هل تغير المقاومة الفلسطينية مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي والقوى العالمية؟
لقاء حول مستقبل القضية الفلسطينية جمعت فيه أكاديمية نقابة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، أكاديمية المهدي بنبركة للدراسات الاجتماعية والثقافة العمالية، أكاديميين ومثقفين وفاعلين مدنيين من المغرب ودول إفريقية وعربية أخرى، بتسييرِ الأكاديمي والوزير المغربي الأسبق عبد الله ساعف.
عولمة القضية
قال المفكر اللبناني معن بشور إن “القضية” اليوم في العالم هي “القضية الفلسطينية”، التي “ليست فلسطينية وعربية وإسلامية بحتة فقط؛ بل صارت قضية الضمير العالمي، وهذا تطور يمكن أن يبنى عليه الكثير من أجل مستقبل القضية”.
ثم استرسل شارحا: “كل انتصار نحققه اليوم في فلسطين سَيُضعِف تأثير النفوذ الاستعماري والإمبريالي في العالم كله، ونلاحظ تراجع الولايات المتحدة الأمريكية في العالم مع تراجع الكيان الصهيوني أمام هجمات المقاومة، وكلما نجحنا في هزيمة الصهيونية نتقدم على طريق هزيمة الإمبريالية، وهزيمة الرأسمالية العالمية التي تتحكم بمصائر الشعوب وتخوض الحروبَ فالحروب لمصالحها الذاتية وضد مصالح الشعوب”.
ثم أضاف أن مستقبل القضية الفلسطينية لا يستقيم فيه “حل الدولتين”؛ فـ”التعايش مع هذا الكيان الإحْلَالي أمر مستحيل”؛ بل “ندعو إلى دولة فلسطينية مستقلة، وكلما تحرر جزء من أرضنا أقمنا عليه سلطة وطنية وقاعدة للمقاومة لتحرير ما تبقى من فلسطين، والحل في فلسطين دولة فلسطينية واحدة مفتوحة لأبنائها من كل الديانات، خارج المشروع الصهيوني وخارج الارتباط بالإمبريالية العالمية”.
وتابع: “الدائرة الميدانية، أي دائرة الفعل على الأرض، هي الأساس، والمقاومون في فلسطين وغزة خاصة يبدعون في مقاومة العدو ويربكونه ويجبرونه على تحمل الهزائم رغم الإنكار؛ فقد دخل الاحتلال مناطق في غزة واضطر إلى الخروج منها مرتين، واليوم يخرج جيش العدو من “خان يونس” بعدما ظن أنه سيحقق كل أهدافه فيما وصفه بمقر قيادة حماس والأسرى، ولن يكون حظه في رفح أفضل إذا تجرأ بالحرب”، وبالتالي فإن “المقاومة باتت قوة مؤثرة ومغيرة”.
لكن باستثناء “وقفات المغرب والأردن واليمن والبحرين”، ذكر بشور أنه في المنطقة المتحدثة باللغة العربية “نشعر بأن الحركة الشعبية العربية ليست في مستوى الحدث؛ لأنها انغمست منذ سنوات طويلة في صراعات بين مكوناتها”، وهو ما دفعه إلى التنبيه إلى ضرورة تطور المؤسسات العربية المدنية، و”الضغط الشعبي المهم” على المستوى الرسمي لـ”قطع العلاقات وطرد السفراء الصهاينة”، كما جرى بعد الانتفاضة الثانية، إضافة إلى “الضغط الاقتصادي والنفطي على الدول المساندة للكيان وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية؛ فأوراق اللعبة لم تعد بأكملها في يدها”.
ومن بين المتغيرات المهمة التي يستحضرها معن بشور المساندة الأمريكية الجنوبية، وما تشهده “أمريكا الشمالية من حركة مهمة تعطي ثمرات مهمة في أمريكا وكندا. كما أن في أوروبا حركة مهمة جدا من يسار وحركة ليبرالية مقتنعة بحقوق الإنسان والقانون الدولي، وفي إفريقيا نهضة ينبغي أن نستفيد منها”، قبل أن يختم بقول إن “معركتنا في فلسطين في الميدان الفلسطيني”؛ لكنها أيضا في “المجال العربي والإسلامي والمجال الأممي، خاصة في القارات التي عانت من الاستعمار والصهيونية”.
