جدد الخطاب الملكي التأكيد على أن الصحة والتعليم والشغل قطاعات تظل في صلب أولويات المغرب الصاعد، مع تعزيز العدالة الاجتماعية والمجالية، وتلاقي التوجيه الملكي مع الخط السياسي للأحزاب الجادة؛ إذ دعا الملك البرلمان والحكومة إلى تسريع برامج التنمية الترابية، ودعم المبادرات المحلية، وخلق فرص الشغل، والنهوض بالتعليم والصحة، مع العناية بالمناطق الهشة في الجبال والواحات.
المغرب الصاعد والعدالة المجالية
قال أحمد درداري، أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري بجامعة عبد الملك السعدي رئيس المركز الدولي لرصد الأزمات واستشراف السياسات، إن الخطاب الملكي ذكّر أعضاء البرلمان بدور المؤسسة التشريعية في مجالات التشريع ومراقبة العمل الحكومي وتقييم السياسات العمومية، منوها بالجهود المبذولة للارتقاء بـالدبلوماسية الحزبية والبرلمانية في خدمة القضايا العليا للبلاد، وداعيا إلى المزيد من الاجتهاد والفعالية في إطار التعاون والتكامل مع الدبلوماسية الرسمية.
وأضاف درداري، في تصريح لهسبريس، أن الملك دعا أعضاء مجلس النواب إلى العمل بروح الجدية والمسؤولية لاستكمال المخططات التشريعية وتنفيذ البرامج والمشاريع المفتوحة، مع التحلي باليقظة والالتزام في الدفاع عن قضايا المواطنين، منبها إلى تجنب التناقض أو التنافس بين المشاريع الوطنية الكبرى والبرامج الاجتماعية، لأن الهدف هو تنمية البلاد وتحسين ظروف عيش المواطنين أينما كانوا.
وأورد رئيس المركز الدولي لرصد الأزمات واستشراف السياسات أن الخطاب أكد على أهمية تأطير المواطنين والتعريف بالمبادرات العمومية والقوانين والقرارات، ولا سيما تلك التي تتعلق بحقوق وحريات المواطنين مباشرة، مشددا على أن مسؤولية التأطير ليست حكومية فقط، بل تشمل الجميع، مع بقاء المسؤولية الأولى للبرلمانيين لتمثيل المواطنين.
وأوضح المتحدث ذاته أن الخطاب الملكي ذكّر بتسريع مسيرة المغرب الصاعد وإطلاق جيل جديد من برامج التنمية الترابية كما جاء في خطاب العرش الأخير، باعتبارها قضايا كبرى تتجاوز الزمن الحكومي والبرلماني، وربط ديناميات البلاد بتحقيق عدالة اجتماعية ومجالية أكبر، وضمان استفادة الجميع من ثمار النمو وتكافؤ الفرص بين أبناء الوطن الموحد.
كما ركّز الخطاب، وفق الأكاديمي المغربي نفسه، على التنمية المحلية للتعبير عن تقدم المغرب الصاعد والمتضامن، مع التأكيد على أن العدالة الاجتماعية ومحاربة الفوارق المجالية تشكل توجها استراتيجيا يجب الالتزام به، ورهانا مصيريا يحكم مختلف السياسات التنموية، موضحا أن التحول الكبير في التنمية الترابية يقوم على معطيات ميدانية دقيقة، واستعمال التكنولوجيات الرقمية، ويتطلب تغييرا ملموسا في العقليات وطريقة العمل وترسيخ ثقافة النتائج.
وفي تحليله لمضامين الخطاب، قال درداري إن الملك دعا الحكومة إلى تسريع برامج التنمية الترابية عبر علاقات رابحرابح بين الحضر والريف، وتشجيع المبادرات المحلية، وخلق فرص الشغل، والنهوض بالتعليم والصحة والتأهيل الترابي، مع العناية بالمناطق الهشة، وتفعيل التنمية المستدامة للسواحل، وتوسيع المراكز القروية الناشئة لتقريب الخدمات للمواطنين.
وأشار رئيس المركز الدولي لرصد الأزمات واستشراف السياسات إلى أن السنة المقبلة حافلة بالمشاريع والتحديات، وأن الملك ينتظر من الحكومة والبرلمان، أغلبية ومعارضة، تعبئة كل الطاقات وتغليب المصالح العليا للوطن والمواطنين، مع الحفاظ على الثقة الموضوعة في البرلمانيين والأمانة الملقاة على عاتقهم بما تتطلبه من نزاهة والتزام ونكران الذات.
وأكد أن عمق الاهتمام الملكي بقضايا الوطن والمواطنين يثقل كاهل البرلمانيين والوزراء والأحزاب والسلطات العمومية، ويعكس عدم الرضى على طرق الأداء التقليدية التي تجاوزها الزمن، مضيفا أن اصطدام الأجيال يؤكد اقتراب وقت تغيير منهجية التفكير الوطني سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وأن تدبير الزمن التنموي بالأساليب السابقة وصل إلى حد الإفلاس.
وأوضح درداري أن الحل يكمن في اعتماد حكامة جديدة قادرة على الاستجابة لتحديات الرقمنة لربح المعارك التنافسية وتحسين مستوى عيش المواطنين، مع إعادة تأثيث بيوت المواطنين المنتخبة وضمان قدرة البرلمان على تمثيل الرؤية العامة للدولة، وتهميش الممثلين العاجزين عن مواكبة هذه التحولات.
تلاقي الرؤى
من جهته، قال فادي وكيلي عسراوي، الكاتب الوطني للشبيبة الاتحادية، إن الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية الخريفية جدد التأكيد على أن قضايا الصحة والتعليم والشغل تظل في صلب أولويات الملك، مذكّرا بأنها كانت محور تنبيه في خطاب العرش، وهو ما يعكس وعي المؤسسة الملكية العميق بهموم المواطنات والمواطنين، خاصة في العالم القروي والمناطق النائية، تجسيدا لمفهوم العدالة المجالية.
وأشار عسراوي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أن هذه القضايا هي ذاتها التي ما فتئ حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يدافع عنها في بلاغاته الرسمية ومؤتمراته الإقليمية، تحت قيادة الكاتب الأول للحزب إدريس لشكر، مؤكدا على تلاقي الرؤى بين التوجيهات الملكية والخط السياسي لحزب “الوردة” فيما يخص العدالة الاجتماعية والمجالية.
وأضاف الكاتب الوطني للشبيبة الاتحادية أن الملك محمدا السادس أنصف الأحزاب الجادة، وعلى رأسها حزب الاتحاد الاشتراكي ومنظماته الموازية، التي تقوم بأدوارها كاملة في تأطير المواطنين والتواصل معهم عبر مقرات الحزب الممتدة من طنجة إلى الكويرة، إضافة إلى حضورها الفاعل في الفضاءات العمومية.
كما دعا عسراوي إلى التفاعل الإيجابي مع التوجيه الملكي للأحزاب بضرورة تعزيز العمل الدبلوماسي الحزبي، مبرزا أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يضطلع بدور ريادي في هذا المجال من خلال حضوره القوي داخل الأممية الاشتراكية، والتحالف الديمقراطي العربي، والمنتدى الدولي للبرلمانيين الشباب، والاتحاد العالمي للشباب الاشتراكي، بما يعزز صورة المغرب ومواقفه داخل الفضاءات السياسية الدولية.
المصدر: هسبريس