هكذا حسمت لجنة تعديل مدونة الأحوال الشخصية جدل “بنوّة الأمومة” بالمغرب
موازاة مع النقاش العمومي الدائر حول إصلاح مدونة الأسرة، تنشر جريدة هسبريس الإلكترونية تفاصيل النقاشات التي دارت بين أعضاء اللجنة الملكية الاستشارية لمراجعة مدونة الأحوال الشخصية، برئاسة إدريس الضحاك، حول مختلف القضايا المضمّنة في المدونة كما هي مضمّنة في مجلّد “الأعمال التحضيرية لمدونة الأسرة، ونخصص هذه الحلقة لمسألة بنوّة الأمومة.
دفاع عن المرأة المغتصبة
حظي مشكل الطفل الناشئ عن الاغتصاب بنقاش واسع من طرف أعضاء اللجنة الملكية الاستشارية المكلفة بمراجعة مدونة الأحوال الشخصية، حيث أثارت العديد من الجمعيات والهيئات هذا المشكل خلال لقائها مع اللجنة، مطالبة بإيجاد حل لهذا المشكل بعناصره الثلاثة: الضحية المغتصبة من جهة، والحمل الناشئ عن هذا الفعل الجرمي، وحرمان الوليد الذي لا ذنب له من حق النسب من جهة أخرى.
وبرزت آراء من داخل اللجنة تصبّ بالأساس في مصلحة الأم المغتصبة والطفل الناتج عن هذا الفعل الجرمي، وتحميل الأب المسؤولية، حيث قال عضو إن القانون المعمول به في المغرب “يكرّس اللا مسؤولية في مجال الرذيلة”.
واعتبر أن “المرأة في إطار العلاقة غير الشرعية هي الوحيدة التي تتحمل المسؤولية فيما يخص الطفل الناتج عن هذه العلاقة، إذ تُعتبر هي المذنبة، في حين أن الأمر يتعلق برجل وامرأة متساويين في الخطأ والذنب، ذلك أن القرآن الكريم يتحدث عن الزاني والزانية وكلاهما يُحمّلهما نفس المسؤولية ونفس العقوبة، وأول ضحية في هذا الباب هو ذلك الطفل الذي سيُنعت طول حياته بابن الزنى”.
ودافع عضو آخر عن ضرورة إجبار المُغتصِب على التكفل بالطفل الناتج عن هذا الفعل الجرمي، الذي ليس للمرأة ذنب فيه “حتى نجعلها تتحمل النتيجة لوحدها في مسألة حدثت دون رضاها”، مضيفا أن “هناك في الشرع ما يسمى بالتعزير، كما أن الحديث الشريف يقول: (الضرر لا يُزال)، لهذا يجب العمل على إيجاد حل لإزالة هذا الضرر الذي لحق الفتاة”.
وحسب ما هو مدون في مجلّد الأعمال التحضيرية لمدونة الأسرة الذي تتوفر عليه هسبريس، فقد دافع عدد من أعضاء اللجنة باستماتة عن المرأة في مسألة البنوّة والنسب، إذ استغرب عضو باللجنة “إمكانية قبول إقرار الأب بالأبوة لطفل ما، دونما اشتراط أنه كان متزوجا بأمه، ودون اشتراط حتى موافقة المقرّ به، بل هناك بعض الفقهاء الذين لا يشترطون في ذلك حتى إقرار الأم”.
وأضاف: “في الوقت الذي يقبل فيه بإقرار الأب بأبوته لشخص معين بشكل مطلق دون قيد أو شرط، يرفض إقرار الأم بأمومتها بعد تقديمها لما يثبت ادعاءها، بما في ذلك مقارنة الصنف الدموي والبصمات الوراثية”.
ونبه عضو اللجنة ذاته إلى أن “هناك عدة حالات حملِ فتيات عازبات مع تخلي الأب عن المولود، ونظرا لظروفهن من صغر السن والخوف من ردود فعل عائلتهن والمجتمع عامة، وعدم توفر أبسط الإمكانيات لتربية المولود، تتخلى هؤلاء الأمهات عن أطفالهن وقت الولادة أو مباشرة بعدها”.
وأكد أن “الفائدة من تمكين الأم بإقرار أمومتها لولدها تتجلى أساسا في عدم ضياع الطفل، وضمان عيشه في ظروف أحسن مما لو بقي في الشارع أو أُدخل إلى الملجأ (مركز الرعاية الاجتماعية)”.