السند الشعبي
في كلمة باسم أكاديمية المهدي بنبركة للدراسات الاجتماعية والثقافة العمالية، قال عثمان باقا، القيادي في الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، إن ما يشهده العالم اليوم “حرب واعتداء مدمران على فلسطين عامة وغزة خاصة، لم تترك فيهما الآلة العسكرية لدولة الاحتلال الصهيوني شجرا ولا حجرا، متجاوزة كل القانون الدولي والاتفاقيات الدولية ومعاهدة جنيف المعنية بالحرب وحقوق المدنيين والأسرى والمصابين أثناء الحرب، وعدم إخضاعهم للحصار، كما تجاوزت مناشدات المنتظم الدولي، واستهدفت المستشفيات والمدارس ومقرات الإغاثة الدولية والطواقم الطبية وغير ذلك”.
وشدد النقابي المغربي على أن “كل هذا لم يكن ليكون دون الدعم الأمريكي والغربي”، فتَعَنتُ دولة الاحتلال يتم “بسبب الدعم اللامشروط للولايات المتحدة الأمريكية والمنتظم الغربي، ومد الكيان بكل أسلحة الدمار؛ مما يجعل هذه الدول شريكة في جرائم الإبادة، في ظل عجز تام للنظام العربي، دون قدرة فعل أي شيء، بل الأنكى من ذلك هو أن هناك من الدول العربية دولا مدت جسرا بريا للغذاء والمستلزمات الطبية والإغاثية”.
ثم أردف قائلا: “ما يتعرض له الشعب الفلسطيني منذ ثمانية عقود، وفق القانون الدولي، هو اعتداء على شعب وأرض ومقدراتها الطبيعية وتراثها؛ الأمر الذي يستوجب بالضرورة من شعب فلسطين الدفاع عن النفس والأرض والعرض من خلال إفراز مقاومة وطنية مسلحة، لأن الشعب الفلسطيني جرب كل الحلول السلمية.. وكل المفاوضات التي رعتها الأمم المتحدة وأمريكا والدول الغربية وجامعة الدول العربية، من مدريد إلى أوسلو مرورا بوادي عربة وغيرها، لم تنتج إلا وضعا كارثيا أكثر تأزيما، وأكثر تعقيدا وانتهاكا للحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، وهو وضع لم تستفد منه إلا دولة الاحتلال”.
وقال المتدخل إن “المقاومة الفلسطينية مسنودة شعبيا بصمود أسطوري، ومسنودة من كل الشعوب العربية والإسلامية التي خرجت عن بكرة أبيها تعبيرا عن دعم المقاومة الفلسطينية وغضبها من النظام الرسمي العربي، متحدية القمع والتضييق المتعرضَ لها على طول الخريطة العربية من المحيط إلى الخليج (…) وشعوب العالم الغربي خرجت هي الأخرى لنصرة الشعب الفلسطيني، بعد افتضاح الانحياز السافر للإعلام الغربي والتعتيم السافر الذي يمارسه عليها”، كما فُتحت “جبهة عن قرب شمال فلسطين وجنوب لبنان من المقاومة اللبنانية، وعن بعد من العراق الذي أرسل صواريخه للضغط على الكيان، وجبهة الدعم والمقاومة من اليمن بفرض الحصار الاقتصادي”.
والنتيجة هي “صمود المقاومة، أكثر مما صمدت الجيوش العربية في كل حروبها”، أما الغاية فـ”إحلال السلام الذي يمكن الشعب الفلسطيني من إقامة دولته التاريخية على كل فلسطين وعاصمتها القدس، يسمح لفلسطينيي الشتات بالعودة إلى مدنهم وقراهم، وسيادة الدولة الفلسطينية على أرضها وجوها وبحرها، وسلام يعيد للمظلوم حقه”.
من جهته، تحدث المفكر الإيطالي جيوفاني بامبانيني، المدافع عن “ديمقراطية عالمية”، عن ضرورة “السلام العادل للجميع”، ولو أنه “أمر صعب”، ثم تطرق إلى “قدرة إسرائيل اليوم على السوء، بقدر يقترب من التاريخ النازي والفاشي”، قبل أن يعلق بقول إن “هذا حزين”، وإن الحل يمر بـ”انتصار الحوار”، الذي به “تنتصر الديمقراطية”، و”قدرة الشعوب”؛ لكنها ديمقراطية “غير شُعوبية” منغلقة قطريا، أي أنها لا ينبغي أن تعني “قُدْرَة شعبي ضد الشعوب الأخرى”.
المتدخل السنغالي بباكار ديوب تطرق إلى الجذور العميقة بين فلسطين وإفريقيا، والدفاع عن القضية الفلسطينية المستمر منذ أول رئيس سنغالي الشاعر ليوبولد سيدار سانغور وصولا إلى الرئيس الجديد المنتخب حديثا باسيرو ديوماي فاي؛ حيث “تستمر السنغال صوت كل الإفريقيين في الدفاع عن فلسطين في الأمم المتحدة”.
