هل اختفت العائلة الممتدة في المغرب لصالح الأسرة النووية؟ .. خبير سوسيولوجي يجيب
الارتباط بالأرض والفلاحة التي تحتاج إلى سواعد عدد كبير من أفراد الأسرة، وغياب مفهوم الأجر والوظيفة، كانت عوامل كرست، قبل عقود طويلة، مفهوم الأسرة الممتدة في المغرب، التي يحكمها منطق تراتبي بين الأصول والفروع، قبل أن يشهد المغرب تحولات قيمية واقتصادية عصفت بهذا الشكل الاجتماعي لصالح الأسرة النووية.
في هذا السياق، يتقاطع العامل السوسيولوجي والبعد الاقتصادي، حيث يفسر خبراء السوسيولوجيا التحولات التي شهدها مفهوم الأسرة في المغرب بظهور نمط استهلاكي مختلف عن النمط الذي كان سائدًا في الماضي.
محسن بنزاكور، أستاذ علم النفس الاجتماعي، أوضح في تصريح لجريدة “العمق” أن الأسرة الممتدة كانت تمثل الطبيعة الاجتماعية للمجتمع المغربي لأن مصدر العيش في السابق كان مرتبطًا بالأرض، والأخيرة تحتاج إلى اليد العاملة، لذلك كانت الأسرة الممتدة ضرورة من أجل الاستمرار في الحياة، بما أن الإنتاج كان مرتبطًا باليد العاملة.
العنصر الثاني، يضيف الباحث، يتعلق بالفضاء المورفولوجي الذي كان يتيح ما يسمى بالسكن الكبير، مثل المساكن في المدن العتيقة، وهي عبارة عن “رياض” منفتح على الداخل ومنغلق على الخارج، داخل زقاق صغير بأبواب صغيرة، لكن مساحته شاسعة.
بعد التحول الديموغرافي وظهور الأجر، ظهرت بوادر الأسرة النووية، حيث أصبح الدخل محدودًا ومحددًا ولم يعد مرتبطًا بالأرض، ومن تجليات ذلك مدن الصفيح، المساكن الجديدة، والهجرة القروية.
وأشار بنزاكور إلى أن الانبهار بالمدينة وغياب وسائل الترفيه في القرية دفع الشباب إلى الهجرة بحثًا عن العمل في المدينة، وكما يعتقد الشباب اليوم أن أوروبا هي “الكولورادو”، كانوا في السابق يعتقدون أن المدينة كذلك، وهو ما أثر على مفهوم الأسرة.
بُعد آخر ثقافي، يضيف بنزاكور، ساهم أيضًا في تعزيز الأسرة النووية على حساب الممتدة، وهو مرتبط بخروج المرأة للعمل، ومطالبتها بالاستقلالية ورفضها لتحكم الحماة وتقاسم نفس السكن، وفق التراتبية التي كانت سائدة داخل الأسرة، حيث كانت العروس تحت سيطرة الحماة، أو المرأة الأكبر سنًا داخل المنزل، إلى أن تصبح أماً، وهي التمثلات التي ساهمت في تسريع وتيرة ظهور الأسرة النووية.
وأوضح أن الأسر الممتدة في الوقت الراهن أصبحت قليلة، وتتمركز في بعض المدن العتيقة، وفي المجال القروي الذي لا يزال مرتبطًا بالأرض ويحافظ على الثقافة التقليدية، حيث لم تخرج المرأة إلى العمل بمعناه الثقافي، وإن كانت تشتغل في العمل الفلاحي.
وأشار المتحدث إلى أن هناك من يشعر بنوستالجيا للأسرة الممتدة، من باب الحفاظ على العلاقات الممتدة، وليس الأسرة الممتدة نفسها، أي الحفاظ على الروابط بين الأصول والفروع، والأعمام والأخوال، وهو ما بات يظهر جليًا من خلال التعبيرات على مواقع التواصل الاجتماعي.
وسجل بأسف ظهور صراعات وعنف ضد الأصول، موضحًا أن العلاقة التي كانت تحكمها نوع من التراتبية والاحترام والوقار، تكسرت في ظل الأسرة النووية، التي فرضت ظروف العيش داخل فضاء ضيق جدًا، وهو ما كرس حياة مشتركة بين الأصول والفروع، وتجاوز منطق الحاجز الثقافي والمسافة التي كانت تمنع من استباحة التراتبية.
ونبه الباحث إلى أن هناك أسبابًا أخرى أكثر تأثيرًا على مستوى العلاقة بين الأصول والفروع، لا تتوقف فقط عند العوامل الثقافية التي تم ذكرها، بل تتجاوزها إلى تأثير المخدرات وتغير المفاهيم والقيم التي كانت سائدة في المجتمع التقليدي، التي تقابلها اليوم قيم الأنانية والذاتية، والاستقلالية، والحرية، مؤكدًا أن نمط الاستهلاك ساهم في تشكيل طبيعة هذه العلاقة.
المصدر: العمق المغربي