هل تتولى دبلوماسية الرباط تجديد الدينامية الأممية بقضية الصحراء المغربية؟
تطورات كبيرة باتت تشهدها الدبلوماسية المغربية، خاصة على مستوى الاعتراف بمغربية الصحراء، ما بات يلوح بإمكانية فرض توجه خاص على الأمم المتحدة.
ويؤكد خبراء أن الدبلوماسية المغربية أصبحت تعطي أكلها، وتبرز نجاحاتها، قائلين إنها “دبلوماسية براغماتية مبنية على دراسات ولها أسس تاريخية”.
موساوي العجلاوي، الأستاذ الباحث في معهد الدراسات الإفريقية، قال إن “مبادرة الحكم الذاتي هي اقتراح من الأمم المتحدة، وهي اختيار من اختيارات المبدأ الرابع للقرار 1541 المرتبط بالقرار 1514، وهما قراران يعالجان طريقة إيجاد حل للأراضي المتنازع عليها”.
وأضاف العجلاوي، ضمن تصريح لهسبريس، أن “اختيار الحكم الذاتي يدخل ضمن ميثاق الأمم المتحدة، ومنذ عام 2007 يشار إليه في مجلس الأمن، خاصة منذ عام 2002، حينما تم التأكيد على استحالة الاستفتاء”.
وتوقع الباحث ذاته أن تتغير موازين القوى داخل الأمم المتحدة، خاصة بعد الموقف الفرنسي، قائلا: “ظل فقط موقف روسيا الذي يمكن أن يختلف إن تغيرت بعض الأرقام الإقليمية، فيما الصين دائما حيادية”، وتابع: “هناك إمكانية لتبني مجلس الأمن مبادرة الحكم الذاتي لكونها الحل الوحيد لضمان الاستقرار”.
وتحدث الأستاذ نفسه عن نجاحات الدبلوماسية المغربية، موردا: “هي دبلوماسية مؤسسات يقودها الملك ولها أجهزة وهياكل تنفيذية، بداية بوزارة الخارجية التي تشترك في الرؤى وفي العمل مع باقي المؤسسات، سواء البرلمان أو المؤسسات الوطنية والأحزاب والمجتمع المدني وحتى الإعلام”.
وأكد العجلاوي أن “هذه الرؤى المتناغمة منبنية على دراسات ترتبط بالعلاقات الدولية، وهي مصالح وإستراتيجيات وتكتيكات”، وزاد أن “المغرب ينظر إلى علاقاته الخارجية من وجهة نظر الموقف من قضية الصحراء، ويرسل رسالة للآخرين مفادها أن قضية الصحراء هي قضية شعب ومؤسسات”.
واسترسل المتحدث ذاته: “هي دبلوماسية مغربية براغماتية لها مبادئ معينة، وتعرف ما هي المنعطفات الدولية، وتستطيع الاستفادة منها لتحقيق مكاسب”، مردفا بأن “الدبلوماسية المغربية ليست دبلوماسية الإعلانات أو الانفعالات مثل دبلوماسية الجيران التي تعد دبلوماسية إعلان وانفعال، ما يفقدها مصداقيتها”.
وذكر الباحث عينه بأن “المغرب دولة لها دبلوماسية عريقة منذ عهد المرابطين والموحدين، ولها وثائق منذ ذلك الحين، وهو فرق كبير مع الجارة التي بدأت دبلوماسيتها بعد الاستقلال”.
من جانبه قال إدريس لكريني، الخبير في العلاقات الدولية، إن “الدبلوماسية المغربية شهدت تطورا كبيرا خلال العقدين الأخيرين”، مردفا: “لاحظنا أن هناك مجموعة من الملامح التي باتت تطبع السلوك الدبلوماسي المغربي أو السلوك الخارجي للمغرب، سواء في ما يتعلق بإرساء دبلوماسية مبادرة أو دبلوماسية تسعى إلى تعزيز شراكتها في عدد من الدوائر الإفريقية والأمريكية والأوروبية والأسيوية، بالإضافة إلى خلق نوع من التوازن ما بين الشراكة التقليدية كما هو الشأن بالنسبة للاتحاد الأوروبي وبعض الدول مثل فرنسا وإسبانيا”.
