هل تنجح مبادرة بنعبد الله ولشكر في تحقيق “حلم” لم شتات الأحزاب اليسارية؟
أعاد اللقاء الذي جمع الزعيمين اليساريين نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، وإدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الخميس، النقاش مرة أخرى حول “حلم” لم شتات الأحزاب اليسارية بالمغرب، الذي ظل عصيا على التحقق رغم المحاولات المتكررة.
وبدا لافتا أن اللقاء الأول من نوعه بين قيادتي الحزبين منذ مدة، يشي بوجود رغبة مشتركة من أجل تشكيل “تحالف سياسي بحساسية يسارية يشكل جبهة صلبة، وتقوية العمل المشترك بينهما”، حيث جرى الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة بين المكتبين السياسيين للحزبين قصد تقديم “تصور عام حول محاور وبرنامج هذا العمل المشترك”.
نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، كان واضحا في تصريحه لهسبريس حول الموضوع، إذ قال: “لن نغلق الباب تجاه كل من يريد أن ينتمي لهذا التصور الجديد”، الأمر الذي مثل إشارة واضحة إلى أن الحزبين يرغبان في تشكيل تكتل يساري موحد، يعتبر الأجدر بتنزيل الدولة الاجتماعية في المغرب والأقدر على ذلك من باقي الحساسيات السياسية.
الحزب الاشتراكي الموحد وحزب فيدرالية اليسار الديمقراطي حزبان من العائلة اليسارية معنيان بالوحدة بعد التجربة الفاشلة التي مرا منها في السنوات القليلة الماضية، تحدثت جريدة هسبريس الإلكترونية إلى قيادتيهما من أجل جس نبضهما ومعرفة موقفهما من المبادرة التي أطلقها حزبا التقدم والاشتراكية والاتحاد الاشتراكي.
جمال العسري، الأمين العام للحزب الاشتراكي الموحد، قال في حديث مع هسبريس: “لكل حادث حديث”، مبرزا أن حزبه “إلى حد الساعة، لم يتلق أي رسالة أو دعوة أو إعلام بخصوص المبادرة، اطلعنا عليها كما اطلع عليها المواطنون والرأي العام عبر الصحافة. رسميا، لم نتلق أي دعوة”.
وأضاف العسري: “عندما نتلقى مثل هذه الدعوة، أكيد أن مؤسساتنا الحزبية ستتخذ في شأنها القرار المناسب، والأمر الآن يبقى مجرد تخمينات”، موردا أن المؤتمر الوطني الأخير لحزبه قام بـ”دراسة نقدية لتجربة الوحدة الاندماجية لليسار، وتوصل إلى أن الوحدة الاندماجية بالشكل الذي تمت به منذ 2001 و2003 أثبتت أنها وصلت إلى الباب المسدود، لأنها وحدة عددية أكثر منها وحدة فكرية”.
انطلاقا من هذه الخلاصة، سجل العسري أن المؤتمر رسم للقيادة “الخط الذي يمكن أن نسير عليه، وهو خط التحالفات، وستكون من داخل الميدان والشارع انطلاقا من مدى انخراط الهيئات اليسارية في الحراكات الاجتماعية”، مشددا على أن حزبه “يمكن أن يتحالف مع الهيئات اليسارية المنخرطة في الحراكات الاجتماعية في الشارع، وليس المساندة له فقط”.
وزاد موضحا أن “الأحزاب اليسارية التقدمية والديمقراطية المنخرطة في النضالات الشعبية يمكن أن نشكل معها ما نسميه نحن الجبهة الشعبية الواسعة للنضال، التي يمكن أن تنضاف إليها هيئات أخرى نقابية وحقوقية وجمعوية، ولا يمكن أن أخرج عن هذه الحدود”، في إشارة إلى أنه منضبط لقرارات المؤتمر باعتباره أعلى هيئة تقريرية في الحزب.
من جهته، اعتبر علي بوطوالة، نائب الأمين العام لحزب فيدرالية اليسار الديمقراطي، أن مشروع توحيد اليسار طرح منذ سنوات، وفي هذا السياق “أنجزنا الاندماج الذي أصبحنا بفضله نتوفر على فيدرالية اليسار الديمقراطي”، معربا عن أسفه لتعرض هذا الاندماج “للتشويش ومحاولة الإفشال”.
وقال بوطوالة، ضمن تصريح لهسبريس، إن المهم بالنسبة لحزبه في مسألة الوحدة، هو “ربط الخطاب بالممارسة؛ لأن المسألة الأساسية هي توحيد الشعارات، وليس شعار الوحدة، لأن الوحدة تبقى مجرد شعار، خاصة أن الممارسة السياسية على الأرض معاكسة للخطابات والتصريحات العلنية”.
وأضاف: “كان من المفروض أن تتشكل جبهة يسارية منذ سنوات لمجابهة السياسات النيولبرالية والحكومات المتعاقبة. ومنذ حكومة بنكيران إلى الآن، كان من المفروض أن تتشكل جبهة اليسار، للأسف آنذاك التقدم والاشتراكية فضل المشاركة في حكومة عبد الإله بنكيران والاتحاد الاشتراكي اختار منزلة بين المنزلتين، عارض ثم بعد ذلك أصبح خطابه يسير في الاتجاه الذي تسير فيه البرامج الحكومية تقريبا”.
وأشار الأمين العام لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي قبل الاندماج مع المؤتمر الوطني الاتحادي في فيدرالية اليسار الديمقراطي إلى أن الظرفية الراهنة “مناسبة لإنجاز على الأقل حد أدنى من التنسيق في قضايا عدة مثل التعليم، وهناك محاولات انفرادية تسير في اتجاه ضرب هذه الوحدة في العمق عوض تحقيقها”، مشددا على أن حزبه إذا تلقى الدعوة من بنعبد الله ولشكر “سندرسها ونرى مدى جديتها إذا كانت فعلا هناك محاولة جدية، بناء على أرضية واضحة وعلى برنامج في الحد الأدنى، محدد في الزمن وفي المهام”.
وشدد المتحدث على أن حزبه سينخرط في أي محاولة جدية، ولكنه لن يكون معنيا إذا “كان الأمر فقط يتعلق بخطابات استهلاكية للالتفاف على ما هو جوهري”، معتبرا أن الأوضاع الحالية تتطلب من اليسار أن يتحمل “مسؤولياته ويرفع التحديات التي تواجهه، وأن يناضل فعلا من أجل الدولة الاجتماعية، لأنه هو صاحب المشروع، وليس الحكومة أو الدولة”.
وختم بوطوالة بالتشديد على أنه “بدون مساهمة فاعلة من اليسار في هذا المجال، لن تتحقق الدولة الاجتماعية”، موردا أن المسألة تتوقف على مدى تحمل قادة اليسار “مسؤولياتهم في هذه اللحظة، والقطع مع التردد والتوصيفات الخاطئة، ونهج استراتيجيات واضحة، خاصة للاستجابة لتطلعات الشعب المغربي”، حسب تعبيره.
المصدر: هسبريس