لا يزال العرس الأسطوري الذي نظمه أحد بارونات المخدرات في منطقة زاگنغان بإقليم الناظور حديث مواقع التواصل الاجتماعي، لما تخلله من مشاهد غير مألوفة بالنسبة للمغاربة، أقرب إلى ما يشاهدونه في الأفلام السينمائية.
الحفل جمع باقة من أشهر الأسماء في الساحة الفنية، من بينها دنيا بطمة، زينة الداودية، عادل الميلودي، فيصل الصغير، نجاة عتابو، بدر سلطان، قادر جابوني، وولد عيشة.
مصادر مطلعة كشفت أن أجور الفنانين الذين أحيوا العرس تراوحت ما بين 60 و70 مليون سنتيم، وهو مبلغ ضخم مقارنة بمناسبة خاصة.
وأظهرت مقاطع فيديو انتشرت على المنصات الإلكترونية الفنانين وهم يتلقون “غرامات” تقدر بملايين السنتيمات أمام عدسات الكاميرات، وهو ما أثار موجة تساؤلات حول مصدر هذه الأموال ومدى خضوعها للتصريح الضريبي، في ظل الجدل المتواصل حول تهرب عدد من الفنانين من أداء الضرائب على مداخيلهم.
وأعادت هذه المناسبة فتح النقاش حول واقع القطاع الفني، الذي يعاني من هشاشة في المراقبة وضعف في آليات التتبع، حيث يشتغل عدد كبير من الفنانين خارج الأطر المهيكلة، عبر عقود شفوية أو اتفاقات جانبية، ما يجعل مداخيلهم بعيدة عن أعين الإدارة الضريبية، ويفتح الباب أمام التملص من الالتزامات الجبائية.
مصدر مهني أوضح في تصريح سابق لـ”العمق” أن بعض الفنانين يحققون أرباحا صافية تفوق أحيانا 200 ألف درهم شهريا من عائدات الإعلانات على المنصات الرقمية، بينما تظل هذه المداخيل خارج التصريح الجبائي، مضيفا أن هذا الوضع يعكس فراغا تنظيميا يتيح مساحة واسعة لعدم الالتزام بالقانون، مؤكدا أن أغلب الفنانين يشتغلون بصفة حرة، الأمر الذي يصعب معه تتبع معاملاتهم المالية، خاصة في الحفلات الخاصة أو التعاقدات غير المهيكلة.
واعتبر المصدر ذاته، أن هذه الممارسات تُخل بمبدأ العدالة الضريبية، وتضعف قدرة الدولة على تعبئة الموارد المالية لتمويل الخدمات العمومية، مشددا على أن غياب المراقبة الصارمة في القطاع الفني يشكل ثغرة تستوجب إصلاحا عاجلا، خاصة في ظل الارتفاع الكبير في حجم الأموال المتداولة في الحفلات والمجال الرقمي.
وأضاف أنه لا يمكن الجزم بأن جميع الفنانين يتهربون ضريبيا، إذ هناك فئة تشتغل في إطار منظم عبر شركات إنتاج أو عقود رسمية، ما يجعلها خاضعة للمراقبة الضريبية، مشددا على ضرورة القيام بإصلاحات تشريعية واضحة، تفرض الشفافية وتضمن في الوقت نفسه العدالة الجبائية، لأن الرهان ليس فقط على تحصيل موارد مالية إضافية للخزينة، بل أيضا على استعادة ثقة الجمهور الذي يرى في غياب المراقبة امتيازا غير عادل مقارنة بباقي المواطنين، وفق تعبيره.
ويرى مراقبون أن هذه الممارسات ليست مجرد خرق إداري، بل تمس جوهر المنظومة الجبائية القائمة على مبدأ المساواة في تحمل الأعباء العمومية. فالمواطن البسيط والموظف الصغير يؤديان ضرائبهما بشكل مباشر ودوري، بينما يحظى بعض الفنانين بـ”امتياز غير معلن” يتمثل في غياب الرقابة الصارمة، وهو ما يضعف ثقة الجمهور في النظام الضريبي، ويكرس صورة سلبية عن العدالة الجبائية.
ويجمع المتتبعون على أن معالجة هذا الخلل تستدعي إصلاحات تشريعية ومؤسساتية، تقوم على إدماج القطاع الفني في المنظومة الاقتصادية الرسمية، عبر فرض التعاقدات المكتوبة، وربط العائدات الرقمية بالتصريح الضريبي، وتعزيز دور المراقبة والمحاسبة. فالقضية لا تتعلق فقط بتحصيل موارد إضافية للخزينة العامة، بل أيضا باسترجاع ثقة المواطن في عدالة النظام الضريبي، وضمان مساهمة جميع الفئات، بما فيها الفنانين، في تمويل الخدمات العمومية ودعم التنمية الوطنية.
المصدر: العمق المغربي