هذه بعض طرائف طبيب إنجليزي بتارودانت زمن السلطان محمد بن عبد الله
. ويليام لامبريير William Lemprière طبيب إنجليزي (1751ـ1834). التحق بالخدمة الطبية العسكرية ببلاده في عام 1789، إبان بدايات الثورة الفرنسية. وتم إلحاقه بحامية جبل طارق. وفي شتنبر من السنة نفسها تلقى الجنرال قائد تلك الحامية خطابًا من سلطان المغرب سيدي محمد بن عبد الله، يطلب فيه إرسال طبيب إنجليزي لعلاج ابنه الأمير عبد السلام من مرض في العينين. وذلك مقابل مكافأة مالية سخية وتحرير عشرة بحارة بريطانيين من الاحتجاز.
قضى لامبريير مدة طويلة في تلك المهمة بقصر الأمير بتارودانت ثم ببلاط السلطان نفسه بمراكش. فحصلت له معهما أحداث طريفة ومثيرة رواها في كتابه للقراء الإنجليز من بعد عودته إلى بلاده في كتاب تمت ترجمته إلى اللغة الفرنسية تحت عنوان: “رحلة في إمبراطورية المغرب ومملكة فاس” Voyage dans l’empire de Maroc et le royaume de Fez وبالنظر لما ضمنه من طرائف مثيرة عن المغرب تمت إعادة طبعه ونشره خمس مرات ما بين 1793 و1818. ترجمت أنا منه إلى اللغة العربية مقتطفات اعتبرتها مفيدة للقارئ المغربي.
جمع العلم أن الطبيب لامبريير ما كان عالم اجتماع. لكن مع ندرة الأجانب الذين زاروا وأقاموا بالمغرب في عصره ودوّنوا في الوقت نفسه ملاحظاتهم، ليس لنا الخيار في أفضل منه نُطل من خلال سمعه وبصره على جوانب من الحياة اليومية في عهد سيدي محمد بن عبد الله. أحداث وعادات وتقاليد لا يلقي لها بال المغربي فلا يدونها. وهو لم يقتصر على تدوين ما رآه وما سمعه، بل غالبا ما تمادى في الحكم عليه بصرامة وقسوة الأوروبي البرجوازي المتعالي والفخور بكونه قادما من بلاد متحضرة إلى بلد متخلف في نظره، والمتطلع إلى إثارة فضول القارئ الإنجليزي. ومع كل ذلك، وكما تقدم، فهذه المادة الخام لا تخلو من الفائدة بالنسبة لنا كمغاربة لما نغض الطرف عما جاء فيها من اعتبارات التعالي الممزوجة بالاحتقار ولما نقفز عما جاء فيها من أخبار لا تحظى بالمصداقية. فلنتركه يحكي بنفسه تفاصيل أحداث بدايات تلك المغامرة بتارودانت مع الأمير المريض ومع حاشيته من حوله ثم مع بعض من ساكنة المدينة.
فيقول إنه في شهر شتنبر من عام 1789 طلب قنصل جلالة ملك بريطانيا بطنجة من الجنرال القائد لحامية جبل طارق أن يبعث طبيبا جراحا مقتدرا إلى مولاي عبد السلام الابن المحبوب لإمبراطور المغرب والمهدد بفقدان بصره. كان الأمير يتوخى من طبيب أوروبي التخفيف من معاناته التي لم ينفع معها علاج المعالجين المحليين. ووعده بمكافأة سخية علاوة على تحمل كل نفقاته وعلى حمايته في الطريق بأفراد من الجنود. والأمر الذي كان من شأنه تشجيعي أكثر على مهمة علاجه هو الوعد بتحرير عدد من العبيد النصارى الذين كانوا يئنون تحت نيْر الأسر. وكان من بينهم عشرة بحارة إنجليز بما فيهم قبطانهم، والذين شاء سوء حظهم أن ترمي الأمواج الهائجة بسفينتهم على شواطئ هذا البلد الوحشي من إفريقيا.