وتذكر المتدخل ما سبق أن شاهده في لقاء بالأمم المتحدة من “محاولات العرقلة وكل التحوير حتى لا نتحدث بشكل جدي عن المشكل الفلسطيني. هذا غير قابل للنسيان”، ثم أردف قائلا: “ما يحدث في غزة من جرائم اليوم، يجعل من المستحيل حل الدولتين”.
انتصار للتاريخ
دافع عبد الله الأشعل، دبلوماسي ومحلل مصري، عن كون “قضية فلسطين قضية إنسانية تجاوزت كل الحدود والخطوط الإقليمية والدولية والسياسية”، وتابع: “جميع دول العالم باتت تعترف بأن هناك شعب يقتلع من أرضه عمدا، وطيلة هذه المدة أمريكا كانت تستر عورة إسرائيل، والغربُ أيضا”.
واستحضر الدبلوماسي والسفير المصري السابق تاريخا قفزت فيه “إفريقيا إلى العالمية والإنسانية قبل العالم كله”، في الدفاع عن القضية الفلسطينية، مذكرا بأنه في الوقت الراهن أيضا “جنوب إفريقيا كانت أحسن من الدول العربية والإسلامية جميعا، ورفعت دعوى أمام محكمة العدل الدولية، وكذلك الإكوادور، ونيكاراغوا”، وبالتالي فهذه “قضية عالمية وإنسانية وليست عربية”.
ثم زاد معددا “حقائق أساسية ينبغي أن تكون محل اعتبار”؛ لأن لها “أثرا على مستقبل الصراع في فلسطين”، منها أن “المشروع الصهيوني قام أصلا على أساس أن اليهود أفضل خلق الله وكانوا مضطهدين في البلاد التي يعيشون فيها لعبقريتهم وتخلف الشعوب التي معهم، ثم تم تجميعهم في كيان واحد بفضل عرض بريطانيا التي كانت مسيطرة على العالم آنذاك، وبسبب التحريف التوراتي والتاريخي وتزوير القانون وجدوا علاقة بين فلسطين واليهود”.
وواصل: “المشروع الصهيوني يقوم على عدم الاعتراف بالفلسطينيين، علما أنهم كانوا يقولون عن فلسطين: أرض بلا شعب، وهي صيغة روجها الاستعمار الأوروبي في ذلك الوقت، وكريستوفر كولومبوس قال قبل ذلك عن أمريكا إنها بلا شعب وأباد الشعوب وعمّر هو ومن معه الأرض؛ فالاستعمار الغربي يقوم على فكرة ماركس الأرض لمن يزرعها”.
وبعد أربعين عاما كان فيها دبلوماسيا مصريا في العديد من المناصب البارزة، قال عبد الله الأشعل: “توجد سياسة أمريكية ناجحة هي تحييد الحكام العرب والمسلمين، والفصل بين الكرسي والأوطان؛ لكنها فشلت فشلا أخلاقيا كبيرا”، واليوم نشهد “العد التنازلي للقوة الأمريكية، بالتماهي مع الإبادة الصهيونية في فلسطين، وهذا سقوط أخلاقي عظيم”.
ثم قال: “زُرعت إسرائيل في هذه المنطقة بدون سند قانوني، وكل الأسانيد كانت من قبيل التلبيس على العالم كله والعرب، وهي فاقت الدول المحتلة والاستعمارية بل هي دولة مجموعة من العصابات التي استهواها المشروع الصهيوني وسيقت إلى فلسطين باعتبارها الأرض المقدسة والموعودة، ومن وعدهم؟!”
كما دافع الدبلوماسي عن أن “حل الدولتين فكرة مستحيلة”؛ فالمستقبل هو “دولة عربية فلسطينية من البحر إلى النهر، وكل الخرافات التي ساقها الغرب والإسرائيليون كانت للتعمية، وهم مع الباطل، وفضحوا أنفسهم بالشعارات الزائفة من ديمقراطية وحقوق الإنسان. القضية الفلسطينية (…) أريد لها أن تكون مطوية، لكن المقاومة منذ 7 أكتوبر كشفت هذا الزيف، وحركت الشارع العالمي، الذي علم أن هناك شعب تتم إبادته منذ 75 سنة، منذ قيام إسرائيل”، وبالتالي “انتصار المقاومة سيغير وجه التاريخ تماما”.
المصدر: هسبريس