غميمط.

ترحيب بالقرار

أما رئيس فيدرالية جمعيات آباء وأولياء التلاميذ بالمغرب، نورالدين عكوري، فقلل من أهمية قرار إلغاء مليون محفظة، مؤكدا على أن ما كان يحصل عليه التلاميذ في إطار هذه المبادرة تتراوح كلفته ما بين 150 و 300 درهم، علاوة على المشاكل التي كانت ترافقها من قبيل عدم توصل التلاميذ بالمقررات الدراسية في الوقت المحدد والنقص في بعض المقررات، والمشاكل النفسية التي كانت تسببها عملية التوزيع لدى بعض المتعلمين، مفضلا الدعم المباشر للأسر المستحقة الذي تبنته الحكومة.

وأشادت رابطة الكتبيين بالمغرب بتعويض مبادرة “مليون محفظة” بالدعم المباشر، معتبرة أنه أمر إيجابي، ينصف الكتبيين الصغار ويرد لهم الاعتبار، فيما قال رئيس الرابطة الحسن معتصم، في تصريح صحفي، إن هذا الأمر “إيجابي للغاية وخصوصا للكتبين الصغار”، معتبرا أنه ينصفهم ويرد لهم الاعتبار، مشيرا إلى أن أغلب من يستفيد من مبادرة مليون محفظة “شركات كبرى بعضها لا علاقة بالمهنة، وهذا الأمر كان يُضيع رواجا تجاريا مهما على كتبي القرب”.

واعتبر المعتصم أن هذا القرار سيعزز من حرية المستهلكين في التوجه إلى المكتبات القريبة منهم لشراء الكتب والأدوات المدرسية “خصوصا في القرى وفي المدن الصغيرة التي يعتمد فيها أغلب الكتبيين هناك على الرواج التجاري مع تلاميذ المدارس العمومية، مما سيتيح لبعض المكتبات في هذه المناطق الصمود في ظاهرة إغلاق بعض المكتبات الصغيرة”.

وأعرب رئيس الرابطة عن سعي هيئته إلى دعم وتشجيع كل ما يدفع بعجلة استمرار وتطور “هذه المهنة الشريفة التي لها أدوار مهمة في المجتمع المغربي”.

فشل في محاربة الهدر المدرسي

وكشف تقرير سنوي أصدره المجلس الوطني لحقوق الإنسان، عن حالة حقوق الإنسان في المغرب لعام 2023، عن “فشل” وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، في إيقاف نزيف الهدر المدرسي، ما يعكس ضعف السياسات التعليمية وفشل الإصلاحات التي أعلن عنها وزير التربية والتعليم شكيب بنموسى ضمن خارطة إصلاح التعليم.

وأشار التقرير إلى ارتفاع معدلات الهدر المدرسي بشكل مقلق، حيث ارتفعت نسبة المتسربين إلى 334,664 تلميذاً وتلميذة خلال الموسم الدراسي 20232024، مقارنة بـ 331,558 في الموسم السابق. وهي الأرقام التي تعكس عدم فعالية الإجراءات المتخذة لتحسين النظام التعليمي وضمان حق الأطفال في التعليم.

ورغم التحسن الطفيف في معدلات التأطير التربوي، حيث انخفض معدل التلاميذ لكل مدرس من 27.4 إلى 26.7 في التعليم الابتدائي، ومن 28.3 إلى 28.2 في التعليم الثانوي الإعدادي، ومن 18 إلى 17.6 في التعليم الثانوي التأهيلي بين موسمي 20212022 و20222023، إلا أن هذا التحسن لم يكن كافياً لتعويض الفجوة الناجمة عن نقص التأطير التربوي وارتفاع نسبة الهدر.

وسجل التقرير ذاته تراجعاً في جودة التعليم، إذ احتل المغرب مراتب متدنية في استطلاع بيزا (PISA) لعام 2022، ليحتل الرتبة 71 في مادة الرياضيات، والرتبة 79 في القراءة، والرتبة 76 في الثقافة العلمية من أصل 81 دولة شملها الاستطلاع، وهي المؤشرات التي تعكس وجود أزمة هيكلية في المدرسة المغربية، تتعمق من سنة لأخرى رغم المجهودات التي يتم بذلها لتحسين مردودية المنظومة التربوية الوطنية، وفق ما أوردته وثيقة المجلس.

وأوصى التقرير بتبني خطة استراتيجية شاملة لمعالجة أسباب الهدر المدرسي، تشمل توفير الدعم التربوي والنفسي للمتعثرين في الدراسة، وتوسيع شبكة المؤسسات التعليمية في المناطق القروية والهشة، وتحسين خدمات النقل المدرسي لضمان وصول الأطفال إلى المدارس بيسر وسهولة.

كما دعا تقرير المجلس الوطني لحقوق الانسان، إلى إحداث الوكالة الوطنية للتوجيه والتقويم لضمان تتبع الأطفال المنقطعين عن الدراسة والتكفل بهم، وتفعيل دور خلايا الاستماع والتوجيه الموجودة في المدارس لتقديم الدعم اللازم للطلاب.

وفي ضوء هذه التحديات، يبرز التقرير الحاجة الملحة إلى إصلاحات جذرية في النظام التعليمي لضمان حق الأطفال في التعليم وتحسين جودة التعليم في المغرب، مما يستدعي جهوداً مكثفة من قبل وزارة التربية الوطنية لإحداث تغييرات ملموسة وسريعة في قطاع التعليم.

المصدر: العمق المغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *