هكذا حسمت لجنة تعديل مدونة الأحوال الشخصية مطلب التعصيب في الإرث
قد لا يعرف كثير من المغاربة أن التعصيب في الإرث، الذي هو مثار جدل كبير في النقاش العمومي الدائر حول مدونة الأسرة حاليا، قد طاله تغيير منذ سنة 1962، حيث تنازلت الدولة، بموجب ظهير، عن حقوقها الإرثية بصفتها وارثة بالتعصيب.
وجاء في الظهير المذكور: “إذا كان للدولة حقوق إرثية بصفتها وارثة بالتعصيب، فإن الحظ الذي ينوب بيت المال يتخلى عنه للورثة الفرضيين إن كانوا موجودين، فإذا لم يوجد ورثة فرضيون، فإن السلطة المكلفة بالأملاك العمومية تحوز الميراث لفائدة بيت المال (الخزينة العامة)”.
وبالرغم من أن دولا أخرى ألغت التعصيب، بداعي حماية حقوق بنات المتوفى في حالة عدم وجود أبناء ذكور، كما هو الحال في تونس، إلا أن النقاش حول هذا الموضوع في المغرب توقّف عند حدود تنازل الدولة عن حقها، ويبدو أنه غير قابل لتطويره.
تكشف الأعمال التحضيرية لمدونة الأسرة، المدوّنة في مجلد من 952 صفحة، استحالة التفاعل الإيجابي مع مطالب الجمعيات الحقوقية المطالبة بإلغاء التعصيب من الناحية الشرعية، وهو الموقف الذي عبّرت عنه اللجنة الاستشارية التي أشرفت على تعديل مدونة الأحوال الشخصية.
وتباينت آراء أعضاء اللجنة حول مسألة التعصيب بين داعٍ إلى إلغائه، سيرا على درب دول أخرى، ومشدد على رفض هذا التوجه، وهو ما زكّاه رئيس اللجنة، إدريس الضحاك، بالقول إنه من الناحية الشرعية “لا يمكن أن يوجد له (التعصيب) حل”.
غير أنه من ناحية الانعكاسات السلبية على الأسرة، قالت اللجنة إنها ستحاول أثناء مناقشة الإجراءات التي تُنجز أثناء وفاة الموروث أن تقترح الحلول، على أن يتم ضبط بعض المسائل كتحديد المسؤول عن الجرد وقسمة التركة بشكل صحيح… وذلك تجنبا لما يقع أحيانا من الانتقام من أسرة الموروث، وخاصة من بناتها.
ويعلل المطالبون بإلغاء التعصيب في نظام الإرث بالمغرب مطلبهم هذا بكون “قانون المواريث يعطي الحق للرجل في الاستفادة من الإرث كاملا في حال كان الوريث الوحيد، بينما لا تستفيد المرأة من هذا الحق، إذ ترث فقط نصيبا مقدّرا معلوما يسمى فرضا، مما يعني أن الوارثات اللواتي ليس معهن شقيق ذكر، ينبغي عليهن تقاسم الإرث مع الذكور الأقربين من إخوة وأبناء إخوة وأعمام وأبناء عم وإن بعدوا”، كما جاء في نداء وقعته عدد من الهيئات والشخصيات.
هذا التوجه أيده أعضاء في لجنة تعديل مدونة الأحوال الشخصية، الذين دعوا إلى الحذو حذو العراق وتونس، اللتين حذفتا التعصيب من نظام الإرث، حيث اقترح أحد أعضاء اللجنة إثارة الموضوع في المذكرة التي ستُرفع إلى الملك إذا لم تتمكن اللجنة من معالجته، بحسب ما جاء في الأعمال التحضيرية لمدونة الأسرة.
وقال عضو آخر من مؤدي إلغاء التعصيب في نظام الإرث: “إن الأسرة حاليا، شئنا أم كرهنا، وقع فيها نوع من التشتيت، ولم تعد العصبة تحمي فتيات يتيمات، فالقضية هنا اجتماعية وبعض القوانين العربية وجدت لها حلولا ملائمة علينا الاقتداء بها إن كان من الممكن الاجتهاد في هذا الباب”.
وبين الرأي المحافظ الرافض للمس بالتعصيب في نظام الإرث بالمغرب، والرأي المؤيد لتعديله، حسمت اللجنة موقفها، بعد تدارس الموضوع من جميع جوانبه، بتأكيد رئيسها، إدريس الضحاك، أن هذا الموضوع من الناحية الشرعية “لا يمكن أن يوجَد له حل”.
المصدر: هسبريس