هذه مؤشرات “اندحار” أساليب إقناع الجزائر بأطروحة جبهة البوليساريو
![](https://alarabstyle.com/wp-content/uploads/2025/02/Le-Ghana-choque-l-Algerie.jpg)
بينما يواصل النظام الجزائري إنفاق موارده لدعم جبهة البوليساريو الانفصالية ومحاولة الضغط على دول أخرى من أجل دعم أطروحته في هذا النزاع المفتعل فإن النتائج تأتي دائماً عكس توقعات قصر المرادية.
فبعدما أقر رئيس المجلس الشعبي الوطني الجزائري (الغرفة الأولى للبرلمان)، إبراهيم بوغالي، بعجز بلاده عن تغيير موقف غانا المستجد من قضية الصحراء المغربية، وذلك خلال استقباله من قبل رئيس برلمانها ألبان سومانا كينغسفورد باجبين، على هامش مشاركتهما في الدورة الثالثة من “حوارات أفريقيا حول الازدهار 2025” التي احتضنتها العاصمة الغانية أكرا، أتى اعتراف الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، نفسه بعدم قدرته على ثني الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن موقفه الأخير بخصوص الصحراء المغربية، رغم محادثات دامت أكثر من ساعتين ونصف الساعة خلال قمة مجموعة السبع.
وقال تبون لصحيفة “لوبينيون” الفرنسية: “تحدثنا مع الرئيس ماكرون لأكثر من ساعتين ونصف (الساعة) على هامش قمة مجموعة السبع في باري، يوم 13 يونيو الماضي.. أخبرني حينها بأنه سيقوم بخطوة للاعتراف بمغربية الصحراء الغربية، وهو ما كنا نعلمه بالفعل. لقد حذرته حينها: ‘أنتم ترتكبون خطأً جسيماً! لن تكسبوا شيئاً وستفقدوننا. كما أنكم تنسون أنكم عضو دائم في مجلس الأمن، وبالتالي حامي الشرعية الدولية، في حين أن الصحراء الغربية هي قضية تصفية استعمار للأمم المتحدة لم يتم حلها بعد”.
ويرى مراقبون أن هذه الاعترافات تكشف “ضعف أساليب الإقناع” لدى النظام الجزائري في قضية الصحراء المغربية التي استعملها على مدى العقود الماضية. كما تظهر هذه التطورات بوضوح أن النظام الجزائري “يواجه أزمة دبلوماسية خانقة” في مواجهة الحقائق الدولية المتزايدة التي تؤكد مغربية الصحراء.
في هذا السياق اعتبر حسن رامو، أستاذ باحث بالمعهد الجامعي للدراسات الإفريقية والأورومتوسطية والإيبروأمريكية التابع لجامعة محمد الخامس، أنه يسهل على أي متتبع أو حتى طالب إجازة مهتم بموضوع علاقات الجزائر الخارجية فهم “حجم الفشل الكبير الذي تعيشه الجارة الشرقية وعزلتها الدولية، ما يعود أساسا إلى حشر أجندتها الخارجية في قضية الصحراء المغربية رغم ادعائها عدم ارتباطها بالقضية”.
وأضاف رامو، ضمن تصريح لهسبريس، أنه “لإعادة قراءة السياسة الخارجية للجزائر، على الأقل منذ تولي محور تبونشنقريحة السلطة، يتضح مدى الفشل المتراكم، بل وتأكيد النظام الجزائري على دوره المباشر في قضية الصحراء المغربية وتلاعبه بمصير آلاف الصحراويين على مدى عقود، وذلك بالاعتماد على موارد الشعب الجزائري الطاقية”.
وأشار الباحث ذاته في هذا السياق إلى “عقود الغاز الجزائرية التفضيلية مع إسبانيا بأسعار منخفضة سنة 2020 لاستمالتها في القضية، فيما أعقبتها زيارة رئيس الحكومة الإسبانية إلى المغرب في مارس واعتراف بلاده سنة 2022 بالحكم الذاتي تحت السيادة المغربية”، وزاد: “المنحى نفسه سجل مع ألمانيا التي وقعت مع الجزائر عقد تعاون طاقي سنة 2015، مع اتفاق لتصدير الغاز في فبراير 2024، ومع ذلك اعترفت برلين في غشت 2022 بوجاهة الحكم الذاتي كحل وحيد لقضية الصحراء المغربية، وهو ما دفع الجزائر مرة ثانية لعقد اتفاق بعقود متوسطة الأمد مع شركة في إن جي الألمانية في دجنبر 2022 لتعيد ألمانيا تجديد تأكيدها على موقفها الثابت من قضية الصحراء المغربية في دجنبر 2023؛ ليتكرّر الأمر مع سلوفينيا في اتفاق غازي جزائري في 2022 تبعه تأكيد وزيرة الشؤون الخارجية والأوروبية بهذه الدولة على وجاهة الحكم الذاتي كحل للقضية في يونيو 2024”.
