هل يتجنب عمارة وطارق “التقارير المزعجة” تجنبا لتوتير العلاقة مع الحكومة؟

عين الملك محمد السادس، اليوم الاثنين، عددا من المسؤولين على رأس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ومؤسسة وسيط المملكة والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها.
ويتعلق الأمر بالوزير والقيادي السابق بحزب العدالة والتنمية عبد القادر اعمارة، رئيسا للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، خلفا لأحمد رضا الشامي، ومحمد بنعليلو، وسيط المملكة، رئيسا للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، خلفا لمحمد بشير الراشيدي والسفير المغربي السابق بتونس حسن طارق، في منصب وسيط المملكة، خلفا لمحمد بنعليلو.
ويرى مراقبون أن هذه التغييرات تأتي في سياق إعادة ضبط العلاقة بين الحكومة وهذه المؤسسات، خاصة بعد أن أصدر المسؤولون المقالون تقارير أثارت حفيظة السلطة التنفيذية، فكل من أحمد الحليمي، المندوب السامي للتخطيط، ومحمد بشير الراشدي، رئيس هيئة محاربة الفساد، وأحمد رضا الشامي، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، واجهوا انتقادات بسبب مضامين تقاريرهم التي سلّطت الضوء على قضايا حساسة، من قبيل تفشي الفساد، وارتفاع معدلات البطالة، وتحديات التنمية الاقتصادية.
ويعتبر بعض المحللين أن إعفاء هؤلاء المسؤولين جاء بضغط من الحكومة نتيجة لتقاريرهم “المزعجة”، والتي شكلت مصدر إرباك للحكومة، خاصة مع انتقاداتها الصريحة لضعف تفاعل السلطة التنفيذية مع توصيات هذه المؤسسات.
وكانت الحكومة قد دخلت في سجالات مع هيئة النزاهة ومحاربة الفساد بعد أن أصدرت الأخيرة تقريرا انتقد تراجع مستوى الشفافية ومحدودية تجاوب المؤسسات الحكومية مع توصياتها، وردا على ذلك، شدد الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، على أن “محاربة الفساد مسؤولية مشتركة”، مستغربا مما وصفه بـ “المطالب غير القانونية” لبعض المؤسسات.
لكن اللافت في سياق هذه العلاقة المتوترة، هو تقليص مشروع قانون المالية لسنة 2025 الميزانية المخصصة لهيئة محاربة الفساد بحوالي 60 مليون درهم، فيما راجت أخبار تقول أن شركات محمد بشير الراشدي قد خضعت لافتحاصات، ضريبية ما اعتبره مراقبون مؤشراً على عدم رضا الحكومة عن أداء الهيئة.
وكانت الهيئة قد اشارت، في تقريرها السنوي لعام 2023، إلى أن المغرب تراجع في مؤشر إدراك الفساد بخمس نقاط خلال السنوات الأخيرة، وأن تكلفة الفساد تتجاوز 50 مليار درهم سنوياً، بما يعادل ما بين 3.5% و6% من الناتج الداخلي الخام. هذه الأرقام أثارت جدلاً واسعاً، خاصة أن الهيئة شددت على ضرورة تجريم الإثراء غير المشروع، وهو ما لم تتفاعل معه الحكومة.
من جهته، كان أحمد الحليمي قد وجه بدوره انتقادات صريحة لسياسات التشغيل الحكومية، مؤكداً أن معدل البطالة ارتفع إلى 12.9% خلال الفصل الأول من سنة 2023، محذراً من أن “الوضع قد يزداد سوءاً”، مشيرا إلى أن القطاع الزراعي شهد خسارة كبيرة في فرص العمل بسبب موجات الجفاف المتكررة، مما وضع الحكومة في موقف محرج، خصوصاً أن التشغيل يعتبر أحد أعمدة برنامجها، ما دفع بعض المتابعين إلى ربط إقالته بهذه التصريحات التي لم ترق للسلطة التنفيذية.
كما اندلع سجال بين المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والحكومة حول مضامين راي تناول قضية الشباب الذين لا يشتغلون ولا يتابعون دراستهم أو أي تكوين مهني، حيث أشار المجلس إلى أن هناك مليونا ونصف المليون شاب مغربي، بين 14 و24 سنة، يوجدون خارج منظومة الشغل والتعليم والتكوين، مما يشكل تحديًا اجتماعيًا واقتصاديًا خطيرًا.
