هل كتبت علينا الرشوة أم اخترناها طوعا؟
هل انتهى تاريخ صلاحية بعض مؤسسات الحكامة؟
من حقنا أن نطرح سؤال دور الكثير من مؤسسات الحكامة التي توجد و لا توجد في مجال التغيير. السؤال يستدعيه حال التعامل مع قضايا الفساد و الرشوة، حقوق الإنسان والمنافسة و مغاربة العالم و التربية و التعليم و غيرها. هل توجد قنوات تواصل و تنسيق بين هذه المؤسسات و السلطات الثلاث المكلفة بالتشريع و القضاء و الحكومة. و إذا حكمنا بالظاهر و بما تزخر به التقارير، وجب القول أن الواقع يحتم على الدولة مراجعة البناء المؤسسي للحكامة. الاستثناء في هذا الموضوع الصعب قليل و لا يشمل سوى مؤسسات كبنك المغرب و المندوبية السامية للتخطيط و مؤسسات ضبط حكامة قطاعات المعلومات الشخصية والطاقة والإتصالات.
المهم في الموضوع، قضية الفساد و الرشوة على الخصوص.
هل يوجد في جدور ثقافتنا ما يوجب دفع ” الوجيبة و لحلاوة و الهدية و دهن السير يسير و الكرمومة ” . كيفما تنوعت الأسماء، تظل الرشوة واقعا يجسد علاقة بين من يمتلك القرار و من يريد الإستفادة من القرار. قد يكون صاحب القرار نزيها و من يريد الإستفادة مفسدا و العكس صحيح. و وصل التبرير الخادع إلى حد مقارنة قبول هدايا من رسول الله بضرورة قبول الرشوة و وصفها بالهدية . أصبح الكلام عن الرشوة مسترسل و متسلسل في كافة المجالات و القطاعات. و حين يتجرأ شخص على مواجهة هذا الواقع، يوصف بالأحمق و الفاقد للبوصلة أو بالجاهل بأصول التعامل من أجل مصلحة أو خدمة مشروعة. تعكس ثقافتنا الشعبية عبر الكثير من أشكال تعبيراتها تلك القوة التي تدافع عن الحق، الباطل طبعا، في استغلال المنصب. و لنا كثير من الأمثلة في تاريخنا عن ممارسة ” بيع سلطة التكليف ” كاستثمار مربح ” لقياد و باشوات و أمناء و شيوخ و مقدمين”.
كان التاريخ و لليوم تاريخه، و لكن رواسب الماضي تستمر في أشكالها الجديدة و المتجددة. كان ” القايد” فأصبح المدير، و كان أمين الميناء أو السوق و أصبح رئيس المجلس البلدي أو القروي، و كان ” العلاف الأكبر و الباشا ” فأصبح المدير العام و رئيس الإقليم و الجهة. و تظل العبرة بالنتائج. قال السيد إبراهيم الراشدي، رئيس هيئة بأن مكافحة الفساد معقدة جدا. الوضع غير مرضي. و اضاف أن المغرب لم يستطع أن يحسن ترتيبه بين دول العالم في مجال تفاقم الرشوة. و قد أجمعت التقارير الخارجية و تقارير الجهات الرسمية الوطنية كبنك المغرب و مؤسسة النيابة العامة و الجمعيات المهتمة بهذا الموضوع ، و كذلك نتائج البحث الوطني الذي شمل المواطنين و المقاولات على أن موضوع الفساد أصبحت موضوعا مهما يستأثر بالاهتمام من طرف المؤسسات و المواطنين نظرا لارتفاع مستوياته.
و رغم كل هذا الثقل الذي يشكله الفساد بكل تمظهراته 3و على رأسها الرشوة، يظل عدد الشكايات ضعيفا بالنسبة لحجم هذه الظاهرة ذات التأثير على كل أوجه الحياة الاجتماعية و الإقتصادية و السياسية. لم تتعدى الشكايات خلال سنة 2023 عدد 85. و يشير تقرير الهيئة الوطنية للنزاهة و الوقاية من الرشوة و محاربتها أنه تم رفض 85% من الشكايات لأسباب متعددة. و يأتي على رأس هذه الأسباب عدم إحترام الشروط الشكلية المطلوبة . و تتلخص باقي الأسباب في غياب الاثباتات و في عدم اختصاص الهيئة بالنسبة للملفات المطروحة عليها.
