اخبار المغرب

هكذا أسقطت جمعيات المجتمع المدني “تكثير سواد الأمة” من مدونة الأسرة

مناقشات مستفيضة، أخذ ورد، وتدقيق في التفاصيل خضعت لها مواد مدونة الأسرة الحالية، قبل إقرار اعتمادها من طرف الملك، ودخلت حيز التنفيذ سنة 2004، بعد التعديل الذي خضعت له مدونة الأحوال الشخصية.

وتكشف الأعمال التحضيرية لمدونة الأسرة التي جرى توثيقها من طرف اللجنة المكلفة بتدوينها، برئاسة إدريس الضحاك، رئيس اللجنة الاستشارية المكلفة بمراجعة مدونة الأحوال الشخصية، أن المناقشات المعمقة التي أشرفت عليها اللجنة لم تشمل فقط جوهر المدونة، بل انصبت أيضا على “الشكل”، بدءا من اسمها، الذي تم تغييره من “مدونة الأحوال الشخصية” إلى “مدونة الأسرة” كما تسمى حاليا.

ولعبت جمعيات المجتمع المدني دورا أساسيا في تعديل مدونة الأحوال الشخصية في قسم الخطبة والزواج وإعادة صياغة المادة الرابعة من المدونة، وبالأخص العبارة “مع تكثير سواد الأمة”، على اعتبار أنها تركز على تكثير النسل كإحدى الوظائف الرئيسية لتأسيس الأسرة، وأن الوظيفة البيولوجية للأسرة هي مسألة طبيعية ولا داعي للتنصيص عليها قانونا.

وعللت الجمعيات رفضها لوجود عبارة “مع تكثير سواد الأمة” في نص المدونة، بكون الإكثار من النسل أو التقليل منه هو مسألة تدخل في إطار الحرية التي يتمتع بها كل من الزوج والزوجة في إطار من التفاهم بينهما، ولا دخل للمشرع في ذلك.

كما عللت موقفها بكون التركيز على إعطاء الزواج وظيفة “تكثير سواد الأمة” يتنافى مع سياسة التخطيط العائلي التي اتبعها المغرب منذ الستينات نظرا لما يترتب عن النمو الديمغرافي غير المعقلن من تحديات لتنمية المجتمع، وأن التنصيص على “تكثير سواد الأمة” يتنافى مع هذه السياسة.

ورأت الجمعيات أن المدونة عندما تجعل “تكثير سواد الأمة” إحدى الوظائف الأساسية للزواج، “فهي تكرّس مبدأ كان صالحا في بداية الدعوة الإسلامية، عندما كان المسلمون في حاجة إلى الإكثار من النسل لتعزيز الأمة لكي تواجه عدديا خصومها”.

واعتبرت أن “تكثير سواد الأمة”، “لم يعد اليوم من أولويات المسلمين، خصوصا أن عددهم اليوم في العالم يناهز المليار نسمة، بمعنى أن التكاثر حاصل، وأن ما يعاني منه أغلب المسلمين في العالم هو الفقر وضعف الإمكانات المادية الضرورية لتحقيق تنمية تتوازن بين الموارد وعدد السكان”.

وكانت المادة الرابعة من مدونة الأحوال الشخصية تنص على أن “الزواج ميثاق ترابط وتماسك شرعي بين رجل وامرأة على وجه البقاء، غايته الإحسان والعفاف مع تكثير سواد الأمة بإنشاء أسرة تحت رعاية الزوج على أسس مستقرة تكفل للمتعاقدين تحمّل أعبائها في طمأنينة وسلام وود واحترام”.

وعبرت الجمعيات أيضا عن تحفظها على عبارة “تحت رعاية الزوج”، حيث تساءلت إن كان من الضروري التنصيص على رعاية طرف دون آخر، وعن الآثار القانونية لهذا التنصيص، كما اعتبرت أن قوانين الأحوال الشخصية في جل المجتمعات الإسلامية “لا تنص على أن الهدف من الزوج هو إنشاء أسرة تحت رعاية الزوج”.

واختلف أعضاء اللجنة الاستشارية المكلفة بتعديل مدونة الأحوال الشخصية حول مسألة إعادة صياغة عبارتي “تكثير سواد الأمة” و”تحت رعاية الزوج”، حيث اقترح بعضهم إعادة الصياغة، في حين رأى آخرون الإبقاء على العبارتين.

واعتبر فريق من اللجنة الاستشارية أن الإسلام يدعو إلى تكثير النسل ولكن لا يوجبه أو يحتّمه، وأن الأمر متروك للزوجين حول طريقة تنظيمه.

ولجأت اللجنة إلى الخطة التي نهجتها في اعتماد مقترحاتها، وذلك إما أن تكون بالإجماع أو بالتوافق أو بترجيح رأي الأغلبية مع تسجيل ملاحظات أو تحفظات بعض الأعضاء إن وُجدت.

ويظهر من خلال ما تم توثيقه في كتاب الأعمال التحضيرية لمدونة الأسرة، الاختلاف في الرأي بين الأعضاء “المحافظين” ونظرائهم “الحداثيين”، حيث تحفظ أعضاء من الطرف الأول عن إسقاط “تكثير سواد الأمة” إن كان الأمر سيمس بالمبادئ الشرعية، كما تمسكوا بـ”قوامة” الرجل.

واعتبر أحد الأعضاء أن الرهان المستقبلي هو رهان على العنصر البشري، وأن القضية الديمغرافية هي عنصر أساسي في هذه المعادلة، وأن قضية تحديد النسل “هي قضية مفتعلة لها أهداف غير معلنة، لذا يجب الابقاء على مبدأ تكثير سواد الأمة، لأنه لا يخلق أي مشكل”.

في المقابل، اعتبر عضو من التوجه “الحداثي” أن وضع مدونة أسرة ملائمة للقرن الواحد والعشرين، تقنن للعلاقات الأسرية المستمدة من الشريعة الإسلامية، ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار كل التحولات التي عرفها المجتمع الإسلامي منذ أربعة عشر قرنا.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *