“هكذا فكر عزيز بلال”.. العوفي يعيد الاعتبار لرائد الفكر الاقتصادي بالمغرب

بعنوان “هكذا فكر عزيز بلال”، يهتم أحدث مؤلفات الاقتصادي نور الدين العوفي بأحد الأعلام المغاربة في الدراسات الاقتصادية، من أجل توضيح راهنية إسهامه وتصويب نوع من “الفهم غير الدقيق” لبعض أفكاره والتعريف بأهم أعماله في صفوف الأجيال الجديدة من الباحثين والقراء.
كتاب أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط، الذي من المرتقب صدوره باللغة الفرنسية السنة الراهنة 2023، قال كاتبه، في تصريح لهسبريس، إن أول ما دفعه إلى إعداده “التعريف، من باب العرفان والاعتراف، باقتصادي مغربي يُعتبر من رواد المدرسة الاقتصادية المغربية، أنجز أطروحة من المستوى الرفيع حول الاستثمار في المغرب سنة 1965، تُوجت بجائزة أفضل أطروحة بجامعة غرونوبل، ونشرت أولا في دار نشر فرنسية، وبعد ذلك في المغرب”.
وأضاف العوفي: “لاحظت كأستاذ، أن أعماله لم يعد يعرفها حتى طلبة الدكتوراه، بالرغم من أهميتها وبالرغم من أنه من مؤسسي الاقتصاد السياسي بالمغرب”، فجاء هذا الكتاب “للمساهمة في محو بعض من هذه الأمية الاقتصادية، سواء عند الطلبة أو لدى عموم القراء”، لافتا في هذا السياق إلى أن “الكتاب مُوجه إلى شريحة واسعة من القراء، ولا يقتصر على شريحة الاقتصاديين”.
وذكر نور الدين العوفي أن هذه العودة إلى أطروحات بلال يدفعها الوعي بـ”راهنيتها القوية”، وأنه قد سعى في عمله هذا إلى تطويرها “في ضوء التطورات التي عرفتها بلادنا لاحقا”، وأيضا بالإحالة إلى “التصور الافتراضي” للراحل عزيز بلال لـ”النموذج التنموي الجديد”، بقراءة “استحضارية واستشرافية”، و”دون الإخلال بشمولِ فكره، وانسجام تحليلاته الاقتصادية فيما يخص المغرب”.
ومن بين ما يستعرضه هذا الكتاب “مسألة الاستثمار الوطني” التي أولاها بْلال “أهمية قصوى، مقارنة بالاستثمارات الأجنبية التي لها دور مُكمل”، مع دعوته إلى “الاستثمار في البنيات التحتية وتطوير الصناعة الوطنية، والارتقاء بالإنسان”، فقد كان “دور الدولة أساسيا بالنسبة إليه، في حد ذاته، وفي التحفيزات التي تمنحها وتواكب بها القطاع الخاص”؛ وهو ما “أخطأَت بعض القراءات في استيعابه”، فهو “يعطي الأولوية للقطاع العام من أجل القطاع الخاص، لا على حسابه”.
ومن بين النقط التي يقف عندها الكتاب الاهتمام الخاص الذي كان الراحل يوليه لـ”السيادة الاقتصادية الوطنية”. كما توقف عند “القراءة الاقتصادوية” لكتاب “الاستثمار”؛ قائلا: “هي قراءة خاطئة ومجانبة لفكر عزيز بلال الذي كان يشمل الفعل السياسي والثقافي والاجتماعي في التنمية”، ويعطي للاستثمار غير المادي مكانة لا تقل عن الاستثمار المادي، حيث خص “التنمية والعوامل غير الاقتصادية” بـ”كتاب بمثابة تكملة لكتاب الاستثمار”، ولا ينبغي أن يُقرأ الأول بعيدا عن الثاني.
إذن، تصور بلال لم يقتصر على البعد الاقتصادي، بل سجل أيضا أهمية “المشاركة السياسية الديمقراطية”، وما يسمى اليوم بـ”الحكامة الجيدة”، ولو أن هذا المصطلح لم يكن متداولا آنذاك، وسطر على “الدور الاجتماعي المتمثل في الاهتمام بالمواطن وخاصة الطبقات المعوزة، ودور الدولة في التنمية الاجتماعية، بإيلاء الأهمية لتلبية حاجيات المواطن من تربية وصحة ومرافق اجتماعية، وبسهرها على إعادة توزيع الثروات، والحد من الفوارق الصارخة”.
ويرى العوفي أن عزيزا بلال قد اهتم أيضا بالجانب الثقافي عموما، وبالثقافة الوطنية، والشعبية على وجه الخصوص وبمشاركة المواطن في التدبير وإشراكه في أخذ القرار؛ ذلك أن “السياسات الاقتصادية لا تكون منتجة وناجعة بالوجه المطلوب خارج محيطها الاجتماعي، ودون اعتبار للخصوصيات الثقافية”؛ فـ”المجتمع المغربي مجتمع مركب، تُجاور فيه القطاع الرأسمالي قطاعات إنتاجية أخرى لا تشتغل بنفس الأنماط، ولا تحدوها نفس القيم”.
المصدر: هسبريس