ولم تجد عندي حماسة الشباب صعوبة في إيقاد فضولي من أجل استكشاف هذا البلد الغامض الذي قل من يعرفه من بين الأوروبيين، فتطوعت لتلك المهمة. تحدد موعد سفري ووصلت من جبل طارق إلى طنجة على ظهر سفينة صغيرة في 14 شتنبر 1789. حينها كان الأمير الذي طلب من يعالجه يقود حملة عسكرية بأمر من أبيه بين مراكش وتارودانت محل إقامته. وغادرت طنجة لما علمت بعودته إلى مدينته. قبل ذلك اتخذ لي حاكم المدينة يهوديا يحسن الإنجليزية كي يرافقني في رحلتي كترجمان وجنديين لحمايتنا. وفي الطريق كنت أتوقف للاستراحة في بعض المدن.
من بعد قضاء ستة أيام في موڭادور عاد الرسول الذي أخبر الأمير عني ليبلغني أوامره. فحثني على الذهاب إليه بتارودانت. وأضاف حاكم موڭادور إلى عدد مرافقي ثلاثة جنود زنوج مسلحين جيدًا وأعطاني خيمة أفضل ومنحني مترجما يهوديا يتحدث الإنجليزية بسهولة. وتم إعفاء المترجم الأول البائس الذي سبق أن تم إجباره في طنجة على مرافقتي، فعاد من حيث أتى مغمورا بالفرح. قضيت ثلاثة أيام في السفر لقطع الستة وسبعين ميلا (122 كلم تقريبا) الفاصلة بين موڭادور وسانتا كروز (أڭادير الحالية). بالنظر إلى ما ذكرته عن صعوبة التنقل في هذا البلد فلن يتصور القارئ أنني قضيت مدة طويلة لقطع تلك المسافة، لكن من دون أن يتخيل كم كانت الطريق متعبة. أحيانا كنا نضطر للنزول من فوق البغال وبالكاد كنا نستطيع السير على الأقدام.
غادرت سانتا كروز في 26 أكتوبر 1789. وفي غضون يومين وصلت إلى تارودانت، التي تبعد بأربعة وأربعين ميلًا. الطريق كان جميلا جدًا، ولكنه ممل من حيث لم يكن لدي فيه للعبور سوى القليل من الأراضي المنبسطة والغابات. فور وصولي تم اقتيادي إلى قصر الأمير على بعد نصف ميل من المدينة. هذا المبنى الملكي الذي كان مريضي الجليل هو مهندسه، صغير جدا. لكن له مظهر جميل من الخارج. وينقصه الذوق ووسائل الراحة من الداخل، مثل باقي دور المغاربة. سرعان ما تظهر عيوبه لمن يهتم بفحصه. القصر من الطوب محاط بجدار عالي. تتوسطه حديقتان بحالة ممتازة جدا تم رسمهما من طرف أوروبي، وتوجد بينهما نافورة. ويعتني بهما إسباني مرتد (يعني إسباني نصراني أسلم).
ولما دخلت باحة القصر وجدت على جنباته العديد من الرجال جالسين بمقاعد مثل النوافذ المحفورة في الجدران ينتظر كل منهم مجيء دوره للحظوة بالمناداة عليه لمقابلة الأمير. وبما أنني كنت في حرج من الجلوس مع أناس لا أحسن لغتهم بقيت واقفا أمشي ذهابا وإيابا حتى ظنوا أنني مجنون. وبعد الانتظار لمدة ساعة جاء دوري كي أدخل وبرفقتي مترجمي. مررنا من قاعة مظلمة تؤدي إلى باحة مربعة وواسعة يوجد بها باب مجلس الأمير مولاي عبد السلام. لما دخلت وجدته جالسا أرضا على وسادة، ومن تحتها بساط طويل يجلس على جنباته رجال حاشيته. فقدمت له رسالة القنصل الإنجليزي من بعد ما طواها أحد خدمه في منديل من حرير. حيّاني مومئا برأسه وقائلا “بونو طبيب بونو إنجليزي”. في ذلك خليط من العربية والإسبانية الذي يعني “طبيب جيد وإنجليزي جيد”. ثم أمرني الخادم بالجلوس أنا ومترجمي على الأرض بجانب الأمير.