ويرى المتحدث ذاته أنه “إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ظروف الاتفاقات الغازية المعلنة، خاصة بعد أزمة كوفيد19 وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وما صاحب ذلك من ارتفاع لأسعار الغاز، سنتمكن من رصد حجم فشل النظام الجزائري الحالي في الحصول على مواقف سياسية تتماشى مع سياسته العدائية للمغرب؛ بينما حُرم الشعب الجزائري من عوائد مالية مهمة لهذه الاتفاقات”، مذكّراً في هذا السياق بتقارير عن “حصول فرنسا على زيادة هامة في صادرات الغاز من الجزائر بأسعار تفضيلية عقب زيارة ماكرون للجزائر في غشت 2022 قبل تأكيد فرنسا مغربية الصحراء في ما بعد”.
وعلى المستوى الإفريقي أكد رامو أن “الفشل نفسه يصاحب اختيارات حكام ‘الجزائر الجديدة’ بتوظيفهم موارد الشعب الجزائري وآليات أخرى غير الغاز، بل وفي أحيان كثيرة عائدات الغاز المالية وبطرق مريبة”، محيلاً على “إلغاء الجزائر ديون 14 دولة إفريقية دون الحصول منها على مواقف سياسية مؤيدة لموقفها، بينما حصلت، في بعض الحالات، على نتائج عكسية، كما هو الشأن بالنسبة لكل من البنين وبوركينافاسو والكونغو وإثيوبيا وغينيا بيساو وموريتانيا”.
وخلص الأستاذ الجامعي ذاته إلى التأكيد على أن “النجاح المغربي في قضية الصحراء يعزى إلى حكمة الدبلوماسية الملكية والتنفيذ السليم من المؤسسات المغربية؛ فيما يتجلى فشل النظام الجزائري، خاصة خلال فترة محور تبونشنقريحة، في عدم قدرته على استغلال الموارد المتاحة وتكييف سياسته مع التطورات الدولية والإقليمية، وفي عدم فهمه للوضع الجهوي وعدم استغلال اليد الممدودة من المغرب لحل الخلاف”، مشدداً على أنه “كان من الأجدر للنظام الجزائري البحث عن حلول للتخلص من أزمة البوليساريو التي كلفت الجزائر الكثير على مدى نصف قرن”.
من جانبه أشار بوسلهام عيسات، باحث في الدراسات السياسية والدولية، إلى أن “جميع المؤشرات تدل على فشل النظام الجزائري في تسويق عقيدته الدبلوماسية القائمة على معاداة المصالح العليا للمملكة المغربية ووحدة ترابها”، مسجلاً “دخوله في حالة هذيان مرضي وتيه للسلوك الدبلوماسي الذي يقوم على أساسا ردود فعل عدوانية وغير عقلانية، منذ تصريح رئيس الدبلوماسية الجزائرية بعد الرسالة الفرنسية للمغرب، وكذا خطاب الأزمة، ومضامين التصريح الأخير لتبون، وهو ما يؤشر على وجود نكسة دبلوماسية على مستوى تدبير هذا الملف”.
واعتبر عيسات، في حديث لهسبريس، أن “النظام السياسي الجزائري على وعي الآن بأن الاستمرار في دعم أطروحة الانفصال يعد معاكسة صريحة لمواقف الدول الكبرى التي عبرت عن دعمها الوحدة الترابية للمغرب، بما فيها الولايات المتحدة”، وزاد: “هنا لابد أن نلتقط إشارة هامة تتعلق بعدم برمجة الجزائر ملف الصحراء خلال رئاستها مجلس الأمن، خاصة مع صعود ترامب، وذلك بصرف النظر عن المبررات التي قدمها ممثلها”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن “فشل رئيس مجلس الأمة الجزائري، بصفته مبعوثا للرئيس الجزائري، في إقناع نظيره الغاني بالعدول عن موقف سحب الاعتراف الغاني بالجمهورية الوهمية يعني أن محور الدول الافريقية الأنجلوسكسونية، الذي تؤثر عليه جنوب إفريقيا والجزائر، أصبح يعي جيدا أن الاستمرار في دعم الكيان الوهمي يعاكس الحقائق التاريخية والقانونية، خصوصا أن غانا ودول محور خليج غينيا انخرطت في الجهود التي يقودها المغرب مع باقي الدول للنهوض بالشريط الأطلسي وجعله فضاء للحوار والتنمية والرخاء المشترك”.
ونبّه الباحث ذاته إلى أن “العقيدة العسكرية للنظام الجزائري يبدو وكأنها أصبحت بدورها تعي عواقب انزياحها عن الجهود الرامية إلى استتباب الأمن والسلم الإقليميين، لاسيما بعد حديث دول الساحل عن دعهما الإرهاب والتطرف والانفصال، ما جعلها توقع مذكرة تفاهم مع القيادة العسكرية الأمريكية بإفريقيا (أفريكوم)، التي ترمي إلى دعم الاستقرار والأمن الإقليميين والدوليين”.
المصدر: هسبريس