ورد رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، على التقرير خلال مناقشة الحصيلة المرحلية للحكومة في البرلمان، معتبرًا أن التقرير لم يأتِ بجديد، مضيفا أن الحكومة لا تكتفي بالتشخيص، بل تعمل على تقديم حلول ملموسة، مثل محاربة الهدر المدرسي عبر تحسين النقل والإطعام المدرسي، ودعم الداخليات، مما سيمكن من تقليص الظاهرة بنسبة الثلث.
في ظل هذه المعطيات، تطرح تساؤلات حول الكيفية التي سيدير بها المسؤولين الجددين الجدد، فبينما يرى البعض أن إقالة شخصيات وازنة من على رأس مؤسسات الحكامة واستبدالها بأخرى، تعكس على ما يبدو توجهاً جديداً في طريقة تعامل الحكومة مع هذه المؤسسات، بما تعزيز الانسجام بين الحكومة وهيئات الحكامة، يخشى آخرون من أن تؤدي إلى تحجيم دور هذه المؤسسات في الرقابة والتقييم، وهو ما قد يضعف قدرتها على أداء مهامها بفعالية.
وأثار إنهاء مهام محمد بشير الراشدي من رئاسة الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، موجة من ردود الفعل القوية من سياسيين وصحفيين وحقوقيين، اعتبروا في تدوينات على موقع “فيسبوك”، أن الراشدي كان ضحية لتقاريره الصريحة عن الفساد، والتي لم تلقَ ترحيباً من الحكومة.
في هذا السياق أبرزت إحدى الصفحات التابعة للحزب الاشتراكي الموحد ما وصفته بـ”ملخص مسيرة رجل أراد مكافحة الفساد”، مشيرة إلى أن الراشدي كشف أن الفساد يكلف المغرب 50 مليار درهم سنويا، لكنه واجه هجوما من مستشاري حزب التجمع الوطني للأحرار ووزرائه، بالإضافة إلى تعرض شركته الخاصة لافتحاص ضريبي عقب صدور أحد تقاريره، وخلصت الصفحة إلى أن إنهاء مهامه كان نتيجة مباشرة لهذه المواجهات.
الصحافي رشيد البلغيتي وصف الراشدي بأنه “مقاول وطني” عُرف بنزاهته والتزامه بمبادئ الشفافية، لكنه وجد نفسه في مواجهة “حكومة لم تتقبل تقاريره”، مضيفاً أن التقارير التي أصدرها كشفت “فرفشة الفساد” في المغرب، واستندت إلى معايير دولية لتقييم السياسات العمومية، لكنه لم يجد آذاناً صاغية.
وأشار البلغيتي إلى أن الراشدي صعّد لهجة تقاريره، فرد عليه الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، بنفي وجود فساد أصلاً، بل وحث الضحايا على اللجوء إلى القضاء. بعدها، انتشرت أنباء عن إخضاع شركات الراشدي لمراجعات ضريبية، و”تلقيه ضربات أسفل الحزام”، في إشارة إلى الضغوط التي تعرض لها.
الصحاف توفيق بوعشرين، قال في تعليق مقتضب إنه أدرك أن “أيام الراشدي صارت معدودة” منذ اللحظة التي رد فيها الناطق الرسمي باسم الحكومة على تقريره “بفجاجة” في أكتوبر الماضي، مما يعكس الصدام المبكر بين الهيئة والحكومة.
أما الناشطة الحقوقية لطيفة البوحسيني، فتساءلت عن الدوافع الحقيقية وراء إقالة الراشدي، معتبرة أن الرجل كان حريصاً على استقلالية الهيئة وسعى لجعلها أداة حقيقية لمحاربة الفساد، لكن ذلك لم يكن مرحباً به.
وربطت البوحسيني ما حدث بمصير إدريس الكراوي، الرئيس السابق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، الذي أُعفي بعد “تقارير نقدية”، لتخلص إلى أن أي محاولة للإصلاح داخل المؤسسات تواجه بالإقصاء، بينما تنجح فقط “الجهة الحامية للفاسدين”.
محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، كان أكثر وضوحا في انتقاداته، إذ اعتبر أن “لوبيات الفساد والريع” أصبحت أكثر نفوذا، وتسعى بكل الوسائل إلى إجهاض أي محاولات إصلاحية، موضحا أن هذه اللوبيات تعمل على جعل مؤسسات الحكامة مجرد “واجهات صورية”، وأن المسؤولين داخلها يتحولون إلى “رهائن” بيد هذه المصالح.
المصدر: العمق المغربي