وأضاف لكريني ضمن تصريح لهسبريس أنه “تم أيضا الانفتاح على قوى دولية أخرى، كالصين، وروسيا وغيرها من القوى التي أصبحت معها العلاقات المغربية الخارجية نوعا ما متوازنة، ولم تعد تصب في اتجاه واحد، أو لم تعد تبالغ في المراهنة على شراكات محددة بعينها كما كان في السابق”.
وأضاف الخبير ذاته: “من ناحية أخرى باتت هذه الشراكات حقيقة، وعلاوة على الانفتاح على القوى الدولية الكبرى هناك كذلك أولوية للعلاقات في إطار جنوب جنوب، وخصوصا بعد الانضمام إلى الاتحاد الإفريقي، الذي عزز من التواجد المغربي داخل هذه الدائرة بصورة أفرزت شراكات جد متطورة، وأيضا ساهمت في تجاوز الصوت الواحد الذي كان متواجدا بخصوص قضية الصحراء المغربية”.
ونبه المتحدث ذاته إلى أن “قضية الصحراء المغربية لم تعد تستأثر باهتمام الدبلوماسية المغربية فقط، بل أضحت محددا حقيقيا لهذه الدبلوماسية، بحيث يعتبر المغرب أنها المنظار الذي يبلور من خلاله سلوكاته الخارجية، ويمر أيضا عبر موقف الشركاء والدول التي طبعا تسعى إلى تمتين علاقتها معه”.
كما أكد الخبير في العلاقات الدولية أنه “من هذا المنطلق يمكننا أن نقول إن المغرب استطاع بهذه الدبلوماسية أن يكون مواقف واضحة”، وتابع: “لاحظنا ذلك في الموقف مع إسبانيا، وفي الموقف مع فرنسا، وأيضا مع الولايات المتحدة الأمريكية. وكذلك الموقف حتى من الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون عندما حاول أن يحرف مهامه بصورة تتنافى مع متطلبات الحياد في شخصية دولية من هذا القبيل”.
واستطرد لكريني: “هذا السلوك الخارجي أصبحت تحدده سياسة براغماتية، من خلال نسج علاقات اقتصادية وتجارية مربحة. وتبين أيضا أن هذه الدبلوماسية كان لها أثر كبير في ما يتعلق بقضية الصحراء المغربية؛ فالكثير من الأزمات في سياق تدبير المغرب هذا الملف استطاع أن يحولها إلى فرصة حقيقية لإعادة النظر في العلاقات وبنائها على أسس قويمة ومتينة، كما هو الشأن بالنسبة للعلاقات مع إسبانيا والعلاقات مع ألمانيا، والعلاقات مع الأمم المتحدة نفسها، والعلاقات مؤخرا مع فرنسا”.
وخلص الخبير ذاته إلى أن “السياسة الخارجية المغربية، ارتباطا بقضية الصحراء المغربية، حققت الكثير من المكتسبات، سواء على مستوى العلاقات الثنائية للمغرب أو حتى من داخل مجلس الأمن الذي أصبحت قراراته منذ 2007 تخدم كثيرا قضية الصحراء المغربية، سواء بالحديث عن استحالة الاستفتاء بالصورة التقليدية والمتجاوزة التي تتحدث بها البوليساريو والجزائر، أو بالإشادة بمبادرة الحكم الذاتي والجهود الواقعية والجدية التي عبر عنها المغرب في هذا الخصوص لحل النزاع، ثم كذلك الحديث عن حل واقعي متوافق عليه، بالإضافة إلى ما قام به المغرب من داخل الاتحاد الإفريقي الذي لم يعد طبعا يتناول هذه القضية باعتبارها قضية من اختصاص مجلس الأمن، المسؤول الرئيسي عن تدبير هذا الملف وعن حفظ السلم والأمن الدوليين”.
وأكد لكريني أن “وجود الموقف الفرنسي، بالإضافة الى الموقف الأميركي الذي يدعم قضية الوحدة الترابية، ستكون له تبعات إيجابية بالنسبة لقضية الصحراء المغربية من داخل مجلس الأمن، هذا المجلس الذي من المنتظر أن تتغير نبرته في اتجاه مواقف أكثر وضوحا وأكثر دعما لقضية الوحدة الترابية”.
المصدر: هسبريس