لما رأيت مولاي عبد السلام سنة 1789، كان سنه خمسا وثلاثين سنة. قامته كانت متوسطة. تشوهت ملامح وجهه تماما جراء الحوادث التي أصابت عينيه. بشرته داكنة وأسنانه نخرة. لكن بالرغم من وجهه المشوه لم يكن قاسي المزاج مثل باقي الأمراء الأفارقة. لباسه لا يختلف عن لباس المغاربة سوى بشريط من حرير ملفوف من حول عمامته. كانت تلك هي العلامة التي تتميز بها عائلة السلطان. كان يرتدي قميصا فضفاضا جدا من القماش القرمزي المطرز بالفراء، والذي يسميه المغاربة قفطانا. ويمكن رؤية الرعايا يرتدون ملابس فاخرة مثل ملابس الأمراء وحتى ملابس السلطان.
أعرب الأمير عن فرحه الشديد بوصولي. وسألني ما إذا كنت قد أتيت بمحض إرادتي وما إذا كان الأطباء الإنجليز يتمتعون بسمعة جيدة في أوروبا. أجبت على السؤال الأول بأن حاكم جبل طارق هو الذي أرسلني، والثاني، أنه
كان عليّ أن أنصف الحقيقة وبلدي، مؤكدا للأمير أن أفضل الأطباء وأشهرهم يوجدون في إنجلترا. وسألني عن تقاليد الأوروبيين. كان مهتما على الخصوص بقوانين إنجلترا وبنظام حكمها. ولما كان لا يفهم جيدا أجوبتي كان يطلب مني إعادتها. كل شيء فيه كان يشير إلى أنه يريد التعلم. ثم بدأت الأسئلة تنهال علي من أفراد حاشيته. وكان الجميع يريد استفساري.
بعد هذه المقدمة، طلب مني عبر المترجم فحص نبضه وفحص عينيه. إحداهما قل بصرها بسبب غشاء المياه الزرقاء. والأخرى كانت تعاني من تشنج عصبي. وكان يريد في الحال معرفة رأيي في الأمر ومدة العلاج. فأجبت بأن ذلك يتطلب وقتا كافيا كي أشخص مرضه بشكل جيد. وأضفت أنني سأتأكد من ذلك من بعد يومين أو ثلاثة. كنت قد حلقت ذقني في ذلك الصباح. ولما رآني أحد أفراد الحاشية من دون لحية قال بأنني ما زلت شابا كي أكون طبيبا جيدا. وادعى آخر بأنني أسعى لإخفاء سني الحقيقي بتغطيتي شعري بمسحوق. وزعم ثالث بأن الشعر فوق رأسي ليس لي. لكن الذي استغربوا منه أكثر هو لباسي الأوروبي اللصيق من قريب بجسمي. مع العلم أن لباس المغاربة فضفاض جدا ولا يليق في رأيي بهذا المناخ الحار بهذا البلد.
لباس أنجليزي وباروكة في القرن الثامن عشر
لم يكن هذا اللقاء الأول مهما. من بعد تعب السفر كنت أتمنى تأجيله. لكن اضطررت لتمديده إلى حين تلبية رغبات كل افراد الحاشية. لم يكن من بينهم من لم يطلب مني فحص نبضه ولم يستفسرني عن حال صحته. من بعد كل هذه الاستشارات الطبية أبلغني الأمير عبر مترجمي أنه أمر بتخصيص بيت مريح من أجلي وأنه ينصحني بأن أنصرف كي أستريح. فابتهجت بذلك، لكنه أمرني بالعودة يوم الغد باكرا.
البيت الذي خصصه لي ما كان سوى قاعة نوم بئيسة بملاح اليهود الذي كان على بعد نصف ميل. هذه القاعة المتسخة والضيقة ومن دون نوافذ توجد بدار أهم شخص بين اليهود في تارودانت. لا يدخلها النور سوى من الباب الذي مع الأسف يطل على بيوت ثلاث عائلات يهوديات أخرى، من حول فناء حيث كانت ترمي كل أزبالها. فبلغ غضبي من ذلك إلى حد عزمي على امتطاء بغلتي والعودة للقصر كي أشتكي من سوء المسكن الذي تم اختياره لي. لكنني تذكرت ما قيل لي بأنه كان من بين أفضل ما يوجد بالمدينة وأنه ينبغي أن أتوقع المعاناة من كل المساوئ في مثل هذا السفر. فقررت الاستكانة فيه واستعماله بأقل قدر ممكن. لكن لم أصبر وفاتحت الأمير في الموضوع فأمر في الحال بإسكاني في حديقة القصر. لكن أوامره لاقت ما يكفي من المماطلة في التنفيذ، فما تم منها شيء حتى قبيل مغادرتي تارودانت.
