هل نجح برنامج “مصالحة” في إدماج معتقلي قضايا الإرهاب داخل المجتمع؟
أنهى برنامج “مصالحة” فعاليات دورته الثالثة عشرة بداية الأسبوع الجاري، حيث أكد بلاغ لـ”مركز مصالحة” أن البرنامج اختتم فعاليات هذه الدورة بالسجن المحلي بسلا بعد أن وصل عدد المستفيدين منها إلى 22 نزيلا من المحكومين في قضايا التطرف والإرهاب، في حين أُعطيت مباشرة انطلاقة الدورة الرابعة عشرة بمشاركة 21 نزيلا، ما يرفع إجمالي المستفيدين من “مصالحة” إلى 322 مستفيدا.
ويعود إطلاق البرنامج التأهيلي “مصالحة” من قبل المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، بشراكة مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان والرابطة المحمدية للعلماء، إلى سنة 2017، ويروم إعادة تأهيل النزلاء المعتقلين في قضايا ترتبط أساسا بالإرهاب، إلى جانب محاربة التطرف بالاعتماد على التربية الدينية والمواكبة النفسية.
ويحضر الكلام عن “مصالحة” كثيرا عند الحديث عن مآل المعتقلين في القضايا المرتبطة بالإرهاب على المستوى الوطني، خصوصا فيما يتعلق بالمعتقلين من “السلفية الجهادية”، حيث يظهر البرنامج كتعبير عن “سعي مغربي من أجل توفير الشروط لإدماج هؤلاء المعتقلين في النسيج الاجتماعي والاقتصادي الوطني”.
ويلقى البرنامج الإشادة من كثيرين ممن يعتبرونه “تجربة مغربية خالصة في التعامل مع المتورطين في قضايا الإرهاب ومحاولة تهيئتهم لمرحلة جديدة تلي نهاية فترة اعتقالهم، وكونه كذلك تجربة إقليمية فريدة ومستدامة”، في حين إن عددا ممن يعنيهم هذا الملف لا يزالون يواجهون هذا البرنامج بـ”الإنكار المطلق”.
برنامج ناجح
الباحث في الفكر الإسلامي عبد الوهاب رفيقي قال إن “مجرد وصول برنامج مصالحة إلى دورته الثالثة عشرة دليل على كونه برنامجا ناجحا؛ ذلك أن عمليات التقييم التي خضع لها مكنته من الاستمرار طيلة هذه الفترة الزمنية كلها، فهو يبقى مبادرة مغربية نموذجية ضمن برامج المصالحة التي عرفتها الدول الإسلامية الأخرى”.
وأضاف رفيقي، في تصريح لهسبريس، أن “مصالحة” يبقى “تجربة مغربية فريدة أخذا بعين الاعتبار عامل الزمن الذي وصل اليوم إلى دورته 13، في وقت كانت فشلت فيه تجارب بدول أخرى في الصمود إلى هذه المدة، حيث بقيت ظرفية فقط”، مشيرا إلى أن “العثرات التي سقط فيها البرنامج في دوراته الأولى تمت معالجتها فيما بعد”.
وأكد المتحدث أن “البرنامج ناجح كذلك بالنظر إلى كون المستفيدين منه لا تُسجل في حقهم حالات العود، عكس ما يسجل في مبادرات مشابهة بدول أخرى، فيما أن المؤكد يظل هو أن البرنامج ذاته تمكن من تحقيق الغايات التي جاء من أجلها منذ دورته الأولى، بدليل استمراريته إلى هذا الوقت كله، وبدليل انحسار المد المتطرف بالمملكة كذلك”.
واعتبر الباحث في الفكر الإسلامي أن “البرنامج المذكور يبقى في نهاية المطاف مدخلا من المداخل المتاحة من أجل الحد من التطرف، إلى جانب المدخل الأمني بطبيعة الحال، فالمغرب اليوم لا يمكن مقارنته بمغرب الأمس من ناحية أعداد الخلايا المتطرفة التي يتم ضبطها، الأمر الذي يعد وجها من أوجه نجاح البرنامج، إلى جانب كون الاستفادة منه تمنع عددا من الأفراد من العودة إلى مسالك التطرف والإرهاب من جديد”.
موقف “راديكالي” من البرنامج
إذا كان عبد الوهاب رفيقي وآخرون يرون في “مصالحة” برنامجا ناجحا بحكم الأرقام والواقع، فإن فريقا آخر لا يزال يجهر بصوته الرافض للبرنامج. في هذا الصدد، قال عبد الرحيم الغزالي، الناطق الرسمي باسم اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين، إن “البرنامج في فلسفته الأساسية ليس إلا التفافا من الدولة على اتفاق 25 مارس 2011 الذي كان يهم إطلاق سراح المعتقلين من السلفية الجهادية على شكل دفعات”.
وأوضح الغزالي، في تصريح لهسبريس، أن “الاستفادة من البرنامج تقتضي من السجين الإقرار بكونه قد أجرم وأذنب في حق البلاد والدين والأسرة، على الرغم من إمكانية كونه بريئا ولم يقترف ما نسب إليه، فملف المعتقلين السلفيين كان شائكا للغاية، حيث كان يضم ملفات لها علاقة بسوريا والعراق”، لافتا إلى أن “التطبيق الحرفي لاتفاق 25 مارس يبقى أنجع من البرنامج”.
وسجل المتحدث كون “بعض بنود الاتفاق باتت متجاوزة بعد حوالي 13 سنة، حيث لم يعد خيار إطلاق سراح المعتقلين عبر دفعات مطروحا، بل المطلوب هو إطلاق سراحهم بشكل جماعي، على أن يتم النقاش إنْ كانت طريقة تدين البعض منهم غير سليمة، إذ يظل الأمر قابلا للحل بالحوار لا غير”.
وتمسك الناطق الرسمي باسم اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين السلفيين بـ”ضرورة حل الملف المذكور بالاستناد إلى اتفاق سنة 2011″، موضحا أن “هؤلاء المعتقلين يظلون أبناء الوطن ومنهم من استقبل بالزغاريد فور خروجه من السجن، الأمر الذي يطرح السؤال إنْ كان أم لم يكن مجرما في حق المجتمع”.
المصدر: هسبريس