وتساءل عضو آخر عن سبب عدم الإقرار ببنوة الأم، رغم أنها هي التي “تحمل بالولد تسعة أشهر ببطنها ثم تأتي مرحلة الوضع والإرضاع، وأن هذه المدة الزمنية تجعل الأم معروفة”، متسائلا: “إذا كان الولد ناتجا عن علاقة بين رجل وامرأة، فكيف يكون شرعيا بالنسبة لأحدهما وغير شرعي بالنسبة للآخر؟”.
وأضاف أن المنطق “يقتضي إعمال القياس في حالة الاعتراف للأم بنسبة الولد غير الشرعي على حالة الاعتراف للأب بنسبة الولد غير الشرعي، ما دام أنه لا يوجد اختلاف في الحكم الشرعي بين الرجل والمرأة المخاطبين معا على قدم المساواة بآية تحريم الزنا والعقاب عليه بنفس العقوبة”، متسائلا: “ما هو أساس هذه التفرقة إزاء فعل واحد تكون نتيجته الولد شرعيا بالنسبة للأم وغير شرعي بالنسبة للأب؟”.
ونبه إلى أن ظاهرة الأطفال المتخلى عنهم تنامت بشكل ملفت للنظر في المجتمع المغربي وتدعو إلى القلق، وبعدم معرفة أصول وآباء هؤلاء المتخلى عنهم “سنجد الرجل متزوجا بابنته والمرأة متزوجة بأخيها، وهلم جرا”.
تحفّظ على بنوّة الأمومة
في المقابل، عبر أعضاء آخرون في اللجنة عن تحفظهم على مسألة بنوة الأم، إذ قال أحد الأعضاء إن اعتناء الشريعة الإسلامية بهذا الموضوع وعدم تشددها في القيود المتعلقة بإقرار الأب كان الهدف من ورائه استقرار الأسر وتمكين الناس من معرفة أنسابهم، وما يترتب عن ذلك من الحقوق المقررة في الشريعة الإسلامية (النسب، التوارث …).
ولفت إلى أن الإقرار بالنسبة للأم مختلف، “لأن الأمر قد يؤدي إلى إقحام شخص غريب وإدماجه في عائلة غير عائلته”، مضيفا أن الحديث عن إقرار الأم بالبنوة مع عدم خضوعه لكل تبعات وآثار النسب من إرث وغيره، فإنه سيؤدي إلى مشاكل وخيمة تعود بآثار سلبية على الولد حين سيُعزل من الأسرة باعتبار وجوده كان صوريا ووهميا، وهذا سيكون أشدّ نكاية على الطفل مما لو تُرك بلا نسب”.
موقف مثير عبّر عنه العضو ذاته، بدعوته إلى استبعاد البصمات الوراثية في ثبوت النسب، بداعي أن “العلم مهما كان متقدما، فإنه لا يمْكن مع ذلك الجزم بأن كل الشواهد الطبية الصادرة عن الجهات المختصة سليمة ولم يقع التحايل في شأنها”.
في السياق ذاته، قال عضو آخر من “التوجه المحافظ” باللجنة الاستشارية لتعديل مدونة الأحوال الشخصية، إن ادّعاء أم أمومتها لولد مجهول الأبوين يتطلب وجود قرائن ثابتة تمكّن من إلحاق هذا الولد بها، حتى لا يفتح الباب على مصراعيه ويتم التشجيع على كثير من حالات الزنا، وعلى انحلال المجتمع وانعدام القيم الاجتماعية، مما سيؤدي إلى تناقض في سياسة الدولة الاجتماعية من جهة التشجيع على تحديد النسل وتنظيمه، ومن جهة أخرى التشجيع على الزنا وأبناء الزنا”.
وشدد على أن “الأم إذا أرادت ادعاء أمومتها لولد، فيجب أن تتوفر لديها قرائن قوية ترتكز عليها كالإشهاد لها بالحمل، وبالوضع والرضاعة للطفل، إلى غير ذلك، ولا مكان للعاطفة في هذا الموضوع”.
التباين الكبير في مواقف أعضاء اللجنة الاستشارية لتعديل مدونة الأحوال الشخصية حول مسألة النسب، دفع اللجنة إلى تشكيل لجيْنة مكونة من أربعة أعضاء تولّت دراسة الموضوع، وقدمت مقترحها في شأنه، حيث تم التنصيص كما هو وارد في المادة 147 من مدونة الأسرة على: “تثبت البنوة بالنسبة للأم عن طريق:
واقعة الولادة
إقرار الأم
صدور حكم قضائي بها
تعتبر بنوة الأمومة شرعية في حالة الزوجية والشبهة والاغتصاب”.
المصدر: هسبريس