من بعد قضاء ليلة متعبة بمسكني عند اليهودي التحقت بقصر الأمير عبد السلام لفحص عينيه بإمعان أكبر من الأمس. وما أن وصلت حتى فُتح لي الباب ووجدته في انتظاري مع شيء من القلق خوفا من أن يكتشف أنه مصاب بمرض عضال. وبالفعل لما فحصت عينه تبين لي أن حظوظ شفائها ضئيلة. وتكتمت على ذلك، واعترفت له فقط بأنني غير واثق من أنني سأفتخر بعلاجه جذريا. لكنني أعطيته الأمل بالتخفيف من وطأة مرضه بشكل كبير بالرغم من عدم وثوقي بذلك. ومن أجل الوقت اللازم لتجريب أدوية مختلفة طلبت منه مدة شهرين من العلاج كي أحصل على الدواء الصالح. ومع إظهاره استعدادا لتلك التجارب بدأ بأخذ ما وصفته له من يومه. خلال الفحص الثاني وجدت أن غشاء المياه الزرقاء أفقده تماما الإبصار بالعين اليمنى. فما بقي لي سوى علاج العين اليسرى التي تعاني من التشنج العصبي المتواصل والذي يهددها بالعمى. حركاتها كانت عنيفة لدرجة أن بؤبؤها كان يختفي أحيانا من جهة الأنف. كان الأمير بالكاد يرى الأشياء الكبيرة لكن من دون التحقق من شكلها. وعلاوة على ما وصفت له من دواء وصفت له حمية قاسية كي يلتزم بها. ومخافة تهاونه طلبت من خادمه الذي يحظى عنده بثقة كبيرة أن يتكلف بحثه على اتباع العلاج كما وصفته كتابة وتمت ترجمته إلى العربية. وصفت له كذلك أدوية موضِعية. وحتى لا يتهاون في استعمالها تكلفت أنا بنفسي بعلاجه بها.
كان الأمير شديد الانقياد لشرب كل ما عرضته عليه. وذلك على الرغم من المذاق القبيح للأدوية التي استخدمتها. لكن ظل من المستحيل عليه أن يتصور كيف يمكن للعلاجات التي يتم تناولها عن طريق الفم أن تؤثر على علاج عينيه. إلا أنني وجدته أكثر عقلانية من كل من حوله. كان يحلو لهذه الشرذمة الغبية أن تستهزئ بطريقتي في العلاج وتقول بصوت عال إنه من الحمق علاج داء خارجي بدواء غير موضِعي. المقربون أكثر من الأمير وسوسوا له بأنني أعمل على إضعاف مزاجه. والحياء لا يسمح لي بتكرار كل ما كان سيترتب عن علاجي، في اعتقادهم، من مهالك على صحته وعلى الاستمتاع بملذاته (يقصد بلا شك الجنسية). أقول فقط بأن كل تلك السخافات كان لها تأثيرها على عقل مريضي الذي لم يتأخر في إخباري بمخاوفه. ما علمته من الشرور التي أصبحت تحيط بي أوقعتني في حرج كبير. فصرت أقول في نفسي كيف يمكن إسماع صوت العقل لأشخاص لا يعرفون لغته؟
واتخذت أخيرا قرار تبرير نمط علاجي الذي لا يسع كل ذي عقل سوى الاقتناع به. أكدت للأمير بأن الأدوية التي وصفتها له لا يمكن بأي حال أن تضر بصحته. وحاولت إقناعه بأن شرفي وسمعتي مرتبطان بعدم إغفال أي شيء من أجل أن يسترجع بصره. وبعيدا كل البعد عن الإضرار بصحته فإنني أبذل كل ما في وسعي لإسعافه. وأضفت قائلا بأن العلاج الذي وصفته له إن لم يحظ برضا أهل العلم فسأفقد سمعتي. حينها فقط هدّأت أخيرا كل هذه المبررات المعقولة من روع الأمير. ويظهر أنه شعر اخيرا بأن حاشيته كانت تفتري عليّ. وكي يُنسيني المزاج السيء الذي كان يقابلني به منذ أيام، اعترف لي أن سببه الخوف. وأخذت منه العهد بمواصلة اتباع الحمية التي وصفتها له من دون انقطاع، اللهم في حال ما شعر أن صحته لا تتحسن. لكن ما أنعش ثقته هو تبيّنه من بطلان توقعات حاشيته. لم تُصبه أي حادثة خوّفوها منها. وصرت أزور مريضي الجليل مرتين كل يوم. ما تبقى من الوقت كنت أقضيه في قراءة كتب أخذتها معي من موڭادور. ومن وقت لآخر كنت أتسلى بالركض على ظهر الفرس بنواحي تارودانت.