و تظل هذه الهيئة كغيرها من مؤسسات الحكامة ذات وجود شكلي دون نتائج تذكر. و ذلك لأسباب عدة أهمها عدم قدرتها على امتلاك أدوات استقلاليتها و قراراتها. مرت سنين طويلة على تأسيس هذه الهيئة باسمها القديم و الجديد و صرفت عليها الكثير من الأموال العامة دون أن يتم الحد من انحدار ترتيب المغرب في مجال محاربة الرشوة و الفساد بصفة عامة. قال رئيس الهيئة، كمن سبقوه، أن الفساد يعرقل التنمية و يضر بالاقتصاد. و هذا التشخيص هو الذي يطبع خطابات رؤساء الكثير من مؤسسات الحكامة في مجالات المنافسة و حقوق الإنسان و التربية والتعليم . و هنا يطرح سؤال الفائدة من خلق هذه المؤسسات التي لم تكن قادرة على تصحيح مسارات عدة. و تظل مؤشرات التنمية الاجتماعية و المنافسة و التربية و التعليم و محاربة الفساد في تراجع كبير. و يظل دور هذه المؤسسات إعادة إنتاج تقارير تهم التشخيص و ضعف النتائج و الإقرار بنوع من الاستسلام. و كل هذا مع استمرار في المناصب عن قبول و رضى. هل تحولت هذه المؤسسات إلى الاكتفاء بكونها تأثيث للمشهد لا غير؟ كان الأمل كبيرا، و لكن النتائج تعكس أن الحكومة و هذه الهيئات لم تنجز شيئا يذكر في محاربة الفساد . الأمر يتطلب وضع آليات قانونية لمحاربة الاغتناء غير المشروع، و متابعة دقيقة لتراكم ثروات من لا علاقة له بممارسة مهن ذات طابع مالي أو اقتصادي. الأمر يتطلب دعم المجتمع المدني المهتم بمحاربة قضايا الفساد و عدم تكبيل مبادراته أو منعه من اللجوء إلى القضاء .
مرت أكثر من اثنتي عشرة سنة على تنزيل دستور 2011 ، ولا زالت الطموحات في التغيير كبيرة و التغيير شبه غائب. ويؤكد هذا الوضع على أن أغلب هذه المؤسسات لم تشكل تلك الدعامة المؤملة في مجال الحكامة. و تعجز تقاريرها عن تحديد أسباب عدم الوصول إلى النتائج بكل صراحة. و يظل الركن المهم في تحديد المسؤوليات هو تحمل مؤسسات الدولة لأدوارها في كل القطاعات و محاسبتها. نظامنا السياسي يعتمد على الفصل بين سلطات ثلاث لا غير. و لا يمكن أن نطور أداء اقتصادنا و مجتمعنا و ممارسة السلطات المنتخبة خارج هذا الإطار الدستوري. أما باقي المؤسسات، فستظل، مع استثناءات قليلة، ذات حضور باهت و مكلف و سيقال عنه أنه لم يكن ذو جدوى. و وجب التذكير على أن كثيرا من هذه الهيئات تلجأ إلى مكاتب دراسات و خبراء لكتابة التقارير. وتنحصر مهام الأعضاء أو جلهم في مناقشات، و يتم إتخاذ القرار بالموافقة على رأي الخبراء. و كان من الاحرى، منذ البداية، أن يتم انتداب الخبراء في هذه الهيئات. أمر تطور الفساد يشكل خطرا على مجتمعنا و اقتصادنا و ممارسة الأنشطة السياسة و الثقافية و الرياضية و التضامنية. إن العالم يتتبع ما يجري في المغرب على الصعيد الطاقي و على دوره الإقليمي و اشعاعه الدبلوماسي و الرياضي، ويتابع كذلك التقارير التي تتضمن انتقادات في مجال الفساد بكافة أشكاله. إختار المغرب الانفتاح على العالم و بين طموحه الإقتصادي لولوج مراتب الدول الصاعدة. لذلك وجب بدل كل الجهود للتخلص من كل معيقات التنمية و الشفافية وعلى رأسها الفساد.
المصدر: العمق المغربي