يتحول مفهوم “إرادة الحياة” عند شوبنهاور على يد نيتشه إلى “إرادة القوة”، التي تمثل القوة الدافعة لكل الحياة والأفعال. ومن خلالها يتم رفض القيم التقليدية التي تضع حدوداً على الحياة، واستبدالها بقيم تدعم التجدد والإبداع والتفوق على الذات. وتحمل هذه العملية ضرورة “إعادة تقييم كل القيم”؛ لأنها تتخلص من القيم القديمة التي أدت إلى “العدمية” أو فقدان المعنى.

فإرادة القوة النيتشية تؤسس حقاً لتأسيس جديد للقيم، فهي تمثل إعادة تقييم شاملة لكل القيم التقليدية التي يراها نيتشه قد أصبحت مريضة وميتة. وهو يتحدث عن “إعادة تقييم كل القيم” التي يجب أن تنبثق من خلال قوة الإرادة المعززة للحياة والقوة. وليست هذه القيم الجديدة مجرد رفض للقيم التقليدية، بل هي خلق لقيم تتناسب مع الإنسان الجديد الذي سيتميز بالقوة والإبداع، وسيكون قادراً على تخطي المقبل.

وفي المقابل، يرى هايدجر في كتابه “الفلسفة، الهوية والذات” أن التفكير القائم على القيم هو نفسه نوع من “النسيان الوجودي”، وأن القيم التقليدية تعيق ظهور الحقيقة الجوهرية للأشياء كما هي. وهايدجر ينتقد أيضاً القيم المعاصرة لتبعيتها لذاتية عصرية مهيمنة، ولكنه لا يقدم مشروعاً لإعادة تقييم القيم على طريقة نيتشه، بل يدعو إلى العودة إلى انفتاح أصيل على الوجود يتجاوز التفكير القيمي ذاته.

إن نيتشه يؤسس لتأسيس جديد نقدي وإبداعي للقيم بشكل مباشر ومنهجي، في حين أن هايدجر ينتقد القيم التقليدية ضمن إطار أوسع لإعادة التفكير في معنى الوجود، ويرى أن هذه القيم تمثل عائقاً أمام انكشاف الوجود بجدية، لكنه لا يتبنّى مشروع إعادة تأسيس قيم جديدة على النمط النيتشوي.

وهايدجر يرى أن التفكير المرتبط بالقيم هو شكل من أشكال الغفلة عن الوجود الحقيقي. فالقيم في نظره أدوات تعيق ظهور الحقيقة الكامنة للأشياء، إذ يعيش الإنسان المعاصر في حالة “سقوط” حيث يستسلم للقيود الاجتماعية والتقاليد بدلاً من الوعي الأصيل بوجوده. وهو لا يقدم إعادة تأسيس للقيم، بل يدعو إلى عودة الإنسان إلى “السؤال عن الوجود” خارج إطار القيم المعاصرة والتقاليد الفلسفية الموروثة.

وبالمقارنة بين نيتشه وهايدجر حول القيم، سنجد أن موقفهما من القيم التقليدية هو الرفض التام لها؛ لأنها تشكل عائقاً أمام فهم الوجود. يدعو نيتشه إلى قيم جديدة إبداعية مؤسسة على إرادة القوة، مما يحفز على التأمل العميق حول الوجود خارج إطار القيم السائدة. فتجاوز العدمية يتم عبر رفض القيم القديمة وخلق قيم جديدة كمرحلة في فهم الوجود. والهدف الأساسي هو خلق إنسان جديد قوي مبدع مستيقظ لوجوده.

وبعبارة موجزة، فإن إرادة القوة عند نيتشه تؤسس لتأسيس جديد للقيم يكون مضاداً للقيم التقليدية، ويدعو إلى تجاوزها بطريقة إبداعية. بينما ينتقد هايدجر القيم التقليدية على أساس أنها تحجب الحقيقة الجوهرية للوجود، ولكنه لا يقدم تأسيساً جديداً للقيم بنفس الطريقة، بل يشجع على العودة إلى انفتاح أصيل على الوجود.

أما هايدجر فينتقد القيم التقليدية ضمن إطار أوسع لإعادة التفكير في معنى الوجود، ويرى أنها تمثل عائقاً أمام انكشاف الوجود بجدية، لكنه لا يتبنّى مشروع إعادة تأسيس قيم جديدة على النمط النيتشوي.

إن هايدجر يرى أن التفكير المرتبط بالقيم هو شكل من أشكال الغفلة عن الوجود الحقيقي. فالقيم في نظره أدوات تعيق ظهور الحقيقة الكامنة للأشياء، والإنسان المعاصر يعيش في حالة “سقوط” حيث يستسلم للقيود الاجتماعية والتقاليد بدلاً من الوعي الأصيل بوجوده. وهو لا يقدم إعادة تأسيس للقيم، ولكنه يدعو إلى عودة الإنسان إلى “السؤال عن الوجود” خارج إطار القيم المعاصرة والتقاليد الفلسفية التي ورثها.

لذا، نرى أن المعنى الفلسفي لكلمة “المقبل” في سياق المستقبل عند نيتشه يشير إلى زمن أو جيل قادم لم يأتِ بعد، يتميز بأنه مختلف عن الحاضر وسيتجاوز قيمه وقضاياه. فهو كان يرى نفسه فيلسوفاً للغد، يخاطب “الفلاسفة المقبلين” أو “فلاسفة المستقبل”، أي الذين سيأتون بعده ويعملون على تأسيس قيم وأفكار جديدة تحمل الإنسان إلى مستوى أرقى. فالمستقبل هنا ليس فقط زمناً قادماً، وإنما هو أفق لتجديد الإنسان والثقافة والفلسفة، حيث يقوم هذا الجيل الجديد بقلب القيم ونقد الحداثة والعبور إلى ما بعد العدمية. ولا شك أن هذا التصور يحمل في طياته إحساساً بالاغتراب عن الحاضر، لكونه يشعر بأنه يأتي “عبر غير أوانه” ولأنه يصبو إلى زمن لم يولد بعد، زمن يحمل تحولاً جذرياً في الوعي والفكر. بعبارة أخرى، فـ”المقبل” هو رمز للفرد أو الجيل الذي يحمل شعلة التغيير والنهضة التي يتطلبها الزمن القادم لخلق انسجام جديد مع الحياة والقيم.

وبالمجمل، فـ”المقبل” في فلسفة نيتشه يعني الإنسان أو الفيلسوف الذي يستشرف المستقبل ويعدّ العدة له بتأسيس قيم وأفكار جديدة تتجاوز القيم التقليدية الحالية.

المصدر: هسبريس

شاركها.