ثم تلقيت دعوة من القاضي فالتقيت به في داره. وجدته شيخا سبعينيا جليلا بلحية طويلة وبيضاء تفرض الاحترام. سألته بعض الأسئلة عبر ترجماني فوجدت أن أكبر متاعبه الصحية ناجمة عن ثقل سنين عمره المتقدم. وكان يعرف هو نفسه أنه في حاجة فقط لحمية ليّنة لقضاء ما تبقى من العمر في سلام. فالتمس مني أن أصف له إحداها. ومن بعد تلبية طلبه شكرني بكل لطف وبكل صدق. وعبر لي عن حساسية حقيقية عندما تحدث معي عن الحزن الذي أشعر به لكوني بعيدًا جدًا عن والديّ وعن أصدقائي. لقد أشفق على إرسالي إلى بلد تختلف عاداته كثيراً عن عادات بلدي. وتوسل إلي بأن أعود لرؤيته. فتفاجأت كثيرا بشكيمة وعقل هذا الرجل الذي يعيش وسط شعب نصف متوحش. وقد سألني ذات مرة عن راتب القاضي في إنجلترا. ولما أجبته، قال: “كيف إذاً، القاضي عندكم يتقاضى راتبا أفضل من راتبي! هل تعلم أن الإمبراطور يعطيني فقط خمسين دوكات في السنة (عملة ذهبية من البندقية).
ولم أكن محظوظا ولا ممدوحا بالقدر نفسه عند باقي المرضى من أهالي تارودانت. كانوا كلهم تقريبا ودائمًا جاحدين للجميل ووقحين. منهم من كان يأتيني فقط لسرقتي. الأمر الذي لم يكن صعبا في مثل مسكني. البعض الآخر ما كان يقنع باستشارتي وبوصفاتي الطبية فكانوا يريدون مني مالا وهدايا. وحينما أطرد الوقحين منهم الذين كانوا يهددونني بخناجرهم. وأقلهم شرا كانوا ينصرفون محملين ببعض أمتعتي البسيطة. كثرة شكواي من تصرفات هؤلاء الأوغاد لم يقلل من شفقتي على بؤسهم الشديد. فكنت أساعدهم بقدر ما أستطيع. لكن الحشد أصبح أكثر عددا وجرأة وتطفلًا يومًا بعد يوم. فاضطررت إلى تقديم شكواي إلى الأمير مولاي عبد السلام الذي أعطاني حارسًا لحراسة باب منزلي. هكذا صار المرضى يدخلون فرادى من بعد خروج الآخر.
وفي هذا ما يكفي من حديث لامبريير عن أحداث مغامرته بتارودانت بالنظر إلى حجم المقال الذي لا يتسع لأكثر من ذلك، على أمل اللقاء إن شاء الله في مقال آخر شيق يتعلق بدخول الطبيب لحريم الأمير بأمر منه لفحص وعلاج بعض نسائه بطلب ملح من طرفهن.
المصدر: هسبريس